منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية

جيبوتي لاعب مهم.. وإيران استفادت من علاقاتها بإريتريا

منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية
TT

منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية

منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية

يلعب القرن الأفريقي بحكم موقعه الجيو - استراتيجي دورًا محوريًا مؤثرًا على البحر الأحمر، فهو منطقة ارتباط بين القارة الأفريقية والأوروبية والآسيوية عبر ممر باب المندب، الذي يعتبر شريان التجارة الدولية من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر والعكس كذلك. ومن جهة ثانية تعتبر هذه المنطقة الحساسة جوارًا لكل من المملكة العربية السعودية واليمن، وهي امتداد استراتيجي لقناة السويس، كما تصل أهميتها البالغة إلى الأردن من الجهة الشرقية.

يضم القرن الأفريقي كلا من إريتريا وجيبوتي وإثيوبيا والصومال، ويمكن أن يضاف إليهما السودان وكينيا. وهذه مجموعة من الدول يعاني مجملها من وجود ميليشيات مسلحة، وحركات إرهابية.
ولكون المنطقة ذات أهمية استراتيجية، فإن التنافس الدولي حولها أخذ منعطفًا جديدًا مع تحرك العسكري لميليشيات الحوثي، المدعومة من إيران، وانقلابها على الشرعية باليمن. ويأتي ذلك في ظروف إقليمية تشهد هجمات إرهابية قاسية في كثير من دول القرن الأفريقي، خصوصا في الصومال وكينيا التي تنشط فيهما «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية، ما تسببت في قتل أكثر من 200 شخص في عملياتها الأخيرة. وكانت العملية الأسوأ بلا شك المذبحة التي نفذتها في جامعة بمدينة غاريسا في كينيا مطلع أبريل (نيسان) الماضي، والتي أسفرت عن قتل نحو 150 شخصًا، وما تبعها من عمليات انتحارية ضد كوادر الأمم المتحدة في مدينة غارويه الصومالية.
وتظهر هذه العودة القوية لـ«حركة الشباب» نوعًا من تزايد قدرتها على التحرك بعدما عانت من تراجع واضح، بجهود حثيثة من القوات الصومالية والأفريقية، والطائرات من دون طيار الأميركية. وكذلك بسبب خلافات التنظيم الداخلية بين «التيار الجهادي العالمي» الذي تزعمه أحمد هادي غودنا، الذي يطالب بتعميم الجهات خارج البلد، والتيار المحلي الصومالي.
فلقد تبنت «حركة الشباب» مسؤولية الهجوم بسيارة مفخخة على مطعم في مقديشو أسفر عن سقوط عشرة قتلى، بتاريخ 21 أبريل 2015، كما قتلت النائب البرلماني عن منطقة بونتلاند سعيد حسين نور في 9 مايو (أيار) 2015 بمدينة غالكايو. كذلك سيطر هذا التنظيم على مناطق جديدة بجنوب الصومال فجر يوم 15 مايو 2015، من ضمنها منطقة أوطغلي وقريتي مبارك ودار السلام وبلدة الشام، بعد مواجهات مع القوات الحكومية.
في ظل هذا الوضع غير المستقر، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تكييف استراتيجيتها مع هذه المستجدات وعلاقتها بتطورات كبيرة تمسّ منطقة «القرن الأفريقي» ودورها الحساس على المستوى الدولي. وتأتي جولة وزير الخارجية جون كيري التي ابتدأت بتاريخ 4 مايو 2015 في كينيا لتؤكد من جديد على أهمية المنطقة بالنسبة للرؤية الأميركية لأمنها القومي، فقد ركز الوزير كيري خلال مباحثاته مع الرئيس الكيني أوهورو كيناتا على مكافحة الإرهاب في «القرن الأفريقي» واستئصال «حركة الشباب» الصومالية. كذلك أعلن كيري عن دعم بلاده لمكتب مفوضية اللاجئين بكينيا بـ45 مليون دولار لمساعدة اللاجئين الصوماليين في كينيا. وفي خطوة لا تخلو من الدلالة قام وزير الخارجية الأميركي في 5 مايو الحالي بزيارة للصومال، وهي الأولى من نوعها لمسؤول رفيع المستوى للجهاز الدبلوماسي الأميركي منذ ثمانينات القرن العشرين. وأجرى كيري في أول زيارة يقوم بها وزير خارجية أميركي إلى جيبوتي، يوم 6 مايو 2015، مباحثات مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيله، تناولت أهمية منطقة «القرن الأفريقي» والبحر الأحمر. كما جرى التركيز على التعاون والتنسيق في مجالات التعاون الأمني والعسكري، ومكافحة «الإرهاب» وخصوصًا «حركة الشباب». وحرص الوزير الأميركي في خطاب موجه إلى العالم الإسلامي من مسجد سليمان على التأكيد أمام القيادات الدينية والشبابية والنسائية والأكاديميين والإعلاميين التي حضرت خطابه على «الاعتدال الديني» وحاجة العالم والقرن الأفريقي إلى الاستقرار، والتمكين السياسي للشباب وتحسين أوضاعهم الاجتماعية. وجاءت هذه الزيارة في سياقٍ دولي لا يخفي الصراع القائم حاليًا حول جيبوتي، التي تقارب مساحتها 23 ألف كيلومتر، وتطل على مضيق باب المندب ذي الأهمية استراتيجية لدول الجوار والقوى الدولية الكبرى.
ولا يخفى أن هذه العوامل جعلت الولايات المتحدة تسابق الزمن لتطوير العلاقات الثنائية مع هذا البلد الهام، الذي سيستضيف منتدى التعاون الأميركي - الجيبوتي الثاني مطلع بداية 2016. وانسجاما مع الرؤية الأميركية الخاصة بالصراعات الدولية حول الممرّات المائية الدولية الاستراتيجية، كانت الولايات المتحدة قد وقعت مع جيبوتي عام 2003 اتفاقا، يجري بموجبه استخدام المنشآت العسكرية في جيبوتي، ولا سيما المرافق البحرية واتخاذ قاعدة أميركية في حملتها المناهضة للإرهاب في «القرن الأفريقي». وكان قد تم تجديد الاتفاقية الخاصة بقاعدة «لومنييه» أثناء زيارة للرئيس الجيبوتي غيله لواشنطن في الخامس من مايو 2014.
هذا، وتوجد في جيبوتي أيضا مراكز لقواعد عسكرية أجنبية تابعة للقوات الفرنسية واليابانية، علما بأن هذه الأخيرة تمركزت في هذا الموقع الجيو - استراتيجي في أول سماح للقوات اليابانية بالتموضع وبناء القواعد العسكرية خارج تراب اليابان. من جانب آخر لا يستبعد الرئيس الجيبوتي السماح للصين بإقامة قاعدة عسكرية في بلاده إذا رغبت في ذلك، وهو ما يفسّر احتدام الصراع الدولي على هذه الدولة الصغيرة، التي تعد كذلك البوابة البحرية الأساسية لإثيوبيا.
والجدير بالذكر أن ثمة تعاونا وتنسيقا مشتركا بين بعض دول خليج عدن في ما يخص مكافحة الإرهاب، فبتاريخ 4 / 2 / 2014 م انعقد منتدى «خليج عدن الإقليمي الثاني لمكافحة الإرهاب» في جيبوتي لمواجهة تهديدات تنظيم القاعدة و«حركة الشباب». ويأتي هذا الاجتماع تتمة لما تم في عام 2013 في اليمن، وبتمويل من الولايات المتحدة، وقد شاركت فيه وفود رسمية من وزارات الداخلية والدفاع والخارجية لكل من الصومال واليمن وإثيوبيا وجيبوتي، وجرى التركيز على الخطر «الإرهابي» في منطقة خليج عدن، وسبل مواجهته، ومواجهة تجارة السلاح والمشكلات البحرية.
بعد انقلاب ميليشيا الحوثي وقوات علي عبد الله صالح على السلطة الشرعية في اليمن، برزت من جديد الأهمية الجيو - استراتيجية لجيبوتي، وضرورة استثمار ذلك لصالح الأمن القومي والإقليمي الخليجي. وتماشيا مع طبيعة العلاقات السعودية مع هذا البلد، أكد سفير جيبوتي ضياء الدين سعيد بامخرمة لدى الرياض إن بلاده «أيدت التحالف منذ اللحظة الأولى وفتحت مجالها الجوي لعمليات عاصفة الحزم»، وبالتالي، فهي مشاركة في التحالف الذي تقوده العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن.
كذلك قال السفير إنه «لا يفصلنا عن اليمن سوى 22 كلم هي مسافة فوهة مضيق باب المندب الاستراتيجي»، مضيفًا أن «المساعدات المرسلة من دول الخليج سيصار إلى نقلها للمحتاجين في اليمن عبر جيبوتي». ثم علّق قائلاً: «أعتقد أنّه من المهم أنْ يتكاتف المجتمع الدولي مع قيادة تحالف عاصفة الحزم، بأنْ يساعد جيبوتي لتكون المنطلق الرئيسي لوصول المساعدات اللازمة والإنسانية التي يحتاج إليها أهل اليمن بشكل عام».
وفي هذا الإطار يمكن وضع حديث الرئيس الجيبوتي غيله يوم السبت 9 مايو 2015م، عن مخاطر تعزيز «إرهاب القاعدة» نتيجة النزاع في اليمن، وتعهده بدعم السكان الفارين من النزاع. ويذكر أن رؤساء جيبوتي وتنزانيا والصومال وكينيا، وبعض وفود دول أفريقية أخرى، كانوا قد عقدوا اجتماعا أمنيا على مستوى عالٍ، برعاية العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، يوم 19 - 4 - 2015 في ميناء العقبة بالأردن. وناقش هذا الاجتماع، وهو الأول من نوعه بين هذه الدول، سبل التصدي الجماعي للجماعات الإرهابية، وخصوصا في منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط، وما يتطلبه ذلك من تقوية التنسيق، وتبادل المعلومات بين دول شرق أفريقيا والمملكة الأردنية في هذا المجال.
من جهتها، تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة لتقوية القوات الصومالية ضد «حركة الشباب» الإرهابية، إذ دشن رئيس الصومال والسفير الإماراتي يوم 12 - 5 - 2015 مركزا للتدريب العسكري، وقال السفير الإماراتي إن بلاده «قامت ببناء مركز تدريب عسكري يعمل على تدريب أفراد الجيش الصومالي وتخريجه ليكونوا قادرين على مواجهة الإرهاب المتمثل في متمردي حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تعرقل عملية السلام في البلاد»، في حين أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن «الإمارات تكفلت بناءً على حاجتنا إلى الأمن والاستقرار بدعم قوى الأمن والجيش، وهي ستزودها بمعدات عسكرية وتدربها على التصدي لظاهرة الإرهاب».
ولكن رغم الجهود الدولية والعربية الخاصة بمواجهة الإرهاب وضمان الاستقرار في «القرن الأفريقي» وخليج عدن، وكذا تطوير الدول العربية والقوى العالمية الكبرى علاقاتها مع دول «القرن الأفريقي»، فإن ذلك يواجه صعوبات معقدة ناتجة عن تباين التحالفات القائمة بين دول «القرن الأفريقي» والقوى الكبرى، وكذا مع دول مجلس التعاون الخليجي. ومن ذلك طبيعة التحالفات القائمة بين إيران وإريتريا، خصوصا بعد عام 2009م، إذ اتجهت إريتريا لبناء علاقات أمنية وعسكرية مع طهران توجّت بالسماح لـ«الحرس الثوري الإيراني» بإقامة نشاط عسكري انطلاقا من قاعدة عسكرية غير معلنة، وهو ما مكّنه من تدريب آلاف الحوثيين والشيعة العرب الآخرين، كما تمكن «الحرس الثوري» من تهريب كميات وأنواع مختلفة من الأسلحة للداخل اليمني حتى الشهور الأولى من 2015.
ولا بد كذلك من الأخذ بعين الاعتبار أن العلاقات العربية مع منطقة «القرن الأفريقي» جزء من نظام عام من العلاقات الدولية المتباينة الأهداف، والتي تصل إلى حد تناقض المصالح. فلاعتبارات استراتيجية واقتصادية وعسكرية وأمنية تتجه جهود القوى الكبرى الغربية نحو محاصرة الدول الأفرو - عربية وعزلها عن دائرة التأثير في مناطق التوتر، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على المصالح العربية، بما فيها تلك الناتجة عن الأنشطة الإرهابية، وخلق الميليشيات المسلحة المهدّد للأمن الخليجي، مما يزيد من قوة إيران الإقليمية.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».