ازدياد الغموض حول مصير العسكريين اللبنانيين لدى «داعش» بعد سيطرة «النصرة» على مواقع التنظيم بالقلمون

الجيش يواصل قصف تحركات المسلحين بتفويض حكومي

ازدياد الغموض حول مصير العسكريين اللبنانيين لدى «داعش» بعد سيطرة «النصرة» على مواقع التنظيم بالقلمون
TT

ازدياد الغموض حول مصير العسكريين اللبنانيين لدى «داعش» بعد سيطرة «النصرة» على مواقع التنظيم بالقلمون

ازدياد الغموض حول مصير العسكريين اللبنانيين لدى «داعش» بعد سيطرة «النصرة» على مواقع التنظيم بالقلمون

واصل الجيش اللبناني، أمس، استهداف تحركات المسلحين في جرود بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا، بعدد من القذائف المدفعية، بهدف إحباط محاولة التسلل إلى العمق اللبناني. وجاء هذا التطور بموازاة تواصل المعارك بين حزب الله اللبناني وقوات النظام السوري من جهة، وقوات المعارضة السورية من جهة ثانية في القلمون، وسيطرة قوات «جيش الفتح» على معظم مقرات تنظيم داعش في المنطقة الممتدة من جرود عرسال باتجاه بلدة فليطة السورية.
وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس قال، أمس، إن الجيش اللبناني «لديه الأوامر منذ بدأت الأحداث في عرسال وجوارها، ولسنا في حالة إصدار أوامر يومية»، في حديث إذاعي، وتابع أن «أحداث الثاني من أغسطس (آب) ضد الجيش لن تتكرر»، في إشارة إلى تسلل مقاتلين متشددين إلى بلدة عرسال واشتباكهم مع الجيش اللبناني، مما أسفر عن سقوط قتلى واختطاف عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي، ما زال 25 منهم حتى الآن في قبضة تنظيمي داعش وجبهة النصرة.
ومن ناحية أخرى، قال قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي إن قضية «العسكريين المختطفين لدى التنظيمات الإرهابية، ستبقى أمانة في أعناقنا حتى تحريرهم وعودتهم محفوظي الكرامة إلى عائلاتهم ومؤسستهم». وفي توجيهه «أمر اليوم» إلى العسكريين، بمناسبة ذكرى تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000، قال قهوجي للعسكريين: «بعد أن كان الجنوب ساحة مفتوحة للعدوان الإسرائيلي، وبوابة لرياح الفتنة إلى الداخل، أصبح واحة أمان واستقرار، بفضل إرادة أبنائه، وجهوزيتكم للدفاع عنه، ومساندة القوات الدولية لكم تنفيذا للقرار 1701»، وأضاف: «اليوم، وبعد أن شكك البعض في قدرتكم على التصدي للتنظيمات الإرهابية، نجحتم بقوة في كسر شوكتها وإحباط أهدافها التخريبية، مما رسخ ثقة اللبنانيين بكم، وشكل محط إعجاب الدول الصديقة، التي بادرت ولا تزال، إلى تقديم الدعم العسكري النوعي إلى مؤسستنا».
غير أن قضية العسكريين اللبنانيين لدى تنظيم داعش ما زالت محاطة بالغموض، بعد معارك احتدمت الأسبوع الماضي بين مقاتلي تنظيم داعش في جرود عرسال، حيث يُرجح أن يكون العسكريون محتجزين، ومقاتلي جبهة النصرة وسائر الفصائل السورية المنضوية تحت لواء جيش الفتح، وأسفرت أمس عن سيطرة قوات المعارضة على القسم الأكبر من مقرات «داعش»، في منطقة القلمون الغربي.
وجاء على لسان إسماعيل الداراني عضو مجلس الثورة في محافظة ريف دمشق، لـ«الشرق الأوسط» أن مقاتلي «جيش الفتح»، تمكنوا أمس من «إقصاء (داعش) عن القسم الأكبر من جرود القلمون الغربي المتصلة بالحدود مع لبنان»، مشيرًا إلى «سيطرتهم على معظم مقرات التنظيم في الجرود الممتدة من عرسال إلى بلدة فليطة السورية». وأردف أن المقرات التي يحتفظ بها «داعش» باتت في العمق السوري الممتد إلى القلمون الشرقي، بينما «تجري ملاحقة فلول التنظيم في القلمون الغربي»، لافتًا إلى أن مهمة «داعش» في الحفاظ على العسكريين اللبنانيين في حال كانوا في القلمون الغربي «باتت صعبة، إلا إذا كان التنظيم نقلهم إلى مواقع سيطرته في القلمون الشرقي» بشمال شرقي دمشق.
في هذه الأثناء، تواصلت المعارك في منطقة القلمون الجبلية السورية المتاخمة للبنان بين القوات النظامية وحزب الله من جهة، ومقاتلي «جبهة النصرة» و«جيش الفتح» من جهة ثانية، تركزت في جرود فليطة، بينما يتحدث ناشطون عن تغييرات في استراتيجية هجوم حزب الله في المنطقة، وانخفاض وتيرته منذ السيطرة على مرتفعات تلة موسى الاستراتيجية، الشهر الماضي. وشرح الداراني أن المنطقة الممتدة من المرتفعات، باتجاه جرود فليطة السورية «شهدت اشتباكات ومعارك كر وفر، حيث تستعين المعارضة بالكمائن»، مشيرًا إلى أن معارك «جيش الفتح» منذ وقت طويل «كانت معارك كر وفر»، وأن مقاتلي المعارضة «يركزون على الضربات السريعة». وتمثل التغيّر في المعركة، بفتح جبهة موازية، من الجهة السورية، حيث أفاد «مكتب أخبار سوريا» بحشود من قوات الدفاع الوطني، دفعت بها قوات النظام السوري، للمشاركة في المعارك الدائرة في جرود القلمون الغربي، انطلاقًا من مدن وقرى منطقة القلمون بريف دمشق.
ونقل المكتب عن مصدر عسكري معارض من جرود القلمون، قوله إن أعدادًا «كبيرة» من المقاتلين بدأت فصائل المعارضة ترصد وصولهم أخيرًا إلى مناطق انتشار القوات النظامية في جرود القلمون، لافتًا إلى ازدياد العناصر النظامية التي تقاتل في المعارك. كما نقل المكتب عن مصدر في قوات الدفاع الوطني بالقلمون، قوله إن هناك قرارا «جديا» بحسم معركة القلمون الغربي، «لذلك تم سحب جميع العناصر في مراكز الدفاع بمدن وبلدات كثيرة، منها يبرود والنبك وعين التينة، ونقلهم إلى قرى القلمون الغربي الخاضعة لسيطرة النظام والمتاخمة للجرود»، مشيرا إلى أن هذه العملية ساعدت في تثبيت العناصر النظامية بأعداد كبيرة في التلال التي يسيطرون عليها، مما يمنع المعارضة من التقدم فيها، بحسب وصفه.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم