صادرات الحبوب الأوكرانية من أولويات القمة الأوروبية غداً

بعد موجة العقوبات الأوروبية المتعاقبة ضد روسيا، والطريق المسدود الذي وصلت إليه الحزمة السادسة منها، بسبب التصلب في الموقف المجري الرافض لتضمينها الحظر على النفط الروسي، وبعد اتساع دائرة المعارضة في أوساط الرأي العام الأوروبي لتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة الثقيلة والهجومية، ينصب اهتمام الاتحاد الأوروبي حالياً على منع تفاقم الأزمة الغذائية الناجمة عن وقف صادرات الحبوب المخزنة منذ أشهر في الصوامع والموانئ الأوكرانية، التي بدأت تباشيرها تظهر في عدد من البلدان الأفريقية، وتهدد بمجاعة ونزوح كثيف باتجاه أوروبا.
وبات من المؤكد أن القمة الأوروبية التي تبدأ غداً في بروكسل ستركز أعمالها، في اليوم الأول، على المساعي للإفراج عن الحبوب الأوكرانية وإيصالها إلى الدول التي تعتمد عليها بنسبة عالية في سلتها الغذائية.
ويتضح من مسودة الاستنتاجات التي أعدتها المفوضية الأوروبي للقمة، والتي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لحشد كل الموارد الممكنة لنقل هذه الحبوب، بما في ذلك تنظيم مواكبة بحرية ترافق سفن الشحن من أوكرانيا عبر البحر الأسود المزروع بالألغام، الذي تراقبه القطع البحرية والغواصات الروسية. ويفيد التقرير الذي وضعه المجلس الأوروبي للقمة بأنه «لا بد من بذل كل الجهود الممكنة لإخراج آلاف الأطنان من الذرة والشوفان، خصوصاً القمح، المجمدة في الأراضي الأوكرانية منذ ثلاثة أشهر، وإرسالها بأسرع السبل إلى الدول المحتاجة». وتقترح التوصيات التي يتضمنها التقرير «توجيه إدانة شديدة إلى روسيا لتدميرها المتعمد للإنتاج الزراعي الأوكراني، والاستيلاء عليه بصورة غير قانونية، ودعوتها إلى رفع الحصار عن الموانئ الأوكرانية والسماح بتصدير الأغذية، خصوصاً من ميناء أوديسا».
وبعد أن تعثرت المساعي الأوروبية لتصدير المحاصيل الغذائية الأوكرانية بواسطة السكك الحديدية عبر بولندا، وعن طريق النقل النهري إلى ميناء كونستنزا في رومانيا، يتجه الاتحاد الأوروبي الآن إلى تشكيل بعثة بحرية، في إطار سياسة الأمن والدفاع المشتركة، لإخراج هذه المحاصيل من ميناء أوديسا الذي كان حتى بداية الحرب المحطة الرئيسية للصادرات الأوكرانية. ورغم الخطورة القصوى التي تنطوي عليها مثل هذه العملية من حيث احتمالات الصدام المباشر مع الأسطول الروسي، يعتبر الاتحاد الأوروبي أن تفاقم الأزمة الغذائية وما يستتبعها من أزمة إنسانية، لا يقل خطورة عن هذا الصدام المباشر المحتمل مع القوات الروسية. ويُذكر أن رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي كان تحدث في اليومين الماضيين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي، في محاولة للتوصل إلى اتفاق مع الطرفين يسمح بنزع الألغام من الموانئ الأوكرانية وإخراج الحبوب منها «منعاً لحدوث أزمة غذائية هائلة وكارثة إنسانية رهيبة»، كما قال لنظيره الروسي.
وتفيد بيانات المفوضية الأوروبية بأن تونس تستورد من أوكرانيا 52 في المائة من احتياجاتها من القمح، فيما تستورد ليبيا 44 في المائة، ومصر 26 في المائة، وتعتمد باكستان والهند، حيث يعيش 1.7 مليار نسمة، على القمح الأوكراني بنسبة 50 في المائة. ويخشى الأوروبيون أن عدم وصول القمح إلى هذه الدول في الأشهر القليلة المقبلة، من شأنه أن يتسبب في مجاعة غير مسبوقة، وأزمة اقتصادية واجتماعية تدفع بموجات المهاجرين إلى أوروبا عاجلاً أو آجلاً. ويفيد المجلس العالمي للحبوب بأن أوكرانيا كانت تصدّر قبل الحرب 19 مليون طن من القمح، و24 مليون طن من الذرة، وأن وقف هذه الصادرات أحدث خللاً كبيراً في السوق العالمية، وأدى إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار بات يهدد الأمن الغذائي العالمي.
ومن المنتظر أن يؤدي هذا الاقتراح الذي سيعرض غداً على القمة الأوروبية إلى إعادة فتح ملف سياسة الأمن والدفاع المشتركة، علماً بأن للاتحاد الأوروبي حالياً 18 بعثة عسكرية في الخارج، بعضها بحري كتلك التي تراقب في البحر المتوسط تنفيذ حظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا، أو في المحيط الهندي لمكافحة أعمال القرصنة قبالة الشواطئ الصومالية.
لكن الخبراء الأوروبيين يعتبرون أن بعثة بحرية أوروبية في البحر الأسود حالياً تشكل مخاطرة غير مسبوقة بالنسبة للقوات الأوروبية.
العقبة الأولى التي تواجه هذه البعثة لها طابع دبلوماسي يتمثل في الحصول على إذن للسفن الأوروبية كي تعبر البحر الأسود وصولاً إلى أوديسا، حيث إن دخول السفن الحربية إلى هذا البحر تحكمه اتفاقية «مونترو» الموقعة عام 1936، التي تعطي تركيا مفتاح السماح بعبور المضايق المؤدية إلى هذا البحر إلى سفن الدول غير المطلة عليه. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة التركية كانت صوتت لصالح قرارات الأمم المتحدة التي تطالب روسيا بوقف اعتدائها على أوكرانيا، لكنها الدولة الأطلسية الوحيدة التي رفضت الانضمام إلى العقوبات الأوروبية والأميركية على موسكو، فضلاً عن أنها لم ترفع بعد الشروط التي وضعتها للموافقة على طلب انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف الأطلسي. لكن تؤكد مصادر أوروبية أن تركيا لن تتردد في السماح للسفن الأوروبية بعبور البحر الأسود، خاصة أنها عملية إنسانية تهدف إلى إنقاذ الملايين من الأرواح. وجاء في الدعوة التي وجهها رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، يوم الجمعة، إلى القادة الأوروبيين أن «الاعتداء الروسي من شأنه أن يؤدي إلى كارثة غذائية عالمية لا سابقة لها»، فيما يوجه المسؤولون الأوروبيون منذ أسابيع اتهامات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام الغذاء سلاحاً في الحرب على أوكرانيا، وباستهداف صوامع الحبوب والبنى التحتية الزراعية الأوكرانية.
وكدليل على القلق الذي يساور الأوروبيين من تفاقم الأزمة الغذائية في بلدان العالم الثالث، خصوصاً الأفريقية منها، من المقرر أن يشارك رئيس الاتحاد الأفريقي، ماكي سال، غداً في القمة الأوروبية، حيث سيشدد الأوروبيون على أن عدم وصول الحبوب إلى الدول الأفريقية ليس نتيجة العقوبات على روسيا، كما تدعي موسكو، بل بسبب الحصار الذي تفرضه روسيا على الموانئ الأوكرانية.
في موازاة ذلك، يواصل الاتحاد الأوروبي مساعي اللحظات الأخيرة لإنقاذ الحزمة السادسة من العقوبات ضد روسيا، طالباً من واشنطن الضغط على رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، لرفع اعتراضه الذي يعرقل اعتمادها منذ أكثر من شهر، ما يهدد بانتكاسة يخشى أن تكون نهائية في المعركة الاقتصادية التي يخوضها الأوروبيون ضد موسكو.
وكانت المفوضة الأوروبية لشؤون الطاقة، كادري سيمسون، طلبت من الولايات المتحدة وساطتها لإقناع أوربان بالعدول عن موقفه، مقابل تعهد أميركي بتزويد المجر باحتياجاتها من النفط، في حال وافقت على حظر النفط الروسي، ضمن الحزمة الجديدة من العقوبات.
ورغم أن المفوضية كانت أبدت في الأيام الأخيرة استعدادها لمزيد من التعويضات والإغراءات تجاه بودابست، مثل الإسراع في إطلاق المنصة الأوروبية المشتركة لشراء النفط، وتمديد الفترة الانتقالية للمجر إلى أربع سنوات، يستبعد المراقبون أن تخرج القمة الأوروبية، مساء الثلاثاء المقبل، باتفاق حول الحزمة السادسة من العقوبات التي يشكل حظر صادرات النفط والغاز الروسية محورها الرئيسي.