بعد 3 أيام من الإعلان الرسمي لنهاية الحرب الباردة في مالطا، عقب سقوط جدار برلين مطالع نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1989، بدأت السويد في تقليص عديد قواتها المسلحة، وخفض موازنتها الدفاعية تماشياً مع رياح الانفراج التي كانت تهبّ على القارة الأوروبية، بعد عقود من التوتّر الذي ساد العلاقات بين المعسكرين الغربي والشرقي، وأوشك أن يؤدي إلى صدام نووي بين واشنطن وموسكو مطالع ستينات القرن الماضي، بسبب أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا.
استمرّت هذه السياسة السويدية حتى بداية عام 2014، عندما اندلعت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وقرّر فلاديمير بوتين ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا، بذريعة أن الرئيس الأوكراني آنذاك فكتور يانوكوفيتش طلب منه التدخّل لقمع الاحتجاجات التي كانت أدّت إلى سقوطه.
في العام التالي لضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا، قرّرت السويد استعادة الخدمة العسكرية الإلزامية التي كانت ألغتها بعد نهاية الحرب الباردة، ووضعت خطة لإعادة تسليح جيشها وتجهيزه بمعدات حديثة، كما أعادت نشر قواتها في المناطق الاستراتيجية التي كانت سحبتها منها؛ خصوصاً في جزيرة غوتلاند، وسط بحر البلطيق، التي يصفها العسكريون بأنها حاملة طائرات ضخمة يستحيل إغراقها، والتي سبق وتعرّضت للاجتياح الروسي عدة مرات، كانت آخرتها في عام 1808، عندما احتلّتها قوات القيصر ألكسندر الأول لفترة دامت 26 يوماً قبل أن تنسحب منها.
وعندما كانت القوات الروسية تنتظر الأوامر لعبور الحدود الأوكرانية أواسط فبراير (شباط) الماضي، أعلن وزير الدفاع السويدي التعبئة العامة، وأمر بإرسال مئات الجنود وأجهزة الدفاع الجوي على وجه السرعة إلى غوتلاند التي كانت القوات المسلحة السويدية انسحبت منها كلياً في عام 2005، وقال: «لا نستبعد أن تتعرّض السويد لهجوم من القوات الروسية».
ومع بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، تداعى عشرات الآلاف من السويديين للتطوع من أجل الخدمة في وحدات الدفاع المحلية التي تشكّلت في جميع أنحاء البلاد، بينما كانت ترتفع نسبة المواطنين المؤيدين لانضمام السويد إلى الحلف الأطلسي، لتصل إلى 61 في المائة حسب الاستطلاع الأخير، بعد أن كانت دون 20 في المائة أواخر العام الماضي.
يوم الجمعة الماضي، كشفت الحكومة السويدية عن تقرير توافقت عليه جميع الكتل البرلمانية، باستثناء الخضر والشيوعيين، يشير إلى أن «انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف الأطلسي يضع جميع البلدان الإسكندنافية ودول بحر البلطيق في حماية ضمانات الدفاع المشترك».
في موازاة ذلك، صدر بيان مشترك عن رئاستي الحكومة والجمهورية في فنلندا، يؤكد أن الانضمام إلى الحلف الأطلسي يجب أن يتمّ بأقصى سرعة ممكنة، ويدعو البرلمان إلى مناقشته بدءاً من الاثنين المقبل، مذكّراً بأن غالبية ساحقة من المواطنين تؤيد هذه الخطوة.
وتجدر الإشارة أن فنلندا كانت قد نالت استقلالها عن روسيا في عام 1917، بعد أن تخلّت عن جزء كبير من أراضيها، ثم عاشت عقوداً تحت هيمنة موسكو التي فرضت عليها اتفاقية دفاعية مشتركة.
وبينما كان الأمين العام للحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، يعرب عن ترحيبه بالخطوتين السويدية والفنلندية، متوقعاً أن تبدأ عملية الانضمام رسمياً في القمة المقبلة التي سيعقدها الحلف في مدريد نهاية الشهر المقبل، وبينما كانت موسكو تحذّر من عواقب هذا القرار وتهدد بنشر أسلحة نووية وتعزيز قواتها على الحدود مع فنلندا، اكتفى الموقف الأميركي بالإشارة إلى أن انضمام هذين البلدين إلى الحلف الأطلسي «ليس مفترضاً أن يواجه أي عراقيل».
لكن المفاجأة جاءت من تركيا التي تملك ثاني أكبر جيش في الحلف الذي تنتمي إليه منذ عام 1952، والتي قال رئيسها رجب طيب إردوغان: «نتابع الوضع بالنسبة إلى السويد وفنلندا؛ لكننا لا ننظر إليه بإيجابية»، ليضيف أن هذين البلدين تحوّلا إلى مأوى لمنظمات وعناصر إرهابية، في إشارة إلى حزب العمال الكردي الذي تطالب أنقرة بتسليم عدد من أعضائه الموجودين في هذين البلدين.
وتجدر الإشارة إلى أن البلدين الإسكندنافيين يأويان منذ سنوات ناشطين سياسيين أتراكاً ينتمون إلى الأحزاب الكردية واليسارية والإسلامية، وبينهم من ينتمي إلى تنظيمات مسلّحة مصنّفة إرهابية في الاتحاد الأوروبي.
هذا الموقف التركي من شأنه أن يجمّد عملياً إجراءات الانضمام التي تقتضي موافقة الأعضاء بالإجماع، لإطلاق المرحلة التمهيدية التي ينتظر أن تدوم سنة كاملة، تكون الدولة المرشحة خلالها تحت المظلة الدفاعية للحلف. ويذكر أن تركيا كانت حتى الآن تؤيد انضمام أعضاء جدد إلى الحلف؛ خصوصاً في الفترة الأخيرة عندما انضمت إليه بلدان تربطها معها علاقات وثيقة، مثل ألبانيا ومقدونيا الشمالية.
معظم القراءات الأوروبية لهذا الموقف التركي ذهبت إلى اعتباره مناورة من أنقرة، للحصول على تنازلات من بعض البلدان وتسليمها بعض المعارضين الذين تطالب بهم، وأيضاً لرفع الحظر الذي فرضته بعض الدول، مثل الولايات المتحدة والسويد، في السنوات الأخيرة، على تزويد تركيا بالأسلحة والتكنولوجيا الحربية المتطورة.
لكن تصريحات إردوغان قد لا تكون بعيدة عن المساعي التي تبذل على أعلى المستويات، لفتح ثغرة في جدار الحرب في أوكرانيا التي تراوح مكانها منذ أيام وتهدد بالخروج عن المسار التقليدي، أمام الانتكاسات التي تواجه القوات الروسية وعجزها عن تحقيق اختراقات ميدانية.
إلى جانب ذلك، بدا أن موسكو «خففت» أمس من حدّة تحذيراتها لفنلندا والسويد؛ حيث صرّح نائب وزير الخارجية ألكسندر غروشكو، بأن الكرملين ليست لديه «نيات عدوانية» تجاه هذين البلدين في حال قررا الانضمام إلى الحلف الأطلسي؛ مضيفاً أن موسكو ستردّ بالشكل المناسب إذا نشر الحلف ترسانته النووية على الحدود مع روسيا.
وكانت لافتة أمس المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الفنلندي ساولي نينستو مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، حول احتمال انضمام فنلندا إلى الحلف الأطلسي، بينما قال مصدر أوروبي مطّلع إن اتصالات تجري منذ أيام على أرفع المستويات بين واشنطن وبكين وبروكسل وبعض العواصم الأوروبية الكبرى، بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة والفاتيكان، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، يتيح فتح المعابر الإنسانية، وتنفيس الاحتقان الذي تراكم نتيجة مراوحة العمليات العسكرية في مكانها على معظم الجبهات، وربما التمهيد للعودة إلى طاولة المفاوضات تحت مظلّة دولية.
السويد تعزز قدراتها الدفاعية... وفنلندا تقترب من حسم ترشيحها لـ«الناتو»

جنود من قوات الاحتياط يشاركون في تدريبات جنوب شرقي فنلندا 9 مارس (أ.ب)
السويد تعزز قدراتها الدفاعية... وفنلندا تقترب من حسم ترشيحها لـ«الناتو»

جنود من قوات الاحتياط يشاركون في تدريبات جنوب شرقي فنلندا 9 مارس (أ.ب)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة