في التصوير: ياباني عجوز فوق جزيرة

مملكة كنسوكي
مملكة كنسوكي
TT

في التصوير: ياباني عجوز فوق جزيرة

مملكة كنسوكي
مملكة كنسوكي

مايلك موربورغو روائي بريطاني اشتهر بتأليف قصص أطفال. سبعة من مؤلفاته انتقلت ثماني مرّات إلى الشاشة الكبيرة. هذا لأن روايته الأشهر «حصان حرب» انتقلت إلى الشاشة مرّتين. الأولى عندما قام ستيفن سبيلبرغ بتحويلها إلى فيلم سنة 2011 ثم قام توم موريس وماريان إليوت باقتباسها ثانية سنة 2014.
حالياً في طور الإنجاز اقتباس آخر من أحد أعمال موربورغو وعنوانه «مملكة كنسوكي» (Kensuke‪›‬s Kingdom) التي وضعها سنة 1999 وهو العام الذي شهد صدور روايتين أخريين له هما «وومبات يمضي في جولة» (Wombat Goes Walkabout) و«دب قوس القزح» (The Rainbow Bear).
تدور الرواية، التي نشرت عنها مجلة «ليترتشر توداي» في فترة صدورها نقداً إيجابياً، حول رحّالة ياباني لجأ إلى جزيرة صغيرة منعزلة بعد تحطم السفينة التي يستقلها. في البداية اعتقد أنه وحيد فوق هذه الجزيرة. لا أحد يعيش عليها سواه. هذا الخاطر مخيف. المخيف أكثر هو عندما يكتشف أنه ليس وحده كما اعتقد، هناك من يشاركه الوجود فوقها.
الاقتباس السينمائي المفترض به أن يرى النور خلال هذا العام، قام بإخراجه نيل بويل وكيرك هندري ومن البداية قررا أن ينجزاه كفيلم رسوم. هذا تطلّب الكثير من العمل الذي بدآه في العام الأول من وباء كورونا (2019) وتطلّب العمل عليه ثلاث سنوات حتى الآن.
كلاهما يصر على أن الفيلم الذي بصدد الانتهاء من تنفيذه يحمل وحي السينما الغاربة.
سينما منفذ المؤثرات البصرية لحقبة ما قبل الكومبيوتر راي هاريهاوزن (من بين أعماله الكثيرة فيلمان عن السندباد ووحوش البحر) وأفلام الوسترن التي حققها الإيطالي سيرجيو ليوني.
هذا الاستيحاء من سينمائيين معروفين بجماليات تنفيذهما لأفلامهما لا شك سيمنح الفيلم ميزة مهمّة فيما لو قام المخرجان بعمل جيد وملهم كما الحكاية نفسها. الذي قد يبدو غريباً إلى حد أن المخرجين، في أحاديثهما القليلة حول المشروع، يؤكدان أنهما لم يحاولا الاقتراب من أفلام الرسوم اليابانية.
هذا غريب إلى حد ما لكون بطل الفيلم ياباني الأصل. ومع أن هذا ليس شرطاً، إلا أن المناسبة قد تبدو ملائمة لأسلوب عمل بريطاني - ياباني التنفيذ.
ذكر السينما اليابانية في هذا المجال يقودنا صوب حفنة من أفلام الأنيميشن الجديدة التي بوشر بعرض بعضها بينما ينتظر البعض الآخر إتمام التوليف الصوتي أو البصري لها.
هناك، على سبيل المثال فقط، «ضوضاء» (Noise) الذي تم عرضه في صالات اليابان قبل شهرين وهو من إخراج رايوتشي هيروكي.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).