عودة كاميرون

بعد انتخابه رئيسًا لوزراء بريطانيا.. الزعيم المحافظ يواجه معركتي الحكم بأغلبية بسيطة.. وأوروبا

عودة كاميرون
TT

عودة كاميرون

عودة كاميرون

تعود الأنظار إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ليس فقط لأنه أعيد انتخابه رئيسًا لوزراء المملكة المتحدة بعد انتخابات 7 مايو (أيار) الأخيرة بنتائج فاجأت الأحزاب السياسية بقدر ما فاجأت الإعلام، إلا لأنه ينوي خوض معركة داخل الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يحدد مستقبل الاتحاد نفسه

«إنه أحلى انتصار».. بهذه الكلمات وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون فوزه التاريخي في انتخابات 7 مايو الحالي ليتولى رئاسة الحكومة لولاية ثانية. الفوز يعتبر تاريخيًا ليس لأنه جاء كاسحًا، بل لأن من النادر جدا أن يستطيع رئيس وزراء بريطاني زيادة عدد مقاعد حزبه في البرلمان بعد ولاية أولى في الحكومة. وهذه الزيادة، جعلت كاميرون يقود حكومة أغلبية بعد أن قاد ائتلافا حكوميا بين عامي 2010 و2015. وفعلها كاميرون بعدما عجز غيره، ما عدا قدوته السياسية رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت ثاتشر. وبينما يشبه كثيرون كاميرون بثاتشر من حيت الاتجاه الذي يتخذه حزب المحافظين الحاكم، فإن البعض يشبه وضعه الحالي بكونه أقرب إلى جون ميجور، رئيس الوزراء الذي خلف ثاتشر.
ويشرح البروفسور ريتشارد ويتمان، وهو بروفسور علوم سياسية في جامعة «كينت» أن «وضع كاميرون أقرب إلى ميجور من ثاتشر.. فلديه أغلبية 330 مقعدًا فقط، مما يعني أن بإمكان عدد قليل من النواب أن يزعجوا حكومته مثلما حدث مع ميجور».
ويحتاج رئيس الحزب الحاكم إلى 326 مقعدًا على الأقل في مجلس العموم لتشكيل الحكومة، مما يعني أن كاميرون بات مطالبًا اليوم بإرضاء جميع النواب. ويذكر أن حكومة ميجور عام 1992 كان لديها أغلبية ضئيلة في البرلمان مما جعل ميجور حينها ضعيفا أمام حزبه ورهينة للنواب المستقلين، إذ كانت له أغلبية 10 مقاعد برلمانية فقط. ولكاميرون اليوم أغلبية 4 مقاعد فقط.
من رأى فوز كاميرون ونتائج الانتخابات تعلن ليل 7 - 8 مايو قد لا يصدق أنه نفس الرجل الذي خسر مقعد حزبه عام 1997 عندما ترشح للمرة الأولى للبرلمان واكتسح حزب «العمال» حينها مجلس العموم. وقصته السياسية، المرتبطة بحياته الشخصية وخلفيته العائلة، تعكس عودة حزب «المحافظين» للواجهة بعد سنوات من الاضطرابات الداخلية بعد إخراج ثاتشر من الحكم. ويشرح الباحث في معهد «ديموس» الفكري في بريطانيا لوي رينولدز لـ«الشرق الأوسط»: «كاميرون السياسي المحنك استطاع أن يخطف فوزا للمحافظين، لكنه يواجه صراعات داخل حزب المحافظين حول مستقبل البلاد وحول مستقبل أوروبا». ولكن رينولدز لفت إلى أن قدرة كاميرون على بناء التحالفات داخل الحزب، معتمدًا على صداقات قديمة والموازنة بين المعتدلين والمتشددين في قضايا جوهرية مثل مصير المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، تجعله قادرًا على خوض هذه المرحلة.
يعكس كاميرون التنوع داخل حزب «المحافظين» اليوم، فهو يريد أن يظهر بأنه رجل عائلة حريص على القيم الأسرية، وهو من عائلة عريقة في البلاد، لديها روابط مع الطبقة الحاكمة وهو الموقع التقليدي لحزب المحافظين البريطاني. ولكن في نفس الوقت، يحاول كاميرون الظهور على أنه رجل قريب من عامة الشعب، ومن ضمن هذه المساعي يتحدث كاميرون عن عشقه لموسيقى «الإيندي» بدلا من الكلاسيكية. إلا أن فشله خلال حملة الانتخابات في الحديث بحماس عن كرة القدم وتحديد فريقه المفضل للعبة الوطنية البريطانية أظهرت ابتعاده بعض الشيء عن الرجل «العادي» في البلاد. ومثل غيره من الساسة في الأنظمة الديمقراطية الليبرالية في الغرب، واجه كاميرون انتقادات من الصحافة على مدار رئاسته للحكومة لأسباب مختلفة، ولكن ربما أبرزها اعتباره من فئة اجتماعية عليا لا تشعر بما يعانيه الشعب.
وبينما يمثل حزب المحافظين مصالح الطبقة العليا في بريطانيا، كانت ثاتشر المنحدرة من عائلة بسيطة تمثل تغييرا في خلفيات رؤساء الأحزاب. إلا أن كاميرون أعاد الحزب إلى اقترابه من الطبقية، إذ إن الكثيرين يعتبرونه وُلد و«معلقة من فضة» بفمه. فهناك 3 نواب برلمانيون من حزب المحافظين سبقوا كاميرون إلى مجلس العموم، كما أن شجرة العائلة لديها قرابة، ولو بعيدة، من العائلة المالكة. أما زوجته سامانثا، فهي ابنة السير ريجينالد شيفيلد، وهو مالك أراض يحمل رتبة وراثية ذات ثقل بين الطبقة الأرستقراطية البريطانية، إذ إنه من سلالة الملك تشارلز الثاني.
وبعد أربعين عاما من اختيار حزب المحافظين زعماء من خلفيات بسيطة، خرج كاميرون ليتولى زعامة الحزب.
ولد ديفيد ويليام دانكون كاميرون يوم 9 أكتوبر (تشرين الأول) 1966 في لندن ووالده إيان كاميرون الذي كان يعمل في البورصة في شركة «بانموير» الذي عمل فيها جد كاميرون ووالد جده أيضا. وبينما ترعرع في سنواته الأولى في لندن، انتقل مع عائلته للريف الإنجليزي، حيث عاش حياة عائلية هادئة.
وهو أول رئيس لحزب المحافظين يدرس في مدرسة «إيتون» العريقة منذ زعيم الحزب السير إليك داغلوس هيوم في الستينات من القرن الماضي. أكمل كاميرون دراسته الجامعية في جامعة أوكسفورد العريقة، حيث درس «الفلسفة والسياسة والاقتصاد» وهو من أهم الاختصاصات في العلوم الإنسانية في المملكة المتحدة. وهذه من النقاط التي يثيرها معارضوه التي تجعله «من الطبقة المخملية»، وبعيدًا عن الاحتياجات الواقعية للشعب البريطاني. وخلال فترة دراسته الجامعية، كان كاميرون عضوا في «نادي بولينغدون»، وهو ناد معروف بـ«طيش» أعضائه من الطلاب. وبعد أن نشرت صورة له ولعمدة لندن بوريس جونسون وهما في وضع غير لائق وظاهر عليهما أنهما ثمالى، رفض كاميرون الحديث عن شبابه وسحبت الصورة من النشر تحت قانون الخصوصية، إذ كانت الصورة خاصة وحقوق النشر غير متوفرة للصحافة.
ومن أكثر المقولات المعروفة عن كاميرون تعود لأستاذه في جامعة «أكسفورد» فيرنون بوغدانور الذي وصف كاميرون بأنه «من بين أكثر الطلبة قدرة» في الجامعة التي تستقطب أذكى الطلاب من حول العالم، وقد تخرج كاميرون بدرجة امتياز في الجامعة. كما أن بوغدانور شخص آراء طالبه كاميرون السياسية بأنها «معتدلة ومحافظة بعقلانية». ولقد التزم ديفيد كاميرون بآراء «معتدلة» ولكن الراسخة في مبادئ «المحافظين»، مما جعله قادرا على إعادة إحياء الحزب بعد سنوات من المشكلات الداخلية وتقلبات في القيادة خلال منتصف التسعينات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي، حينما كان رئيس الوزراء العمالي توني بلير قادرًا على استقطاب الناخبين وتقوية قاعدته الحزبية.
بعد تخرجه من الجامعة، دخل كاميرون المخاض السياسي وكان من فريق المساعدين لجون ميجور خلال ترأسه للحكومة، حيث التقى بوزير الخزانة الحالي جورج أوسبورن. ومنذ ذلك الوقت، نمت صداقة «سياسية» استمرت لليوم. واكتسب كاميرون معرفة بالسياسة المالية عندما عمل مستشارا سياسيا لوزير الخزانة في حكومة ميجور، نورمان لامونت. ولكن سرعان ما قرر كاميرون أنه يريد أن يكون نائبا برلمانيا نفسه، متأكدا من أن مصيره أن يعمل في مجال السياسة. لكنه قرر أن يحصل على الخبرة المهمة في القطاع الخاص، ضمن جهوده للتقارب من أقطاب القطاع الخاص لاحقا، فانضم إلى شركة «كارلتون» الإعلانية المرتبطة بقناة «إي تي في» التلفزيونية الخاصة. ويقول رجل أعمال بريطاني نافذ، وهو عضو في «مجلس الأعمال» البريطاني الذي يقدم استشارات لكاميرون إن «هذه الخبرة كانت مهمة، جعلت كاميرون يفهم، جزئيا على الأقل، متطلبات القطاع العام». وعمل كاميرون سبع سنوات في «كارلتون»، يترأس العلاقات العامة للشركة آنذاك مايكل غرين ورافقه بزيارات حول العالم وسعت من أفقه وتطلعاته. وقال غرين في مقابلة مع صحيفة «ذا إندبندنت»: «حاولت إقناعه بأنه قد يتمتع بمستقبل جيد جدا في هذا القطاع، ولكنه (كاميرون) كان مصرا على العودة إلى السياسة».
وفي عام 1997، تمنى كاميرون لو استمع لنصيحة مديره غرين. لأنه خاض الانتخابات عام 1997 سعيا لكسب مقعد «ستافورد» البرلماني، ليخسر أمام خصمه العمالي. إلا أن تلك الخسارة زادت كاميرون عزما، وبنى علاقات داخل الحزب وانتقل إلى أكسفورد حيث خاض الانتخابات لمقعد «ويتني» عام 2001 ليفوز به وبعد 14 عاما ما زال يمثل المقاطعة.
عندما تلتقي كاميرون، يحرص كأي سياسي ماهر في الزمن المعاصر، على أن يبدي اهتمامه بك وخلفيتك. ويحرص على الاجتماع بشكل غير رسمي مع الفئات المؤثرة، إذا كان رجال الأعمال أو ممثلي الأقليات من الآسيويين والمسلمين. وكان خطابه أمام «منتدى الاقتصاد العالمي» في دافوس عام 2011، في أول خطاب له أمام نخبة السياسة والاقتصاد العالمية، حرص كاميرون على الحديث دون منصة أو خطاب معد مسبقا. وهو كثيرا ما يحاول أن يقلد أسلوب الساسة الأميركيين، لكنه ليس بمفرده، إذ بات ذلك شبه تقليدي في الساحة السياسية البريطانية.
ويشرح البروفسور ويتمان أن كاميرون اليوم بحاجة إلى «العمل على برنامج حكومي يبقي حزبه متحدا، ولن يكون الأمر سهلا، خاصة فيما يخص أوروبا». وبعد أن جعل كاميرون موضوع عضوية الاتحاد الأوروبي، والمطالبة بإعادة التفاوض مع الأوروبيين أمرًا جوهريًا خلال الانتخابات، عليه خوض عملية التفاوض و«تقديم نتيجة تبقي حزبه متحدا»، بحسب ويتمان. واليوم أمام كاميرون تحد لأنه في الأخير يريد إبقاء المملكة المتحدة ضمن الاتحاد الأوروبي ولكن بناء على أسس جديدة يتم التفاوض عليها، ومن ثم طرح الأمر للناخب البريطاني في استفتاء أعلن كاميرون أنه سيكون عام 2017 «أو أقرب». وطرح الأمر للاستفتاء مغامرة من كاميرون، ضمن أسلوبه المختلف بعض الشيء عن أسلافه.
وفي إشارة دالة على استعداد كاميرون للقيادة بطريقته الخاصة، اتخذ خطوة نادرة في إفصاحه خلال مقابلة تلفزيونية مع هيئة الإذاعة والتلفزيون «بي بي سي» في أبريل (نيسان) الماضي، وخلال الحملة الانتخابية، عن قراره عدم الترشح مجددا لرئاسة الحكومة بعد هذه الانتخابات. وبذلك، جعل كاميرون الكثير من الناخبين المتأرجحين يصوتون لصالحه بهدف منحه «إنهاء العمل الذي بدأه»، مما أوصله إلى حكومة أغلبية بعد أن كانت جميع التوقعات تدل على بروز «برلمان معلق». ولكن النتيجة الأخرى من تصريح كاميرون حول عدم الترشح هي فتح المجال إلى جيل جديد من القيادات للحزب من موقع قوة، بدلا من موقع خسارة، مثلما يشهده حزب العمال والحزب الليبرالي الديمقراطي بعد هزائم الانتخابات الأخيرة. فيرغب كاميرون في ترك قيادة الحزب دون أن يعني ذلك خسارة الحزب قيادة البلاد. وفي حال نجح في هذا الانتقال، المرتقب بعد خمس سنوات من الآن، سيذكر التاريخ كاميرون بأنه سياسي بارع بخض النظر من تقييمه كرئيس وزراء دولة تمر بتقلبات اقتصادية واجتماعية جسيمة.

> عمره 49 عاما، ولد 9 أكتوبر (تشرين الأول) 1966.
> لديه شقيق وشقيقتان.
> تزوج من سامانثا شيفيلد 1 يونيو (حزيران) 1996 ورزقا بأربعة أطفال، لكن ابنهما الأكبر إيفان الذي ولد عام 2002 توفى عام 2009 بعد صراع طويل مع المرض.
> أصبح نائبا في البرلمان البريطاني عام 2001.
> تولى رئاسة حزب المحافظين عام 2005.
> تولى رئاسة الحكومة عام 2010 – كان عمره 43 عاما حينها ليصبح أصغر رئيس وزراء سنا منذ اللورد ليفربول الذي أصبح رئيسا للوزراء عام 1812.
> فاز حزبه مجددا بانتخابات 7 مايو (أيار) 2015 ليعلن الفوز رسميا 8 مايو ويشكل الحكومة البريطانية.
> عمل 7 سنوات في شركة «كارلتون» للإعلانات قبل دخول الحكومة.
> تقدر ثروة كاميرون بنحو 4 ملايين جنيه إسترليني بحسب صحيفة «ذا تلغراف» البريطانية.
> لدى كاميرون 1.06 مليون متابع على موقع «تويتر».



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.