ديكنسن يخاطب الغرب بالصينية: تناقضاتنا ثقافية بالدرجة الأولى

رسائل كتبها المفكر البريطاني قبل 90 عاماً

ديكنسن يخاطب الغرب بالصينية: تناقضاتنا ثقافية بالدرجة الأولى
TT

ديكنسن يخاطب الغرب بالصينية: تناقضاتنا ثقافية بالدرجة الأولى

ديكنسن يخاطب الغرب بالصينية: تناقضاتنا ثقافية بالدرجة الأولى

يتصاعد التوتر من وقت لآخر بين الصين والغرب بقيادة الولايات المتحدة، وقد يظن صاحب النظرة العابرة أن السبب وراء ذلك يعود إلى الخلافات السياسية التي تطفو على سطح الأحداث فيما يتعلق بملف تايوان أو السيادة على هونج كونج أو الحرب التجارية بين الجانبين، لكن النظرة المتعمقة تذهب إلى أبعد من ذلك.
في طبعة جديدة من كتاب «رسائل صينية» الذي أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب، يكشف المنظر السياسي البريطاني لويس ديكنسن «1862 - 1932» عن أن السبب الحقيقي وراء هذا التوتر يعود إلى تناقضات ثقافية حادة تتعلق بقيم المجتمع والأسرة ومفهوم الوجود والربح والخسارة والنظرة إلى العالم.
الكتاب صغير الحجم، 81 صفحة من القطع الصغير، لكنه بالغ العمق والتأثير، خصوصاً أنه كتب في وقت مبكر جداً قبل 90 عاماً من واقعنا الراهن، ففيه يتخيل ديكنسن نفسه رجلاً صينياً ويوجه عدداً من الرسائل إلى الغرب على لسان مواطن من الصين، ينصف فيها الثقافة الصينية ويهاجم بعنف الحضارة الأوروبية الحديثة.
الطبعة الجديدة لا تتضمن أي إشارة إلى تاريخ صدور الطبعة الأولى مكتفية بنبذة تعريفية بالمترجمة د. سهير القلماوي «1911 - 1997» والتي تشير في مقدمة الكتاب إلى أن اتصال الغرب بالشرق في العصور الوسطى ظل اتصال تجارة قلما يتعدى ذلك إلى ما يمكن أن يكون بينهما من صلات حتى كان عصر الحروب الصليبية فبدأ الغرب يتطلع إلى ما قد ظل طويلاً في أيدي الشرق من نفوذ وسلطان ومال وما كادت شمس النهضة تشرق على أوروبا الغربية حتى تعرض هذا النفوذ والسلطان والمال إلى أشد أخطار الزوال، وكان أول ما بهر الغرب عندما زار الشرق ليستكشف تمهيداً لغزوه هو هذا الثراء الضخم والبذخ العظيم اللذين رآهما في تركيا زعيمة الشرق إذ ذاك ومقر حكومته. وتلفت القلماوي إلى أن مؤلف هذه الرسائل عرفه قراء العربية بكتابين من أمتع كتبه، الأول هو «معرض الآراء الحديثة» ترجمة محمد رفعت والثاني «العدالة والحرية» ترجمة محمد بدران، أما هذا الكتيب الصغير فهو يختلف كثيراً عن كتابيه السابقين في أنه لا يتعرض إلى نظم السياسة وفكرة الحكم بقدر ما يتعرض إلى المدنية الشرقية أو الصينية بالذات كوحدة كاملة تشكل نظام الأسرة والمجتمع والفرد وهو هنا يقارن في صراحة بين ما عُرف من الصين عن معنى الحياة فأسعدهم وما عرف من الغرب عن معناها فأتعسهم!
يقول «ديكنسن» إن المدنية الصينية أقدم حضارة في العالم وهذا القدم نفسه مهما تكن الحال هو برهان قوي على أنها تحتوي نظماً وقواعد ليست مستقرة ثابتة فحسب ولكنها تقوم على نظام أخلاقي لا يجد ما يقابله في الحضارة الغربية إلا الفوضى الاقتصادية. الأسرة في أوروبا حسبما يستطيع الأجنبي على الأقل أن يرى ليست إلا مجرد وسيلة لإطعام الطفل وحمايته حتى يصل إلى سن يستطيع فيها أن يعتني هو بأمر نفسه، فالأوروبيون يرسلون أبناءهم مبكرين في ذلك قدر المستطاع إلى مدارس داخلية حيث يحررون أنفسهم بأسرع ما يمكنهم من أثر البيت ليشقوا طريقهم أو ليجربوا حظهم، ومنذ تلك اللحظة أي بانتهاء اعتمادهم على والديهم كثيراً ما ينتهي اعترافهم بأن عليهم نحوهم واجباً فلهم أن يذهبوا أنى شاءوا وأن يفعلوا ما أرادوا وأن يكتسبوا وينفقوا كيفما يحلو لهم بل إنهم مخيرون في أن يبقوا على الصلات التي بينهم وبين أسرتهم أو أن يفصموا عراها!
ويخاطب ديكنسن الغرب مبيناً له ما في الحضارة الشرقية، خصوصاً الصين، من مزايا قائلاً: «نحن في الشرق نعتبر كل تقدمكم المادي يزيد من علامات التوحش في المجتمع، فنحن نقيس الحضارة لا بمقدار ما نجمع من وسائل العيش، ولكن بقيمة هذه الحياة نفسها التي نحياها وبما تمتاز به من صفات... إن مجتمعاً انعدمت فيه الصلات الإنسانية بين أفراده وتزعزع حاله ولم يقدس ماضيه ولم يحترم حتى حاضره وكل ما فيه تلهف لنيل ما سيأتي به الغد، هذا المجتمع لا نراه نحن مجتمعاً حقاً ولا نرضى به بل لا نقبل أن نكون أوفر منكم مالاً وأبرع منكم علماً وأرقى منكم فناً إذا كان ثمن هذا أن نتبع النظم التي تسيرون عليها من تعاسة وفقر على المستوى الروحي... وعندما تطالبوننا كما تفعلون في الواقع بأن نقلب مجتمعنا رأساً على عقب وبأن نتحول من أمة زراعية إلى أمة تجارية صناعية وبأن نضحي باستقلالنا السياسي والاقتصادي في سبيل رخاء مزعوم وبأن نحدث ثورة لا في صناعتنا فحسب ولكن في معاملاتنا وأخلاقنا ونظمنا، عندما تفعلون ذلك لا أقل من أن تعذرونا إذا وقفنا وقفة لننظر نظرة فاحصة متأنية إلى الآثار التي أحدثها عندكم هذا الذي تريدون منا أن ندخله في الصين». ويضيف المؤلف: «إن الصفة البارزة في حضارتكم هي عدم المسؤولية حيث أطلقتم قوى لا سلطان لكم عليها، إن الآلة التي صنعتموها عادت فافترستكم في كل ناحية من نواحي العمل وفي كل قسم من أقسامه، فنراكم تستبدلون بالفرد الشركة وبالعامل الآلة، همكم الأول أن تقسموا الحصص وتعتمدون على كل ما يطرأ على العرض والطلب من تقلبات ولكنكم لا تملكون أن تحددوا هذه التقلبات ولا أن تحتاطوا لها، إن تلف محصول أو تغيير تعريفة في قطر بعيد يقلقل صناعة الملايين الذي يبعدون عنه آلاف الأميال، إنكم تنتجون لا ﻷنكم تريدون ذلك ولكن لأنكم مضطرون إلى أن تنتجوا وبغزارة حسب دورة العمل وآليات السوق التي لا ترحم أحداً!».
وفيما يتعلق بالفنون والآداب، يوضح ديكنسن أن الغرب بمقدوره صناعة الآلات من أي نوع كانت وأن يستعملها بفن يبلغ حد الكمال ولكنه عاجز عن أن يؤلف قصيدة مكتوبة بحبر القلب، أو يرسم لوحة بريشة مغموسة في مداد الروح بل إنه عاجز عن أن يتعبد في حرارة أو يتطلع إلى السماء في شوق! وطبعاً هنا مبالغة كبيرة من قبل المؤلف.
وينتقد بعضاً من ملامح الحياة في أوروبا قائلاً: «هذه شوارعكم، صفوف وصفوف من صناديق صغيرة متراصة مكدسة لا يفترق كل منها عن الآخر في شيء، وهذا ما تسمونه عندكم فن العمارة! أما أدبكم فهو الجرائد اليومية بسيلها المتدفق من التفاهات الجامدة والحوادث والألغاز والنكات وفضائح البوليس! وأما السينما فهي مجرد قصص ملونة لكل ما هو مبتذل وقد أصلح بعض الهواة من شأنه كيفما اتفق فافتقر إلى العبقرية افتقاره إلى الخصائص الفنية. وعندما أتأمل رجال الأعمال منكم، هؤلاء الذين تعجبون بهم أيما إعجاب عندما أراهم والكد يطحنهم طحناً ساعة بعد ساعة ويوماً بعد يوم بل عاماً بعد عام وهم غارقون في عمل قد فُرض عليهم فرضاً فلا هو يسعدهم ولا هو يفرحهم، عندما أراهم يحملون هموم اليوم في سويعات راحتهم الشحيحة القصيرة، ساعتها أنظر بعين يملؤها الرضا إلى العمل الآلي البسيط الذي تفرضه علينا صناعتنا!».



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.