سيرة سعد المعجل... «شيخ الصناعيين السعوديين»

رجلٌ أدركه عشق الصناعة فأصبح «كل مصنع سعودي ابناً له»

سيرة سعد المعجل... «شيخ الصناعيين السعوديين»
TT

سيرة سعد المعجل... «شيخ الصناعيين السعوديين»

سيرة سعد المعجل... «شيخ الصناعيين السعوديين»

«كل مصنع سعودي هو ابن لسعد المعجل!»، بهذه الكلمات افتتح وزير التجارة السعودي السابق الدكتور توفيق الربيعة، تقديمه لكتاب «الصناعة كما عشتها» لرجل الصناعة السعودي البارز سعد بن إبراهيم المعجل، الرجل الذي يعد أحد أعلام الصناعة في تاريخ السعودية... «إلى درجة أنه يعد كل مصنع في المملكة مثل ابنه... وينظر لفقدان مصنع في المملكة كفقدان أحد أبنائه»، كما يقول الربيعة.
الكتاب، الذي يروي سيرة المعجل، صدر أخيراً عن دار «تشكيل»، ويقع في 300 صفحة، ويتكون من عشرة فصول وملحق لشهادات رجال الصناعة والتجارة والاقتصاد السعوديين في حقّ المعجل، وملحق آخر للصور.
وُلد المعجل في بيت من الطين في حي دخنة بالرياض، في العاشر من مايو (أيار) عام 1948، لعائلة تنحدر من حوطة سدير، إحدى قرى إقليم سدير في قلب منطقة نجد، وتبعد قرابة 120 كيلومتراً شمال مدينة الرياض التي شهدت، منذ قبل الإسلام وحتى يومنا هذا، مولد شعراء وأدباء وفرسان، أمثال عنترة بن شداد وامرئ القيس. وأمضى المعجل نصف قرن من حياته في الدراسة لهندسة تجارته وصناعته الخاصة والعامة.
أنهى دراسة الماجستير في الولايات المتحدة الأميركية عام 1975، وفي نهاية السبعينات الميلادية واجهت البلاد مشكلة الانفجار السكاني خصوصاً في الرياض، كما شهدت المملكة في الوقت نفسه فورة في البناء والتوسع الصناعي مع ارتفاع عوائد النفط وإطلاق الخطة الخمسية... فعمل المعجل أولاً في بيع ثم صناعة الإسمنت، وقادته تجارة الإسمنت إلى بيع مواد البناء المتنوعة من دهانات وجبس وغيرها، ثم إلى الاستيراد والتبادلات التجارية، وبعدها دخل مجال تصنيع الخزف والأدوات الصحية والسخانات عبر شركة الخزف السعودي ثم دخل عالم تصنيع الحديد مع شركة اليمامة للصناعات الحديدية.

شيخ الصناعيين
يصفونه بأنه شيخ الصناعيين السعوديين، والصناعي الأشهر على منابر اللجان الصناعية، وفي أروقة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، ومجلس الغرف السعودية، والمدن الصناعية، ورجل «الهندسة الكيميائية» و«الغاز»، ومؤسس «منتدى الرياض الاقتصادي»، و«مدينة سدير للصناعة والأعمال». وزاد عدد الشركات التي ساهم بتأسيسها على العشرين، ومعظمها صناعي، منها على سبيل المثال شركة «أكوا باور»، وهي الآن شركة رائدة في مجال تزويد الطاقة، بدءاً من الطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، والطاقة الشمسية المركزة (الكهروضوئية)، وطاقة الرياح، وتحويل النفايات إلى طاقة، إضافة إلى الفحم النظيف، وتحلية المياه. كذلك أسهم في تأسيس الشركة العربية للأنابيب.

المغامرة والاندفاع
يضع سعد المعجل وصفة للنجاح: المغامرة والاندفاع، فيقول: «وأنا أتأمل طبيعتي الاستثمارية اكتشفت أنني -دون قصد- أندفع بالتأسيس والمغامرة برأس المال، إن كانت الشركة تؤسس لواقع جديد، وتحتوي قدرة تصنيعية تسهم في اكتفاء المملكة الذاتي. اندفع بلا شعور لحسابات الربح والخسارة» (ص 95).
ويضيف: «للنجاح ثلاثة عناصر أساسية: أولها القوة والملاءة المالية في قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها في النفقات الثابتة وتحقيق التوسع، وثانيها قوة المنتج التي تُدرَك بالاستشارة وقراءة السوق والاهتمام بالإحصاءات والدراسات والأرقام. وثالثها الانسجام والتناغم بين الشركاء» (ص 95).
ويوجه المعجل نصيحة لصغار الصناعيين: «لم أحب يوماً إنشاء المشاريع عبر القروض المصرفية؛ فذلك الاقتراض له عواقبه التي لمستها فهي تدمر شباباً يافعين طمحوا بمشاريع واعدة لكنها تعرّضت لمشكلات... موظفو المصارف هم آخر من يفهم في الصناعة والتجارة وتحدياتها، وجل اهتمامهم في تحصيل قروضهم وإن كان ذلك عبر تدمير المشاريع» (ص 96).

الصحوة الدينية وعجلة الاقتصاد
في الفصل العاشر من هذا الكتاب، يتناول سعد المعجل تأثير الصحوة الدينية على عجلة الاقتصاد قائلاً: «في السنوات التي كانت الصحوة الدينية مهيمنة على الحياة اليومية، والمفاهيم المتشددة عن الدين هي سيدة الموقف، كان البعض يستغل الدين في فرض رؤيته، وإعاقة التطور؛ ولذلك لم يكن غريباً أن يعترض بعض قادة الصحوة على غرف التجارة، ويثيرون حولها الكثير من اللغط، خصوصاً فيما يتعلق بالمحاكم التجارية، معتبرين أن التحكيم يجب أن يظل في يد القضاء الشرعي، مع أن هؤلاء القضاة الأفاضل قد لا يكون لهم معرفة بالمعاملات التجارية» (ص 141).
كذلك كان رجال الصحوة يعترضون على المصارف، «ونظراً لأن التجارة تعتمد على المصارف فإن شيطنة بعض زعماء الصحوة للمصارف، وعدّها سبباً في كل شر، بسبب تعاملاتها الربوية، على حد زعمهم، عطّلت مسيرة القطاع المصرفي لسنوات، وجعلت الكثيرين يتجنبون التعامل معه».
لكن لماذا يعترض رجال الصحوة على المصارف البنكية؟ يقول المعجل: «لعل شطراً من الحقيقة في سعي البعض لأن يظل تبادل العملات ومعاملاتها الضخمة بعيدة عنها (المصارف)، خصوصاً في ظل قدوم ملايين الناس إلى المملكة من مختلف بقاع الدنيا، لتأدية الحج والعمرة، وبالتالي تحقيق مكاسب هائلة من هذه التجارة...
لقد تمكن هؤلاء باسم الدين، والدين منهم براء، من تعطيل تأسيس غرفة الرياض قليلاً بداية ستينات القرن الماضي. لكن الملك سعود قرر عدم الاستماع لكلامهم ووافق على تأسيسها».
ويكمل قائلاً: «كل ذلك انقضى عندما حانت اللحظة التي صرّح فيها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في عام 2018 بأن الإسلام عقلاني ومعتدل وسهل، وأن هناك من يحاول اختطافه، وبأننا بعد 1979 أصبحنا ضحايا للتطرف، خصوصاً من جيله، وتوعد بمحاربة التطرف، وبعدم ترك الأفكار المتطرفة تطال قطاع التعليم. يومها تنفستُ الصعداء وحمدتُ الله أنني عشت لزمن تعود فيه المملكة كما كانت قبل سيطرة الفكر الديني المتشدد على مفاصل الحياة. لم أكن وحدي؛ بل فرحي شمل كل الأجيال التي عانت من هذه التوجهات» (ص 142).
بالإضافة للصناعة والتصنيع والتجارة، واشتغاله بالكتابة والصحافة، فقد كان للمعجل اهتمام بالفن التشكيلي، ففي عام 2012 افتتح «معرض الرياض للفن المعاصر» في دورته الأولى. وكان مع آخرين وراء تنظيمه، وشارك فيه مجموعة من الفنانين التشكيليين السعوديين. وقد أثبت هذا المعرض، كما يقول، أن «الأجيال التي عاصرت بناء التنمية في المملكة وفي الرياض، تروم تنمية الذوق والجمال في وجدان الناس في كل مكان، وأن الفن السعودي مغروس في أرواح المواطنين ولن تتمكن قطعان الجهل من محوه».

شهادات
من الشهادات الكثيرة التي ضمّها الكتاب، شهادة المهندس أحمد الراجحي، وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودي، الذي كتب أن «سعد المعجل رجل أعمال ناجح يتحلى بالصبر والمثابرة والشغف والنظرة الثاقبة. ولديه القدرة على خلق أجواء التكيف، وحسن الحسم. ويتصرف بمسؤولية، ويدافع بحماس عن القرارات التي من شأنها أن تدعم الاقتصاد أو القطاع الصناعي حتى وإن كانت تلك القرارات قد تؤثر سلباً على أعماله الخاصة؛ فكان يحرص جداً على الشفافية بالطرح، ويحرضنا على تبني هذا الفكر» (ص 158).
وشهادة بندر الخريف، وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، التي جاء فيه: «سعد المعجل رمز للتاجر المتخصص، الذي حرص على أن تكون مساهمته أكبر وأوسع من مجرد عمله الخاص؛ فأمثاله هم من يصنعون الفارق في المشهد التجاري وقطاع الأعمال، لأنهم يبذلون جهداً أكبر مما هو مطلوب منهم. ولذلك هم يرفعون المستوى الاقتصادي، والاجتماعي على حد سواء، ويخوضون تحديات ويهزمون مستحيلات ليستقيم الأمر وينمو كل شيء. وكصناعي، أعتقد أنه لا يختلف اثنان على أن سعد المعجل هو أكثر من سخّر علمه، وماله، وأكثر من دافع عن الصناعيين ومصالحهم؛ لقناعته الكبيرة بأن الصناعة لكي تنشأ وتنمو لا بد من وجود التشريعات والسياسات والمحفزات التي تُبنى عليها القاعدة، ومنها تنطلق. ومن خلاله وزملائه استطاعت الصناعة أن تشق طريقها وتضع بصمتها محلياً وإقليمياً» (ص 160).



«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.