نمر سعادة مصمم أزياء رجالي يسبح ضد التيار

ورث المهنة من أجداده وطورها بالدراسة والممارسة

نمر سعادة
نمر سعادة
TT

نمر سعادة مصمم أزياء رجالي يسبح ضد التيار

نمر سعادة
نمر سعادة

لم تنبع موهبة مصمم الأزياء الرجالي نمر سعادة من العدم، فقد تربى في بيئة خيّاطين شملت جدّه ووالده وأعمامه. يقول: «عندما كنت أراقب جدّي عبد الكريم يقصّ ورق الـ(باترون)، ويمسك بالمسطرة والماسورة ويقيس الفراغات بأنامله، كنت أعتقد أن ما يقوم به علم درسه في الجامعة». ويشير إلى أن ما تعلّمه من جدّه يختلف عما تعلمه من والده أو أعمامه، فلكل منهم طريقته وأسلوبه في تصميم وخياطة الثياب. ولا شك أن تشربه بتجاربهم وخبراتهم أثر عليه ودفعه إلى عشق المهنة وصقلها بالدراسة. فأدوات عصره تختلف عن أدوات عصر أجداده سواء تعلق الأمر بالقصات الجديدة أو بالاستغناء عن «الباترون».
وبالفعل بعد عشر سنوات من العمل مع أفراد عائلته، دخل نمر سعادة جامعة (إس مود) لكي يستفيد من التقنيات المتطورة والأفكار الجديدة التي شكلت أسلوبه الخاص. ومع ذلك تلمس في حديثه حنينا إلى الماضي ويعترف بأن التقنيات القديمة التي تعلمها في بيت العائلة لا تزال تؤثر عليه بشكل أو بآخر.
على عكس ما قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى لم يكن الطريق أمام نمر سعادة مفروشا بالورود، ففي الثمانينات شهدت مهنة الخياطة الرجالية تحديدا تراجعا ملحوظا، لا سيما في بلد شرذمته الحرب وأصيب أهله بالإرهاق بفعلها وتأثيرها عليهم ما أدى إلى هجرة البعض أو تغيير البعض الآخر مهنهم. عوض أن يستسلم للهزيمة، أدرك أن اللبنانيين يحبّون الأسماء الكبيرة ويحترمون النجومية، كما ينظرون إلى أن الكلفة المرتفعة تعني الجودة، فلعب على هذا الوتر. غازل وسائل الإعلام، وأصبح ضيفا مألوفا في البرامج التلفزيونية يتحدّث عن تصميم أزياء الرجل، كما تصدرت صوره أغلفة المجلات. لم يكن لديه حلّ آخر سوى ذلك لاختراق عالم الرجل في تلك الفترة الحرجة والاستمرار في مهنته رغم أن المقربين منه اتهموه بالجنون والعوم ضد التيار. فموضة الأزياء الجاهزة بدأت تسحب السجاد من تحت أقدام الخياطة والتفصيل التقليدي. ما زاد من صعوبة الأمر بالنسبة له أنه كان يعيش في مصر ما لم يساعده على إنشاء علاقات عامة واسعة مع الطبقة التي تهتم بأناقتها بلبنان. لهذا استغرق اختراقه خزانة الرجل اللبناني نحو السنة والنصف، كثّف خلالها حضوره وأصبح المصمم الرجالي الوحيد الموجود على الساحة العربية تقريبا.
ويرد السبب إلى عدم تسلح البعض بالشجاعة لدخول هذه المهنة. فالخياطون المتخصصون في أزياء الرجال باتوا قلّة «وبالكاد أجد من يساعدني بينهم في مشغلي وأتمنى أن يزيد عددهم في المستقبل وأنا جاهز لتقديم المساعدة لهم».
ورغم أنه يخاطب الرجل عموما واللبناني خصوصا فإنه لا يعتقد بأن هذا الأخير يتميز بأناقة متميزة، بل يذهب إلى القول بأن الصيت الذي يلازم أناقته أكبر من الواقع، لأنه «لا يملك حسّ المبادرة، ويفضل الغالبية منهم الالتزام بالبدلات الكحلية، أو بنطلونات الجينز من ماركة (ترو ريليجين) أو قمصان البولو رقم 3. وأنا أرفض التعامل مع هؤلاء الأشخاص لأنهم يتعبونني ولا أجد وسيلة للتفاعل معهم». في المقابل يرى بأن الرجل العربي الذي يعيش في دبي مثلا، بمن فيهم اللبناني، يتميز بأناقة أكبر لأن الأجواء العامة في تلك البلاد منفتحة على الآخرين مما يؤثّر على موضوع الموضة بشكل مباشر.
ولم ينس الإشارة إلى أن شخصية الرجل أو المرأة تلعب دورا في خياراتهما فـ«هناك أشخاص يملكون شخصية هادئة ما ينعكس على أزيائهم، بغض النظر عن أعمارهم أو ثقافتهم. بينما هناك من يتمتعون بالجرأة ويحبون المغامرة في الحياة، وبالتالي يفضلون أزياء جريئة مثلهم».
لا يعيش المصمم بعيدا عن تغيرات الموضة العالمية ويتابع تطوراتها لكي يبقى مواكبا لها، ومن مصممي الأزياء العالميين الذين يلفتونه، يذكر جورجيو أرماني الذي يعدّه واحدا من أهم مبتكري الموضة الرجالية والأقوى والأكثر انتشارا رغم أسعاره العالية. والاسم الثاني الذي يثير إعجابه توم فورد لأنه في رأيه «برع في عالم الرجل كما في عالم النساء، ورغم أنه ما زال في بداياته في عالم الموضة الرجالية فإنه يسير على الطريق الصحيح وأصبح اسمه مرادفا للأناقة الراقية».
وعن خطوط الموضة الرائجة في موسم الربيع والصيف الحالي يذكر النقشات المربعة والألوان القوية التي سبق ورأيناها في التسعينات إضافة إلى البنطلون الواسع، خصوصا أن جورجيو أرماني يقترحه بقوة في المواسم الأخيرة، حيث أعاد الطيات والخصر العالي إلى الواجهة.
وفيما يخص الأقمشة المستخدمة في البدلات الرسمية وغير الرسمية، فتتنوع ما بين الحرير والكتّان والقطن والصوف مع الحرير. وتحدد اختياراتها في الغالب التصاميم نفسها، حسب قوله. فالبدلات الرسمية مثلا تلتزم بموديلات الـ«دوبيتي» ذات الطابع الحديث المترجم بسترة أقل طولا وأكثر نحافة من الكلاسيكية. بالنسبة للإكسسوارات، فربطة العنق لا تزال منتعشة، والعريضة تكتسب أهمية أكبر من الربطة الرفيعة التي انتشرت في التسعينات.



الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».