«الشرق الأوسط» في مهرجان كان ـ 7 : أفلام كبيرة تتسرب إلى «فينيسيا» في ليلة جوائز «كان»

مع ختام الدورة الخامسة والسبعين من مهرجان «كان» السينمائي وإعلان النتائج مساء اليوم في حفل منتظر، يسدل المهرجان الأشهر ستارته على تجربة العودة إلى معمعة المهرجانات الكبيرة بكل ما أوتي من قوّة وشهرة واتصالات.
جهد كبير واكب هذا المهرجان الذي كان عليه أن يؤكد أنه ما زال الأول على هذا الكوكب من بعد غياب ثم عودة قلقة في العام الماضي. وهذا ليس صعباً تأكيده. لقد تحوّل المهرجان الفرنسي منذ سنوات بعيدة إلى حفل كبير يوزّع اهتماماته ما بين أجنحة العمل السينمائي المختلفة. هو للسينما الفنية وسينما المؤلف، وهو للسينما التجارية الكبيرة كما الصالات للعروض المتسابقة صوب الجوائز الأولى. وهو أيضاً سوق الأفلام الذي يرتع فيها المشترون والبائعون ويعيش تحت قببها أصحاب المؤسسات المختلفة حول العالم.
لكن الواقع هو أن المهرجان لم يعد ذلك الحدث الفني الفعلي الذي كان له منذ عقود. من ناحية غاب أساتذة الإخراج الكبار، ومن ناحية انجرف في توسيع قاعدة العلاقات العامة التي تفيد منهجه الجديد كمهرجان لكل شيء سينما.

- سهرة سينمائية
كل شيء، بما فيه الفن، لكن ليس تماماً كما لو كان الفن في صلبه. نعم أفلام كثيرة تعرض فيه وكلها تنتهج حالات وأساليب غير تجارية، لكن وجودها في هذا المحفل هو غرض تجاري بحد ذاته. غرض يفيد صانعي الأفلام إعلامياً سواء فازوا بالجوائز أم لا. يفيد الرغبة في التميّز وتسجيل حضور في التاريخ. يفيد المهرجان من حيث استعادة زبائنه المفضلين وإضافة جدد فوقهم.
وبما أن جل المعروض مرتبط تجارياً بصفقات الإنتاج والتوزيع فإن المرء ينتقل من اسم شركة إنتاج وتوزيع إلى اسم آخر ليكتشف أن كل ما يراه هو فرنسي مشترك أو فرنسي بالكامل. إذا لم يكن (كحال أفلام لديزني سبق عرضها هنا أو كحال فيلم توم كروز الجديد «توب غن: مافيريك») فإن السبب يعود إلى أن الفيلم المختار لتمضية سهرة سينمائية كبيرة أكبر من أن يتم تجاهله.
هذا الوضع لا يغيب عن المهرجانات المنافسة. أو - بالأحرى - عن المهرجانين المنافسين برلين وفينيسيا. إذا بدأ الفيلم المعروض على شاشاتهما تجد هناك حرية أكبر من تلك المتوفرة في المهرجان الفرنسي. حرية الانتقاء تبعاً للجودة بصرف النظر عن منتجيها.
المسألة، منذ سنوات عدة، أن مهرجان فينيسيا الإيطالي يمنح الناقد والمشاهد العادي قاعدة أعرض من العروض وحرية أكبر في الاختيارات. ليس هناك من رابط تسويق، لكن البزنس موجود على نحو فالت لا يعرقل المنحى الفني الكامل للمهرجان. الأفلام تأتي بسبب قيمتها الفنية وليس تبعاً لعقود مسبقة. الإنتاجات ليست مشتركة دوماً بين إيطاليا وسواها. القادمون إلى هناك، وهم في ازدياد، يغرفون من شعبية السينما وليس من شعبية الاحتفال ذاته.

من فيلم وس أندرسن «مدينة مذنبات»

- عودة صاحب روما
هذا العام كل الدلائل تشير إلى أن الدورة المقبلة من المهرجان الإيطالي ستعزز من هذه القيمة. مدير المهرجان ألبرتو باربيرا كتوم بشأن ما يقوم باختياره من أفلام، وهو كان ذكر في العام الماضي أن العديد مما عرضه مهرجان «كان» سبق وعرض عليه لكنه آثر عدم اختياره.
والناتج أن الدورة الماضية حفلت كالعادة بالأعمال المهمّة. ليس أن «كان» لم يحفل بها، لكن الحديث هنا عن تحرر المهرجان الإيطالي من القيود التي تقيد حركة المهرجان الفرنسي أكثر مما يجب.
على سبيل المثال، تعتزم أكبر شركتين للعروض المنزلية، وهما «أمازون» و«نتفليكس»، القيام بغارة كبيرة على الدورة المقبلة لمهرجان فينيسيا (تحمل الدورة الرقم 79 وتنطلق في الحادي والثلاثين من أغسطس (آب) وحتى العاشر من سبتمبر (أيلول). أرسلت «أمازون» عدداً من الأعمال التي تود عرضها في فينيسيا. أحدها الفيلم الجديد للإيطالي لوكا غوادانينو «عظام وكل شيء» (Bones and All) الذي هو اللقاء الثاني بين المخرج الإيطالي والممثل تيموثي شالامات بعد (ناديني باسمك).
أما «نتفليكس» فلديها أكثر من اشتراك مؤكد أحدها الفيلم الجديد لأليخاندرو غونزاليز إيناريتو الذي كان فيلمه «روما» فاز بذهبية المهرجان الإيطالي سنة 2018 وتوجه بعد ذلك ليتلقف جوائز الأوسكار في العام التالي. الفيلم الجديد عنوانه «باردو» الذي يجوب في المجتمع المكسيكي اليوم من جوانب شتى (كما يذكر السطر الوحيد المتوفر حوله حتى الآن).
سيجاوره على الأغلب الفيلم الجديد (للمكسيكي الآخر) غوليرمو دل تورو وعنوانه «بينكويو» مع كيت بلانشت وتيلدا سونتن وإيوان مكروغر. الفيلم من نوع الأنيميشن مع تصوير حي وهو الثاني المأخوذ عن رواية كارلو كولودي الشهيرة. الثاني من إخراج روبرت زميكيس وما زال طي التصوير.
للممثلة كيت بلانشت فيلم آخر قد يرى النور على شاشة «فينيسيا» هو Tar، كذلك الحال بالنسبة لتيلدا سونتن التي شوهد لها في كان «ثلاثة آلاف سنة من الشوق». فيلم سونتن الجديد عنوانه «الابنة الأبدية» لجوانا هوغ. أيضاً في جعبة «نتفليكس» «السبّاحون» لسالي الحسيني (حول حكاية مهاجر سوري) وفيلمان أحدهما لنواه بامبوخ («ضوضاء بيضاء») والثاني لسباستيان ليلو تحت عنوان «المتجول».
هذا الأخير من بطولة الممثلة الجديدة فلورنس بوف التي سنراها في فيلم آخر متوجه إلى فينيسيا وهو «لا تقلق يا حبيبي» للمخرجة أوليفيا وايلد.

- احتمالات أخرى
خارج ما ستوفره «نتفليكس»، أفلام عديدة أخرى من بينها الفيلم الجديد لوز أنرسن الذي اعتاد تفضيل مهرجان «كان» على سواه. ما يبدو ماثلاً أنه قرر نقل عتاده إلى المهرجان الإيطالي، إذ يشارف الآن على الانتهاء من تصوير فيلمه الجديد «مدينة مذنبات». وهو إن لحق بموعد «فينيسيا» فسيحضر مصحوباً بعدد وفير من أبطال الفيلم منهم مارغوت روبي وسكارلت جوهانسن وأدريان برودي وبل موراي.
المخرج الإيراني جعفر باناهي، المحكوم عليه بعدم العمل، لا يزال يجد طرقاً لتنفيذ أفلامه ولديه جديد وصلت نسخته إلى مكتب مدير المهرجان باربيرا قبل أيام. الفيلم «لا دبب» ويقال عنه إنه فيلم رومانسي (بذلك يختلف عن الأفلام الاجتماعية والسياسية التي اعتاد باناهي عليها).
والمخرج الفرنسي فلوريان زلر، الذي نال شهرته عبر فيلم «أب» (بطولة أنطوني هوبكنز) قد ينطلق إلى مدينة الغندول بفيلمه الجديد «الابن» (مع هيو جاكمان وأنطوني هوبكنز أيضاً. والأميركي دارن أرونوفسكي متحمس لقبول فيلمه الجديد «الحوت» مع برندان فريزر في البطولة.
وأخيراً وليس آخراً. ومن بين المحتشد بانتظار قرار باربيرا وفريقه فيلم يدور حول فضيحة هارفي ونستاين بعنوان «هي قالت» لماريا شرادر.