بعد شهرين من فرارها من أوكرانيا، ترجّلت ماريا بشينيشنا من القطار الذي أقلّها من بولندا في محطة كييف، لتعانق والدها يوري الذي كان بانتظارها.
انهمرت الدموع من عيني الفتاة البالغة 16 عاماً، وهي تمسك بحقيبة واحدة، وتستعد للعودة إلى منطقة غوستوميل، إحدى ضواحي كييف التي شهدت قتالاً عنيفاً في بداية الهجوم الروسي الذي بدأ في 24 فبراير (شباط).
وقالت ماريا، لوكالة الصحافة الفرنسية، في المحطة التي جمعتها بوالدها مجدداً: «أنا سعيدة جداً لوجودي هنا». وأضافت: «أنا ممتنة حقاً للأشخاص خارج البلاد الذين ساعدونا، ولكني افتقدت لبلدي، لأن والدتي مع كلبي».
وقالت امرأة أخرى عائدة إلى أوكرانيا لتجتمع بخطيبها مجدداً إنها بكت عندما عبر القطار إلى أوكرانيا. وأضافت الثلاثينية، التي رفضت إعطاء اسمها: «عليك أن تعتاد على العيش مع الحرب»، مشيرة إلى أن أوروبا جيدة، «لكن حياتي في أوكرانيا».
واعترفت بأنه لا فكرة لديها عما يخبئه المستقبل القريب لها، لكنها تعتقد أن السلام لن يعود إلى أوكرانيا إلا «عندما يموت (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين».
وهاتان المرأتان هما من بين آلاف النساء والأطفال الذين فروا من العاصمة الأوكرانية في بداية الغزو الروسي، وعادوا الآن على الرغم من حالة عدم اليقين.
وفي حين شهدت أوكرانيا مغادرة 5.9 مليون شخص مقابل 1.5 مليون عائد، فإن عدد العائدين للمرة الأولى منذ بدء الحرب تجاوز عدد المغادرين هذا الأسبوع.
وأظهرت الأرقام الحدودية الرسمية الصادرة في 10 مايو (أيار) أن 29 ألفاً غادروا البلاد، بينما دخلها 34 ألفاً.
وقال فيتالي كليتشكو، رئيس بلدية كييف (الثلاثاء) إن نحو ثلثي سكان العاصمة، البالغ عددهم 3.5 مليون نسمة، عادوا حتى الآن، ما أحيا مدينة كانت خالية في الأيام الأولى للغزو الروسي.
وكان قد تم منع الرجال الذين تقل أعمارهم عن 60 عاماً من مغادرة أوكرانيا، ما يعني أن غالبية اللاجئين هم من النساء والأطفال.
وفي المحطة في كييف، كان المجند رومان الذي يبلغ 22 عاماً ينتظر القطار بفارغ الصبر، حاملاً باقة زهور ليقدمها لزوجته التي ينتظر عودتها. وقال: «نحن خائفون قليلاً، لكن الأمر أفضل بهذه الطريقة».
وما أن وصل القطار حتى تعالت هتافات الفرح، أعقبها احتضان الأزواج لزوجاتهم وأطفالهم.
وقالت دانا بيرفالسكا، البالغة 27 عاماً: «اعتدنا على الحرب والتهديد... الخوف الذي نعيشه الآن مختلف عما كان عليه قبل شهرين».
أما ناتاليا التي فرت من كييف إلى ليتوانيا مع طفليها، فاعتبرت أن «الوضع الآن أكثر هدوءاً، مع عدم وجود غارات جوية أو قصف».
وقالت، وهي تهز عربة طفلها المزينة بشرائط باللونين الأزرق والأصفر: «الوطن هو الوطن... نحن أوكرانيون».
وبعد قضاء شهرين مع أقاربها في لفيف، غرب أوكرانيا، قررت أولينا شاليموفا أيضاً العودة إلى كييف التي كانت قد غادرتها بعد انفجار بالقرب من منزلها. وقالت: «مرّ الوقت، قبلنا هذه الحقيقة المروعة، ويمكننا التعايش معها».
في كييف يبدو أن الحياة عادت إلى شبه طبيعتها، فقد اختفى معظم نقاط التفتيش، وأعيد فتح المحلات، والمتاجر الكبيرة تملك مخزوناً جيداً من البضائع.
لكن حظر التجول لا يزال سارياً بين العاشرة مساء والخامسة صباحاً، مع توقف قطاعات من الاقتصاد.
وقالت شاليموفا: «كنت أعمل في وكالة سفر وفي دار سينما، لذا فقدت كل الفرص لكسب المال... مهمتي الرئيسية الآن هي العثور على وظيفة».
وأضافت: «الوطنية لا تتعلق بالبقاء في المنزل، بل بالوجود حيث تكون أكثر فاعلية وقدرة على مساعدة وطنك».
وعلى الرغم من تدفق العائدين، لا يزال من الممكن رؤية كثير من الأشخاص وهم يغادرون محطة قطار كييف، مدركين تماماً أن النزاع لم ينتهِ بعد، ويخشون من تجدد القتال حول العاصمة.
ومن بين هؤلاء كاترينا أوخريمينكو البالغة 37 عاماً، التي قررت أخيراً المغادرة إلى ألمانيا مع ابنها لوكاس البالغ 11 عاماً.
لكن بالنسبة إليها، فإن المغادرة أمر مجهول، إذ ليس لديها أي أقارب هناك، ولا أي موارد. وقالت: «لولا ابني لبقيت هنا... أتمنى أن أعود قريباً». وأضافت: «أعتقد أن بلادنا ستنتصر».
لاجئون أوكرانيون يعودون إلى كييف بعد أن أصبحت الحرب «أمراً اعتيادياً»
لاجئون أوكرانيون يعودون إلى كييف بعد أن أصبحت الحرب «أمراً اعتيادياً»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة