إدارة النفايات الدوائية تعاني الإهمال وضعف التنظيم

أضرارها صحية وبيئية واقتصادية

أدوية منتهية الصلاحية ملقاة في النفايات
أدوية منتهية الصلاحية ملقاة في النفايات
TT

إدارة النفايات الدوائية تعاني الإهمال وضعف التنظيم

أدوية منتهية الصلاحية ملقاة في النفايات
أدوية منتهية الصلاحية ملقاة في النفايات

أدت التغيرات السكانية والوبائية وتبدل أنماط الحياة، مثل شيخوخة السكان وتزايد أعدادهم، وظهور الحالات الصحية المزمنة، وتوافر العلاجات العامة غير المكلفة، والتبدلات في الممارسات الطبية السريرية إلى زيادة الوصفات الطبية واتساع استخدامها. ونتيجة لذلك، ازدادت كمية الأدوية غير المستخدمة التي تتحول مع الوقت إلى نفايات، ما يجعل إدارتها على نحو سليم بيئياً أكثر أهمية من أي وقت مضى.
مخاطر النفايات الدوائية
تتحول الأدوية المستخدمة في المنزل إلى نفايات طبية لأسباب عديدة؛ إذ يمكن أن يؤدي عدم الالتزام بأخذ الدواء، أو التعافي المبكر، أو تغيرات العلاج وتبدلات الدواء وأخطاء الشراء إلى وجود فائض من الأدوية في المنزل وانتهاء صلاحيتها.
ويشير تقرير، صدر مؤخراً عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، إلى أن نسبة الأدوية المنزلية التي تتحول إلى نفايات يمكن أن تصل حتى 50 في المائة عالمياً. ففي فرنسا، على سبيل المثال، بلغت كمية الأدوية غير المستخدمة أو المنتهية الصلاحية التي جرى التخلص منها في 2018 نحو 17600 طن، أي ما يعادل 260 غراماً للشخص الواحد.
وتمثل الأدوية التي يتم التخلص منها عبر شبكة الصرف الصحي تهديداً لأنظمة المياه العذبة، لأن أغلب محطات معالجة مياه الصرف الصحي غير مصممة لإزالة المستحضرات الدوائية؛ لذا تتركز كميات محددة من بعض المخلفات الدوائية في حمأة (رواسب) الصرف. وعندما تُنشر هذه الحمأة على الأراضي الزراعية للتسميد، تزداد مخاطر تسربها إلى النظم البيئية عبر التربة والمياه الجوفية.
ويمكن للمخلفات الدوائية أن تؤثر على البيئة عبر منظومة إدارة النفايات الصلبة. فعندما يتم دفن النفايات الصلبة البلدية المختلطة في مواقع التخلص النهائي، تتسرب المخلفات الدوائية إلى المياه الجوفية ما لم يتم جمع رشاحة المطمر ومعالجتها بشكل صحيح.
ويمكن تصنيف النفايات الدوائية الخطرة ضمن أربع فئات هي: النفايات القابلة للاشتعال مثل شراب السعال المحتوي على الكحول، وعلب الرذاذ التي تحتوي على مواد مضغوطة قابلة للاشتعال؛ والنفايات الدوائية التي تتضمن المواد الحمضية أو القلوية، مثل بعض المطهرات والمعقمات وكذلك الأدوية التي تحتوي على حمض النيتريك؛ والنفايات الدوائية التي تتفاعل سلباً مع مواد كيميائية أخرى ما يتسبب في حدوث انفجارات أو توليد غازات أو أبخرة سامة؛ والنفايات الدوائية السامة كتلك التي تحتوي على السيلينيوم والفضة والزئبق بتركيزات معينة.
ويحذر الخبراء من أن مخاطر وأضرار التخلص غير السليم من الأدوية غير المستخدمة أو المنتهية الصلاحية تنعكس على البيئة والصحة والاقتصاد. فبعض المستحضرات الدوائية تسبب آثاراً ضارة في الأنظمة البيئية، كزيادة معدل الوفيات في الأنواع المائية الحية وحصول تغيرات في وظائف الأعضاء أو السلوك أو التكاثر، ويؤدي التخلص العشوائي من المضادات الحيوية إلى حدوث طفرات في الحيوانات وتحفيز البكتيريا على تطوير مقاومة للمضادات. كما يوجد خطر محتمل على الصحة العامة ناشئ عن سوء الاستعمال العرضي أو المتعمد، إذا قام أحدهم باستخدام المخلفات الدوائية المرمية في حاويات النفايات. ومن ناحية أخرى، تمثل الأدوية غير المستخدمة موارد رعاية صحية ضائعة وخسائر اقتصادية.
وتتوقع مؤسسة «فيريفايد ماركت ريسيرتش» نمو السوق العالمية لإدارة النفايات الدوائية من 12 مليار دولار في 2020 إلى 18 مليار دولار في 2028 بسبب ارتفاع حجم النفايات الدوائية وزيادة الأنشطة الحكومية للتخلص الفعال من الأدوية غير المستخدمة أو المنتهية الصلاحية. وتشمل هذه السوق جميع الأنشطة والفعاليات الخاصة بفرز النفايات الدوائية من المصدر وجمعها والتخلص منها، مع الحد من تأثيرها السلبي على الإنسان والبيئة.
الإدارة السليمة للنفايات الدوائية
يمكن اتباع العديد من الإجراءات لإدارة النفايات الدوائية من المصدر بهدف الإقلال من هدرها والحد من تسربها إلى النظم البيئية. وتساعد السياسات الوقائية، مثل تفادي انتشار الأمراض والاستطباب الدقيق وتحسين أحجام الجرعات file:///C:/Users/n.farhat/Downloads/22924(1).jpg والعبوات، في تجنب النفايات الدوائية. وتشير دراسة، جرت في هولندا، إلى أنه يمكن إقلال 40 في المائة من النفايات الدوائية من خلال الإدارة السليمة للأدوية غير المستخدمة والأدوية المنتهية الصلاحية.
كما يمكن أن يؤدي تطوير آليات خاصة بإعادة توزيع الأدوية غير المستخدمة التي اقتربت من تاريخ انتهاء الصلاحية إلى تحسين الموازنة بين العرض والطلب ومنع الهدر. ورغم المخاوف التي تتعلق ببيع الأدوية غير المستخدمة وإعادة تداولها، كضمان الجودة وتزوير العبوات والقيود القانونية المترتبة على ذلك، فإن هناك العديد من المبادرات الناجحة في هذا الشأن.
ومع ذلك، يبقى التخلص النموذجي من الأدوية غير المستخدمة أمراً صعب المنال. فعلى سبيل المثال، قد يتعافى بعض المرضى بسرعة أكبر من المتوقع، أو يغيرون علاجهم، أو لا يلتزمون بالعلاجات الموصوفة. كما يقوم البعض بتخزين الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية بشكل وقائي حيث تنتهي صلاحيتها قبل استهلاكها بالكامل. وبالتالي، لا غنى عن ضمان الجمع والتخلص السليم من هذه الأدوية غير المستخدمة أو المنتهية الصلاحية.
يحتاج جمع النفايات الدوائية والتخلص منها إلى مقاربة تراعي السياسات الوطنية والتحديات المحلية. وعندما يكون هناك خطر لتسرب أو إساءة استخدام النفايات الدوائية عبر منظومة الجمع المختلط للنفايات البلدية، يوصى بالفرز والجمع المنفصل لتقليل الآثار البيئية والصحية العامة.
في أكثر من مكان حول العالم، أظهرت خطط إدارة النفايات الدوائية القائمة على المسؤولية الطويلة الأمد للمنتج فاعليتها في تنظيم الجمع والمعالجة على نحو منفصل وسليم بيئياً. وتطبق دول، مثل فرنسا والسويد والبرتغال وإسبانيا، خططاً موسعة لمسؤولية المنتج مع تغطية وطنية كاملة ومتناسقة تعتمد نقاط تجميع في الصيدليات. ويمكن أن تكون الخطط البديلة، مثل خطط الاسترجاع الممولة من القطاع العام، فعالة أيضاً، إلا أنها لا تقوم على مبدأ «الملوث يدفع».
وفي الولايات المتحدة، تنظم وكالة حماية البيئة التخلص من النفايات الدوائية الخطرة من خلال قانون الحفاظ على الموارد واستعادتها. ويُلزم القانون الشركات التي تستخدم المواد الكيميائية الخطرة، بما في ذلك النفايات الدوائية الخطرة، بتصنيفها والتخلص منها وفقاً للمعايير والإجراءات المحددة من قبل الوكالة. كما تسهم وكالات أميركية أخرى في تنظيم التخلص من النفايات الدوائية، مثل وزارة النقل التي تنظم كيفية نقل النفايات الدوائية إلى مرافق التخلص منها، وإدارة مكافحة المخدرات التي تشرف على إدارة نفايات المواد الخاضعة للرقابة.
ورغم عدم وجود تشريعات في الولايات المتحدة بشأن تصرف المستهلك حيال النفايات الدوائية، تقوم العديد من المنظمات المشاركة في برامج استعادة الأدوية بمبادرات ناجحة. وتشمل برامجها، على سبيل المثال، تزويد المواطنين بمغلفات للتخلص الآمن من النفايات الدوائية عبر البريد أو وضعها في أكشاك خاصة للجمع. وتتيح حلول كهذه للمستهلكين طرقاً آمنة وسهلة للتخلص من بقايا الأدوية من دون الإضرار بالبيئة والمجتمع.
وفي السعودية، تندرج إدارة النفايات الدوائية ضمن النظام الموحد لإدارة نفايات الرعاية الصحية الخاص بمجلس التعاون الخليجي الذي تبنته المملكة. ويوجب هذا النظام إعادة الأدوية والمواد المنتهية الصلاحية، إذا وجدت بكميات كبيرة، إلى قسم الصيدلة في مراكز الرعاية الصحية، للتخلص منها بالطرق المناسبة. كما يعتمد النظام آلية ترميز وجمع منفصل للأدوية والمواد الصيدلانية الخطرة. وتتبنى دول عربية أخرى تشريعات مشابهة لإدارة النفايات الطبية، بما فيها النفايات الدوائية، إلا أن جميع هذه التشريعات لا تأخذ في الاعتبار النفايات الدوائية المتولدة في المنازل.
ويُضعف الوعي المحدود للمستهلكين حول طرق التخلص المناسبة وخطط استعادة الأدوية من تأثيرها في العديد من البلدان. ففي لاتفيا، على سبيل المثال، اعترف 60 في المائة من المشاركين في استطلاع حول إدارة النفايات الدوائية بعدم معرفتهم بكيفية التخلص من الأدوية غير المستخدمة أو المنتهية الصلاحية بشكل صحيح. وخلصت دراسة استقصائية أُجريت في هولندا إلى أن 17.5 في المائة من الذين تمت مقابلتهم ليسوا على دراية بضرورة تجنب صرف الأدوية السائلة ضمن شبكة الصرف الصحي.
من أجل زيادة وعي المواطنين حول طرق التخلص المناسبة من الأدوية وخطط استعادتها، يجب على الحكومات تكليف مؤسسات للرقابة على المنتجين، للتأكد من قيامهم بحملات تواصل دقيقة وواضحة ومركزة مع المواطنين. ومن الملاحظ أن التخلص من السوائل الدوائية والمراهم والكريمات لا يتم في أغلب الأحيان بشكل صحيح، ولذلك فإن المزيد من الحملات الإعلامية والتنبيهات السلوكية ستكون مفيدة في العديد من الدول.
يمكن أيضاً زيادة الوعي وتغيير السلوك من خلال وضع تعليمات خاصة لطرق التخلص المناسبة على العبوة الخارجية للمنتجات الطبية أو في نشرة الاستطباب المرفقة مع الدواء. كما يمكن للتنبيهات التي يمكن وضعها على العبوات الدوائية، كالعلامات البيئية وخيارات إعادة الدواء إلى الصيدليات، أن تساعد أيضاً في تعزيز الاعتبارات البيئية والتوعية حول مخاطر التخلص غير المناسبة.



البراكين «مصدر خفي» لثاني أكسيد الكربون المسبِّب للاحترار المناخي

تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)
تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)
TT

البراكين «مصدر خفي» لثاني أكسيد الكربون المسبِّب للاحترار المناخي

تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)
تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)

واصلت مناطق بركانية ضخمة إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بعد فترة طويلة من توقّف نشاطها السطحي، مما يفسّر مدة بعض موجات التغير المناخي، بحسب دراسة نُشرت الأربعاء.

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول بنجامين بلاك، عالم البراكين في جامعة روتجرز - نيو برونسويك بالولايات المتحدة، وقائد الدراسة التي أجراها فريق من علماء الجيولوجيا من مختلف أنحاء العالم، إنّ «النتائج التي توصّلنا إليها مهمة؛ لأنها تحدّد مصدراً خفياً لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، خلال موجات احترار مفاجئ على الأرض استمرت لفترة أطول بكثير مما كنّا نتوقع».

ويضيف بلاك في بيان مصاحب للدراسة المنشورة بمجلة «نيتشر جيوساينس»: «نعتقد أننا وجدنا جزءاً مهماً من لغز متعلق بكيفية تعطّل المناخ على الأرض، وربما بمقدار الأهمية نفسه عن كيفية تعافيه».

وترتبط «مناطق بركانية واسعة النطاق» (LIPs)، وهي مناطق واسعة تشكّلت نتيجة انفجارات ضخمة للصهارة خلال فترة جيولوجية قصيرة، بـ4 من 5 موجات انقراض جماعي كبرى منذ ظهور الحياة المعقّدة على الأرض.

وأطلقت هذه الانفجارات كميات هائلة من الغازات في الغلاف الجوي، بينها ثاني أكسيد الكربون والميثان، مما تسبّب بظاهرتَي الاحترار المناخي وتحمّض المحيطات.

وقبل 252 مليون سنة، وفي نهاية العصر البرمي، أدى النشاط البركاني المكثّف في إحدى هذه المناطق، وهي مصاطب سيبيريا، إلى موجة خسارة في التنوع البيولوجي كانت الأشد في تاريخ الكوكب؛ إذ انقرض أكثر من 90 في المائة من الأنواع البحرية، و70 في المائة من الأنواع البرّية.

واستمرت ظاهرة الاحترار المناخي والمعدلات المرتفعة لثاني أكسيد الكربون، واضطرابات دورة الكربون لنحو 5 ملايين سنة، أي حوالي 3 ملايين سنة بعد فترة النشاط البركاني.

وهذا التعافي الأبطأ للمناخ مما توقعته النماذج الجيوكيميائية المناخية الحيوية، يثير اهتمام العلماء منذ فترة طويلة.

فهل ثمة عتبات في حال تخطّيها تتوقف أنظمة تنظيم المناخ الطبيعي عن العمل؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف يمكن تفسير مدة هذه الموجات وهي أطول بكثير من النشاط البركاني الذي تسبّب بها؟

انبعاثات من الأنشطة البشرية

جمّع مُعِدّو الدراسة تحليلات كيميائية للحمم البركانية، ووضعوا نماذج حاسوبية تحاكي الذوبان داخل الأرض، وقارنوا النتائج مع السجلات المناخية المحفوظة في الصخور الرسوبية، قبل طرح الفرضية القائلة بأن مرحلة النشاط البركاني السطحي لن تكون الوحيدة التي تشهد إطلاق ثاني أكسيد الكربون.

وحتى عندما توقفت الانفجارات، استمر إنتاج الصهارة في عمق قشرة الأرض ووشاحها، واستمرت في إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون، مما أدى إلى احترار طويل الأمد.

وفي حال تأكيد فرضية هذا المصدر «الخفي» لثاني أكسيد الكربون، فقد يعني ذلك أن «منظم الحرارة» للأرض يعمل بشكل أفضل مما كان يعتقد العلماء، بحسب مُعِدِّي الدراسة.

لكن هذا النوع من البراكين «لا يمكنه بالتأكيد تفسير التغير المناخي الحالي»، على ما يوضح بلاك لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويشير إلى أن هذه «الظاهرة النادرة والاستثنائية جداً، قادرة على جمع ما يكفي من الصهارة لتغطية الولايات المتحدة القارّية أو أوروبا بطبقة من الحمم البركانية بعمق نصف كيلومتر»، وقد شهدتها الأرض آخر مرة قبل 16 مليون سنة.

وحالياً يمثّل الكربون المنبعث في الغلاف الجوي من مختلف براكين الأرض مجتمعةً «أقل من 1 في المائة» من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالأنشطة البشرية، بحسب بلاك.

ويقول: «تشير دراستنا إلى أن أنظمة التحكم في مناخ الأرض تستمر في العمل حتى في ظل ظروف قاسية»، مما يمنحه الأمل في أن «العمليات الجيولوجية ستكون قادرة على إزالة ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية من الغلاف الجوي تدريجياً، لكن ذلك سيستغرق مئات الآلاف إلى ملايين السنين».