الفوضى في صفوف القوات العراقية وليس قوة «داعش» وراء سقوط الرمادي

قادة عسكريون وجنود ومسؤولون يروون تفاصيل الانهيار

قوات أمنية عراقية خارج الرمادي بعد انسحابها في 17 مايو الحالي (أ.ب)
قوات أمنية عراقية خارج الرمادي بعد انسحابها في 17 مايو الحالي (أ.ب)
TT

الفوضى في صفوف القوات العراقية وليس قوة «داعش» وراء سقوط الرمادي

قوات أمنية عراقية خارج الرمادي بعد انسحابها في 17 مايو الحالي (أ.ب)
قوات أمنية عراقية خارج الرمادي بعد انسحابها في 17 مايو الحالي (أ.ب)

كانت الساعة التاسعة تقريبا، حين تطلع حميد شندوخ العقيد في الشرطة نحو مياه نهر الفرات المظلمة، ورأى القوارب الصغيرة التي كانت تحمل مقاتلي تنظيم داعش إلى الخطوط الأمامية في مدينة الرمادي. حشد القائد قواته، التي تتكون من مقاتلي العشائر والشرطة المحلية، من أجل الدفاع عن موقعهم على النهر الذي يمر عبر المدينة. مع ذلك بات من الواضح أن ذلك لم يكن هجوما اعتياديا.
ففي الوقت الذي كانت فيه قوات الأمن تستخدم أسلحتها في التصويب نحو النهر الذي أمامهم، جاءهم الهجوم من الخلف. وقال شندوخ: «لقد كانت حالة فوضى شاملة. لقد ظننا أنه تم تأمين المناطق التي تقع خلفنا»، لكن نشّط تنظيم داعش الخلايا النائمة التابعة له في المدينة.
وكان الهجوم على منطقة البوعلوان في 14 مايو (أيار) بمثابة بداية النهاية بالنسبة إلى القوات الموالية للحكومة العراقية في مدينة الرمادي التي تتسم بأهمية استراتيجية، وتمكنت من الصمود طوال 18 شهرًا منذ بداية هجمات تنظيم داعش. وشنّ المتمردون هجومًا متقدمًا شاملا على مدى أربعة أيام باستخدام 30 سيارة مفخخة. مع ذلك تشير روايات جديدة من مقاتلين في المدينة إلى أن سبب سقوط مدينة الرمادي الرئيسي هو ضعف القوات، والثغرات الموجودة في الاستراتيجية الأميركية، أكثر من كونه قوة تنظيم داعش.
وتحدث الجنود عن الارتباك وغياب التنسيق بين وحدات قوات الأمن المختلفة مع انهيار القيادة. وحتى الفرقة الذهبية العراقية، وهي وحدة قوات خاصة مدربة على أيدي الأميركيين، التي كانت تعد الأقوى في البلاد، انسحبت من مواقعها فجأة على حد قول مسؤولين في قوات الأمن. وقصفت طائرات تابعة لقوات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، أطراف مدينة الرمادي، لكن لم تكن تلك الهجمات الجوية كافية على حد قول مسؤولين في الجيش العراقي.
وشكا مقاتلو العشائر من أنه في الوقت الذي كانت المدينة تتعرض فيه للهجوم كانوا هم لا يزالون يجمعون المال اللازم لشراء ذخيرة من السوق السوداء رغم أن برامج تدريب وتسليح قوات العشائر السنة كانت جزءا أساسيا من الاستراتيجية الأميركية في مواجهة الجماعة المتطرفة.
وفاجأ مقاتلو تنظيم داعش قوات الأمن العراقية بهجومهم المنسق. وارتدى بعض أفراد الخلايا النائمة زي الشرطة، مما أربك المقاتلين الموالين للحكومة العراقية. وحقق المتطرفون مكاسب في مواجهة المقاتلين الذين أنهكتهم الحرب ونفدت مواردهم، وأخذت وحدات الجيش في التناقص.
وقال صباح كرحوت، رئيس مجلس محافظة الأنبار: «لم تكن هناك سوى بعض الهجمات الجوية الضعيفة الخجولة على أطراف المدينة». وذكر الرئيس باراك أوباما في مقابلة نشرت الأسبوع الماضي أن سبب خسارة مدينة الرمادي هو القصور في تدريب وتطوير أداء قوات الأمن العراقية. وقال مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن القوات العراقية انسحبت من مدينة الرمادي لأنها افترضت خطأ أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لا يستطيع شنّ هجمات جوية أثناء وجود عاصفة رملية. وصرح الكولونيل ستيف وارين، المتحدث باسم وزارة الدفاع، لصحافيين الخميس الماضي بأنه «لم يؤثر الطقس على قدرتنا على تنفيذ هجمات جوية».
وقال عمر شيهان العلوني أحد مقاتلي العشائر في المنطقة: «عندما انسحبت القوات العسكرية، التي كان من المفترض أن تكون تعزيزات لنا، انهارت روحنا المعنوية تمامًا». وجاء انسحاب الفرقة الذهبية ليكون بمثابة نقطة تحول أخرى في المعركة.
وقال الرائد عمر خميس الدحل، شرطي يبلغ من العمر 31 سنة، إنه انسحب إلى شارع 60 وهو أحد الطرق الرئيسية، التي كان من المتوقع أن يجد بها مقاتلي قوات خاصة من الفرقة الذهبية. وأوضح قائلا: «لقد بوغتنا حين وجدنا (داعش) بدلا منهم». وانسحب فاضل برواري، قائد الفرقة الذهبية، من المدينة برفقة مجموعة من رجاله في صباح ذلك اليوم، بحسب مسؤول أمني رفيع المستوى رفض ذكر اسمه في المقال بسبب حساسية الأمر. وأضاف المسؤول: «عندما انسحب برواري مع مجموعته عمت الفوضى وانسحب الجميع بدون أي نظام».
ومع الانسحاب المفاجئ لقوات مكافحة الإرهاب، بدأ انهيار القوات المتبقية المحدودة في المدينة على حد قول كرحوت. وأضاف كرحوت قائلا: «لم تكن هناك قيادة مركزية، ولم يكن هناك قادة ينسقون بين تلك القوات على الأرض». وأصدر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أمرا بفتح تحقيق في أسباب هذا الفشل العسكري.
وسلطت المعركة الضوء على العداء وغياب الثقة بين الجيش وقوات الشرطة المحلية، حيث شكت قوات الشرطة من مصادرة أسلحتهم من قبل الجنود في نقاط التفتيش في خضم الفوضى التي شهدتها المدينة، وذكرت أنه لم يتم السماح لهم بالانسحاب من المدينة معهم رغم قول ضباط إنهم كانوا ينتقلون من حي إلى آخر.
وقال الدحل: «لقد كان انعدام الثقة كبيرا. وكانوا ينظرون إلى أي شخص في مدينة الرمادي كمتعاطف مع تنظيم داعش. وكان أفراد تنظيم داعش يرتدون ملابس عسكرية في الكثير من العمليات التي كانوا ينفذونها، لذا لا نثق في أشخاص نراهم يرتدون زي جيش». ومع انهيار دفاعات المدينة، تم حصار نحو ألف شخص داخل مقرات الجيش، ومركز عمليات الأنبار، وتعرضوا لقذائف هاون ثقيلة وقذائف صاروخية من جانب المتمردين.
وتفاخر مقاتلو تنظيم داعش على مواقع التواصل الاجتماعي بما حققوه من نصر، ونشروا صورا للأسلحة والذخائر التي استولوا عليها، وبدا أن معدات عسكرية أميركية بملايين الدولارات من بينها عشرات الدبابات والمدرعات قد تركت في المدينة. وكان انتشار صور الذخيرة المخبأة على مواقع التواصل الاجتماعي أمرًا مثيرا للغضب بالنسبة إلى الدحل ومقاتلين محليين آخرين، خاصة في وقت يجاهدون فيه من أجل الحصول على رصاصات. وقال: «كان أبناء الرمادي يقاتلون دفاعا عن مدينتهم، وكان كل ما يريدونه هو الذخيرة».

* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.