مطاعم ألمانيا الفاخرة تكافح للبقاء

بعد إقفال 14 مطعمًا تحمل نجمة «ميشلان»

المأكولات الراقية مكلفة وتؤدي إلى خسارة المطاعم على الرغم من أسعارها المرتفعة
المأكولات الراقية مكلفة وتؤدي إلى خسارة المطاعم على الرغم من أسعارها المرتفعة
TT

مطاعم ألمانيا الفاخرة تكافح للبقاء

المأكولات الراقية مكلفة وتؤدي إلى خسارة المطاعم على الرغم من أسعارها المرتفعة
المأكولات الراقية مكلفة وتؤدي إلى خسارة المطاعم على الرغم من أسعارها المرتفعة

اكتسب الطهاة في ألمانيا بمرور الوقت سمعة كون كل منهم يعمل بصورة مستقلة، لكن الظروف المحيطة بهم غيرت من هذا الوضع، حيث تجمع أخيرا أكثر من 130 من كبار طهاة ألمانيا في محاولة للتخلص من هذه الصفة القديمة.
شهدت فعالية جرى تنظيمها تحت شعار «يوم الطهي الراقي» قيام المطاعم بحشد الضيوف وعرض وجبات تكفي شخصين تشمل المشروب والقهوة مقابل 200 دولار. وبالطبع حجزت الطاولات بأكملها. وكانت تلك بقعة مضيئة في قطاع المطاعم خاصة في ألمانيا حيث شهدت الأوضاع تدهورا مؤخرا.
وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، اعتاد كبار الطهاة العمل لفترات طويلة تصل عادة إلى 12 ساعة أو أكثر في المطبخ، دون مقابل عن هذا العمل الشاق. لقد تغيرت قوانين الضرائب، على سبيل المثال، ولم يعد بالإمكان إلغاء الوجبات أثناء العمل، وأدى ذلك إلى خلو الطاولات في الكثير من أفضل المطاعم في البلاد طوال الأسبوع.
وأدت هذه الأوضاع إلى إغلاق 14 مطعما تحمل نجمة «ميشلان» الشهيرة في ألمانيا في الشهور الـ12 الماضية. وتمكن عدد قليل منها من إعادة فتح أبوابه، لكن دون نجمة «ميشلان» المرموقة.
ويقول ميخائيل أوتنباخر، وهو أستاذ إدارة مطاعم: «يتعين على المطاعم التي تحمل نجمة (ميشلان) فرض رسوم إضافية نسبتها 10 في المائة على الأقل أكثر من أي مطعم آخر لتغطية النفقات». لكن الضيوف الألمان غير مستعدين لذلك، وبالتالي فإن خفض مستوى تصنيف المطعم يعني عروض أسعار ميسورة.
ويوضح أوتنباخر أن «أغلب المطاعم الفاخرة لا تحقق أرباحا»، مشيرا إلى أن أصحاب المطاعم يتمكنون من البقاء بافتتاح مطاعم أخرى أرخص أو عن طريق العمل كمقدمي برامج إعداد وجبات غذائية في المحطات التلفزيونية.
وقال الطاهي بيرتهولد بولر، الذي يحمل نجمتين، إنه من بين أفضل عشرين مطعما في ألمانيا يتمكن مطعم أو مطعمان فقط من تحقيق الدخل من بيع الوجبات فقط.
ورغم أن قائمة الطعام يمكن أن تكلف ما يصل إلى 270 دولارا، ويمكن أن يوفر النبيذ دخلا إضافيا، لا تحقق المطاعم ربحا بسبب ارتفاع أسعار المكونات وتكاليف العاملين، بحسب أوتنباخر، حيث يوجد بأفضل المطاعم ثمانية طهاة وخمسة أو ستة من مقدمي الوجبات يخدمون 30 ضيفا. ومن الممكن أن يذهب نحو 35 في المائة من سعر قائمة الطعام إلى شراء المكونات وحدها، بحسب السيد بولر. ويمكن أن تؤدي الطاولات الخاوية إلى انتهاء المكونات الباهظة في سلال القمامة.



«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.