مهرجانات بعلبك تسير بين الألغام وتفتح ذراعيها للفنانين الجدد

ملصق من فعاليات المهرجان (الشرق الأوسط)
ملصق من فعاليات المهرجان (الشرق الأوسط)
TT

مهرجانات بعلبك تسير بين الألغام وتفتح ذراعيها للفنانين الجدد

ملصق من فعاليات المهرجان (الشرق الأوسط)
ملصق من فعاليات المهرجان (الشرق الأوسط)

إنه صيف 1960. هياكل بعلبك مضاءة لاستقبال «موسم العزّ». مسرحية رحبانيّة جديدة من بطولة نجوم صاعدين: صباح، ووديع الصافي، ونصري شمس الدين. بعلبك هانئة والجمهور مرتاح البال، يصفّق للأصوات الجبارة ولحكايات القرية اللبنانية.

بين عامي 1956 و1974. مرت مواسم عزّ كثيرة على «مدينة الشمس» اللبنانية وعلى مهرجانها الدولي. الرحابنة وفيروز والفرقة على موعد سنوي مع الجمهور، وفي سبعينها وقفت أم كلثوم ثلاث مرات على «أدراج بعلبك»، لتكرّ السبحة مع فِرَق باليه ومسرح وضيوف عالميين أمثال مايلز دايفيس وإيلا فيتزجيرالد وغيرهما.
في ـ1975 انطفأت شمس الهياكل قسراً بفعل الحرب اللبنانية، التي تراجعت خلالها النغمات لصالح أزيز الرصاص. لكن المهرجان عاد ليضيء شموعه والشموس بعد 22 عاماً، حيث توالى منذ 1997 نجوم عالميون وعرب على معبدَي باخوس وجوبيتر: شارل أزنافور، وستينغ، وجوني هاليداي، الرحابنة، ووردة الجزائرية، ومارسيل خليفة، وعاصي الحلاني، وسميرة سعيد، وشيرين عبد الوهاب، وغيرهم. عادت بعلبك مقصداً لأهل البيت ولزوّاره من الدول العربية وأوروبا.

2020. بداية التحوّلات وثقافة التأقلم
حلّت سنة 2020 ثقيلة على العالم عموماً مع جائحة «كورونا» التي فرّقت جماهير المسارح والمهرجانات، وعلى لبنان خصوصاً مع الانهيار الاقتصادي وتفجير مرفأ بيروت. ورغم كل ذلك، أضيئت أعمدة بعلبك في صيف ذلك العام، مستضيفة تحيّة أوركسترالية للوطن المتألّم وللّبنانيين الصامدين، بقيادة الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية. الحفل الذي خلا من الحضور وبُثّ عبر شاشات التلفزة، رأى فيه الكثيرون احتفاليّة وداع لوطنٍ أثقلته الجراح وكادت موسيقاه تختنق.
إلا إنّ ما حصل في السنة التالية جاء ليثبت العكس. ففي 2021 كانت مهرجانات بعلبك على موعد مع باقة من الوجوه الفنية الجديدة. أسماء لم تسمع بها غالبية اللبنانيين من قبل، انتشرت في سهول «مدينة الشمس» وبين معابدها، وقدّمت فناً جديداً لا يشبه في شيء ما سبق أن قُدّم في بعلبك.
كما في العام السابق، كان الحفل مصوّراً وبُثّ عبر التلفزيونات ومنصات البث الرقمي. لكنّ التغيير الذي حمله بالشكل والمضمون، لم يَرُق لعددٍ كبير من اللبنانيين والمشاهدين عموماً. انقسمت الآراء بشدّة على وسائل التواصل الاجتماعي، فرأى البعض أنّ «مهرجانات بعلبك انتهت» متحسّرين على «مواسم عزّ» و«ليالٍ لبنانية» مضت، فيما بدا آخرون متحمّسين لهذا النفَس الجديد المُواكب للتحوّلات التي تشهدها الموسيقى عموماً ومزاج الشباب اللبناني تحديداً.
«لا يمكن أن نبقى مصرّين على المحتوى التقليدي»، تقول نايلة دو فريج رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتضيف: «نحن كلجنة نفتخر بما قدّمنا السنة الماضية ونرى فيه إنجازاً رغم انتقادات التقليديين. هدفنا وواجبنا أن نساعد الجيل الفني الصاعد».
ليس ما يمرّ به البلد سهلاً، ودولة عاجزة عن دعم الطحين والدواء، من البديهي أن تعجز عن دعم المهرجانات الثقافية والفنية. تسير مهرجانات بعلبك بين ألغام الأوضاع السياسية والمالية المتهالكة، وتحاول الاستمرار بصفر ميزانية حكوميّة، متّكلة على الرُعاة من شركاتٍ خاصة ومؤسسات ثقافية. مع العلم بأنّ ثلث تمويل المهرجان كانت تؤمّنه الدولة اللبنانية، قبل أن تتهاوى خزينتها.
كان لهذا التعثّر المالي انعكاسٌ واضح على تركيبة المهرجان وهويّته. لكن بين الغياب والحضور المعرّض للانتقادات، اختارت اللجنة المواجهة والاستمرار، فاتحة ذراعيها لفنانين جدد وأذنيها للتعليقات، سلبية كانت أم إيجابية.
«لم أخف من التجديد»، تقول دو فريج مبررة التحوّلات التي تشهدها مهرجانات بعلبك منذ 3 سنوات: «علينا أن نتأقلم مع متغيّرات البلد ومع الإمكانيات المتاحة أمامنا. لقد تبدّل كل شيء، ولن يكون المستقبل كما كان الماضي. على سبيل المثال، لم يعد سهلاً أن نستقدم فنانين من الخارج بسبب الصعوبات المالية... نفتخر بماضي المهرجان وبجذورنا، لكننا لا نخشى النظر إلى الأمام حتى نستطيع التغيير».

تتفهّم دو فريج قلق البعض على صورة أقدم وأعرق مهرجان في منطقة الشرق الأوسط، لكنها تطمئنهم بالقول: «لمن يظنّون أن مهرجانات بعلبك انتهت، أقول إنها تشهد انطلاقة جديدة ونحن مستمرون». تذكّرهم بأنّ مَن هم اليوم أيقونات الفن اللبناني، كانوا كذلك شباناً وشابات مبتدئين في العشرينات من عمرهم، ليلة صعدوا للمرة الأولى على «أدراج بعلبك».
وعن غياب «فناني الصف الأول» عن المهرجان مؤخراً، توضح أنه لا علاقة للموضوع نهائياً بشروطهم المادية، إذ إن عدداً كبيراً منهم أبدى استعداده للتنازل عن حقوقه المادية. وتضيف: «نرحب بهم في المهرجان لكننا أخذنا على عاتقنا هذا العام وفي العام الماضي، مساعدة المبدعين الجدد».
برنامج 2022، رسالة رباعيّة الأبعاد
تقرّ دو فريج بأنّ برنامج المهرجان لهذا الصيف هو على قدر الإمكانيات المتواضعة، لكنه يحمل 4 رسائل مهمة:
- «الحفاظ على التراث الموسيقي اللبناني» من خلال حفل الافتتاح مع الفنانة سمية بعلبكي وشقيقها المايسترو لبنان بعلبكي.
- «تشجيع الفن الشبابي» عبر استضافة فريق البوب - روك اللبنانية «أدونيس».
- «الحفاظ على العلاقات مع الدول الصديقة» في حفل فلامنكو - جاز بالتعاون مع السفارة الإسبانية في بيروت.
- «خصوصية مهرجانات بعلبك» مع العازف اللبناني الفرنسي سيمون غريشي، الذي لم يوفر فرصة لدعم المهرجان من مكان إقامته في باريس.
وتوضح دو فريج أن الحفل لن يبث مباشرة كما في السنتين الماضيتين و«اللي بدو يحضر لازم يطلع ع بعلبك»، داعية الجميع إلى المشاركة في احتفالية شعارها «We are (a) live» (نحن على قيد الحياة).
ويبدو أنّ النداء وصل بسرعة، فلم يكد برنامج المهرجان أن يخرج إلى العلن حتى بيعت أكثر من ألف بطاقة لحفل "أدونيس"، حسب ما يؤكد مغني الفريق أنطوني خوري للشرق الأوسط.
أنطوني والفريق معتادون على المسارح والجماهير الكبيرة، لكن لبعلبك وَقعٌ آخَر. يمتزج التاريخ والعراقة والنوستالجيا في مخيّلة الفنان الشاب، لكنه لا يسمح للرهبة بأن تسيطر عليه. يقول: "لا نسأل أنفسنا ما إذا كنا نستحق الوقوف تحت معبد جوبيتر للعزف والغناء، فنحن لا نشكك بقدراتنا". ويتابع: "التحدّي الآن هو أن نقدّم أفضل ما لدينا لنكون على مستوى المهرجان وتوقّعات الآلاف الوافدين من المدن اللبنانية ومن دول مجاورة. الخوف موجود طبعاً لكنه ليس عائقاً. لا وقت للتحطيم المعنوي بل للارتقاء."

وعن ردود الفعل المرتقبة والتي قد تكون شبيهة بما حصل الموسم الماضي، يقول خوري إنّ "كل شيء تغيّر بعد كوفيد والأحداث اللبنانية، والفن يتغيّر حسب ظروف المجتمع. القوة هي في التأقلم مع التحوّلات، وما قدّمه المهرجان عام 2021 ساعد في تجديده من دون أن يسرق اسمه. أما أجمل ما حصل السنة الماضية بنظري، فهي تلك الجدليّة التي دارت بين جيلين وذَوقين على خلفية المهرجان. من الأفضل أن يختلف الناس حول الفن وليس حول قضايا أخرى...".

يكشف خوري للشرق الأوسط أن حفل "أدونيس" سيضمّ فنانين ضيوفاً من خارج لبنان، أما هو فسيجلس إلى البيانو في ظل الهياكل، وسيغمض عينَيه للحظة ويتخيّل نينا سيمون التي جلست الجلسة ذاتها منذ 24 عاماً. يبسّط أنطوني مهمّة فريقه قائلاً: "يكفي أن نخفف عن أنفسنا وعن الناس... هذا ما نريد إنجازه في بعلبك".

وتنطلق فعاليات المهرجان في 8 يوليو (تموز) المقبل، لتكون بعلبك على موعدٍ مع خُطى الناس وضحكاتهم وتصفيقهم بعد موسمين من العزلة.



عروض فلكلورية وأزياء شعبية في الأسبوع العربي للتراث بباريس

فنون شعبية مصرية في أسبوع التراث العربي باليونيسكو (وزارة الثقافة المصرية)
فنون شعبية مصرية في أسبوع التراث العربي باليونيسكو (وزارة الثقافة المصرية)
TT

عروض فلكلورية وأزياء شعبية في الأسبوع العربي للتراث بباريس

فنون شعبية مصرية في أسبوع التراث العربي باليونيسكو (وزارة الثقافة المصرية)
فنون شعبية مصرية في أسبوع التراث العربي باليونيسكو (وزارة الثقافة المصرية)

شاركت مصر في الأسبوع العربي للتراث بمنظمة اليونيسكو في العاصمة الفرنسية باريس، الاثنين، بأنشطة متنوعة، بين حفلات للغناء والرقص التراثي، وعروض الأزياء المصرية، بالإضافة إلى محاضرات حول صون التراث غير المادي، والتراث العلمي.

وتضمّنت الفعاليات التي شاركت فيها مصر عروضاً فلكلورية استعراضية، مثل رقصة التنّورة بتنويعاتها المختلفة، بالإضافة إلى معرض للحِرَف اليدوية التراثية، وكذلك عرض أزياء شعبية مستوحى من التراث المصري عبر عصور مختلفة، إلى جانب عرض موسيقي غنائي بمشاركة السوبرانو العالمية المصرية فرح الديباني.

ويمثّل وزارة الثقافة المصرية في احتفالية اليونيسكو بأسبوع التراث العربي الدكتورة نهلة إمام، ممثلة مصر في اتفاقية صَون التراث الثقافي غير المادي، ومن المقرَّر أن تُلقي محاضرة خلال الفعاليات حول الآفاق المستقبلية لصَون التراث الثقافي غير المادي، وفق بيان لوزارة الثقافة المصرية، الثلاثاء.

وبينما تستعرض محاضرة إمام خارطة طريق تهدف إلى حماية التراث الثقافي، وتعزيز دوره بصفته وسيلةً لترسيخ الاحترام المتبادل بين الشعوب ودعم السلام في عالم يتّسم بالتوترات، مع إبراز دور التراث بصفته جسراً يربط بين الشعوب، ويدعو إلى احترام الإنسان والبيئة، ويشارك في الفعاليات الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق، ومرشح مصر لرئاسة اليونيسكو لعام 2025، ويقدّم محاضرة عن تاريخ العلوم.

وتربط الفعاليات التي تُقام بين الأصالة والمعاصرة والتنمية المستدامة، وتعزيز الهوية الوطنية للشعوب العربية، ويشارك في الاحتفالية أكثر من بلد عربي بفعاليات ومبادرات متنوعة.

أسبوع التراث العربي باليونيسكو شهد عديداً من الفعاليات (وزارة الثقافة المصرية)

ويُعدّ حدث «أسبوع التراث العربي» هو الأول من نوعه في تاريخ عمل الدول العربية مع اليونيسكو، وتستهدف الفعالية الاحتفاء بالثقافة العربية، وتسليط الضوء على جوانبها المتعددة.

وتستهدف الفعاليات تسليط الضوء على التراث الثقافي والحضاري العربي الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، والذي يتميّز بتنوّعه وفق تنوّع البيئات والدول العربية، كما يهدف إلى تعزيز مكانة الثقافة العربية في المنظمة الدولية، وكذلك العمل على تعزيز الحوار بين الثقافات والتفاهم المتبادَل، وعقد وتطوير شراكات بين الدول العربية ومنظمة اليونيسكو والدول الأعضاء الأخرى، فيما يتعلق بحفظ وحماية التراث.

وتهتم منظمة اليونيسكو بالتراث الثقافي غير المادي الذي تعرّفه بأنه «الممارسات والتقاليد والمعارف والمهارات التي تعتبرها الجماعات، وأحياناً الأفراد، جزءاً من تراثهم الثقافي، وما يرتبط بهذه الممارسات من آلات وقِطَع ومصنوعات وأماكن ثقافية».

وتؤكد - وفق إفادة على الصفحة الرسمية للمنظمة الدولية - أن «هذا التراث الثقافي غير المادي المتوارَث جيلاً عن جيل، تُبدِعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة، بما يتّفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها»، بما يُنمّي الإحساس بالهوية، ويُعزّز احترام التنوع الثقافي.

وكانت مصر قد تقدّمت بملفات لمنظمة اليونيسكو لصَون التراث الحضاري غير المادي لديها، ونجحت في تسجيل السيرة الهلالية في قائمة التراث الثقافي غير المادي عام 2008، كما سجّلت لعبة «التحطيب»، أو اللعب بالعصي لعبةً قتاليةً مستوحاةً من التراث المصري القديم، ضمن قائمة التراث غير المادي عام 2016، وسجّلت أيضاً الممارسات المتعلقة بالنخلة، والخط العربي، والنسيج اليدوي، والأراجوز، والاحتفالات المرتبطة برحلة العائلة المقدسة، والنقش على المعادن.