«القتل للمبتدئين»... نصائح كاتب في أدب الجريمة

«القتل للمبتدئين»... نصائح كاتب في أدب الجريمة
TT

«القتل للمبتدئين»... نصائح كاتب في أدب الجريمة

«القتل للمبتدئين»... نصائح كاتب في أدب الجريمة

يتضمن كتاب «القتل للمبتدئين» الصادر عن دار «الشروق» في القاهرة خلاصة تجارب الكاتب والسيناريست المصري أحمد مراد في تأليف روايات الجريمة وأفلام التشويق. ويقول المؤلف الذي حقق شهرة واسعة في هذا التخصص عبر سبع روايات وأربعة أفلام إنه لم يفكر في تأليف هذا الكتاب حتى خاض تجربة ملهمة في تدريس وتدريب هذا الفن على مدار السنوات الماضية، حين شاهد في ورش العمل «هواة يمتلكون بذور قصص شيقة ويرغبون في أن يصبحوا محترفين، وروائيين يريدون أن يصبحوا كتاب سيناريو محترفين، وكتاب سيناريو يرغبون في صقل موهبتهم»، كما رأى أشخاصاً لا يعرفون سبب انضمامهم إلى ورشة الكتابة، هذا بخلاف الذين ينتظمون في الكتابة بعد نصيحة من طبيبهم النفسي حول تأثيرها على تحسن المزاج.
ويذكر أن جميعهم تقريباً يحملون نفس التساؤلات والتخبطات التي يمكن أن تعيق أي شخص لديه موهبة جامحة: هل أنا موهوب أم لا، ما مواصفات الكاتب الحقيقي، كيف أتخلص من الانسداد الإبداعي المعروف بـ«قفلة الكتابة»؟ من أين يمكنني أن أبدأ الكتابة، كيف يمكنني تطوير موهبتي؟ ما مواصفات العمل الجيد، وهل الكتابة حرفة أم موهبة؟ ويقول الكاتب إن مثل هذه التساؤلات وغيرها، تم طرحها ومناقشتها مراراً وتكراراً مع كل ورشة عمل ويأتي الكتاب ليقدم خلاصات ونصائح مهمة في هذه السياق.
ويرى مراد أن «الفضول هو ما يميزك ككاتب إذا زهدت فيه نتيجة لتقدم سن الطفل الذي يعيش بداخلك فسترى الحياة عادية رمادية فاترة، والأخطر أنك ستعتبر كل ما تراه عيناك فعلاً طفولياً لا يستحق الانتباه. ومن ثم، حافظ على الطفل الشغوف الشقي الذي يعيش بداخلك فهو من يكتب وهو من يملك الفضول الذي يحتاجه المتلقي ليشعر بروعة التجربة التي يخوضها من خلالك فليس هناك أكثر مللاً من مرشد سياحي أو مقدم عرض للسيرك فقد الشغف والاستمتاع بما يقدمه نتيجة تقدم سنه الداخلي. لنتخيل مثلا أن (ستيفن كينغ) شعر بأن الرعب غير حقيقي في ذلك العالم أو أن تمل (جي كي رولينج) مؤلفة سلسلة هاري بوتر من عالم السحر وتعتبره مجرد حكاية طفولية بالتأكيد سيفقد العالم بعض أجمل رواياته وأفلامه ومؤلفيه».
ويشير مراد إلى نقطة مهمة وهي أنه لا ينبغي للمقبل على احتراف الكتابة الإبداعية أن يتوقع أنه سيكون من السهل تحقيق الهدف، حيث سيتعين عليه التضحية بالعديد من الأشياء للالتزام بالوقت المحدد وإكمال ما يكتبه. دون المواعيد النهائية التي يحددها لنفسه، لن تصبح الكتابة أبداً إحدى أولوياته.
ويخاطب المؤلف الكاتب المبتدئ قائلاً: «صفحتك الأولى قد تكون واحدة من أكثر المراحل إثارة بالنسبة لك، المرحلة التي تكون فيها على وشك وضع قصة تشغلك وتطاردك على الورق سواء كنت ستكتب رواية أم سيناريو. مهما كان ما ستكتبه حاول الاستمتاع به، حاول أن تحبه بل يجب أن تحبه حتى يحبه القارئ والمشاهد، أحب الشخصيات التي تقوم بصنعها، الشريرة منها قبل الطيبة.
إن الكتابة، كما يضيف، «قرينة الوحدة على نحو ما، فإن تكون كاتباً، فإن ذلك يعطي الانطباع بالعزلة التامة قبل أي شيء حتى تنشر أعمالك أو تصور فيلماً وتبدأ في تلقي نقد وتقدير المشاهدين والقراء. أثناء رحلة الكتابة تكون بمفردك في معظم الأوقات. لذا يجب أن تتعلم كيف تكافئ نفسك وتحتفل بإنجازاتك الصغيرة خلالها حتى لا يضرب الملل قلبك وعقلك. في كل مرة كافئ نفسك بمحفز نفسي أو معنوي يرضيك حتى تحصل على أكبر مكافأة بعد إكمالك عملك. أخرج في مكان تفضله، اشتر لنفسك شيئاً تريده... تناول وجبة لذيذة».
يقع الكتاب في 332 صفحة من القطع المتوسط ويتضمن المسودة النهائية الكاملة لفيلم «الفيل الأزرق 2» في ملحق منفصل.



«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية

«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية
TT

«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية

«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية

يقدم الكاتب والباحث الراحل صلاح عيسى في كتابه المهم «عبد الرحمن الجبرتي - الإنتلجنسيا المصرية في عصر القومية» رصداً لافتاً لحقبة ملتبسة من التاريخ المصري تتعلق بفترة الحملة الفرنسية على مصر وما قبلها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.

ويعد الكتاب الصادر أخيراً عن دار «الكرمة» بالقاهرة بمثابة قراءة نقدية لسيرة واحد من أشهر المؤرخين المصريين في العصر الحديث عموماً والحملة الفرنسية التي عاصرها بشكل خاص وهو عبد الرحمن الجبرتي (1756 - 1825) صاحب الكتابين الشهيرين «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» و«مظاهر التقديس في زوال دولة الفرنسيس».

يشير عيسى في البداية إلى أن الصعوبات في اكتشاف منهج الجبرتي كمؤرخ تتحدد من خلال عدد من الحقائق، منها أن بعض الباحثين يصنفون الرجل في خانة «الإخباريين» ويرون أن كتابيه مجرد «يوميات» كُتبت في أوانها أو هي «إضمامة» تضم جهد مخبر صحافي غير نشيط.

والجبرتي عند هؤلاء صحافي تلك الأيام التي أرخ لها، وبينما يتحفظ بعضهم فيكتفون بإطلاق الحكم مع بعض قيود على كتاب «مظهر التقديس» فيقولون إن الجبرتي كان فيه كاتب مذكرات أكثر منه مؤرخاً، فإن هذا الحكم يشمل عند آخرين «عجائب الآثار» وبلا تحفظات فهو عندهم كتاب ليس من التاريخ في شيء إنما هو مذكرات وروايات قيد المؤلف شواردها بغير ترتيب ولا تنسيق، تصلح أن تكون مادة للمؤرخ مع شيء غير قليل من الصعوبة والعناء. ولأن «الإخباريين» في رأي البعض ليسوا أصحاب منهج أو موقف، فإن البحث في ذلك عند الجبرتي أمر غير وارد.

ويتفرع عن هذه الصعوبة أن الجبرتي كان معاصراً لمرحلة تزيد على خمسة وأربعين عاماً، كما تشكل أكثر من ثلث الزمن الذي أرخ له، فبعض من ترجم لهم كانت تربطه بهم وشائج وصلات بين صديق له وشيخ تلقى عنه العلم، فضلاً عن تلامذة أبيه وأنداده، حتى أن بعض الحوادث التي أرخها كان طرفاً فيها. وهو ما يجعل جهده كمؤرخ معيباً بالمعاصرة، وهي حجاب يحول دون الرؤية الموضوعية وينقله إلى حيث يصبح مجرد «شهادة معاصر» وليس تأريخاً، وبالتالي فلا محل لاكتشاف منهج أو رؤية، إضافة إلى أن الموقف يتعقد لأن الجبرتي نفسه قليل التعليقات ومعظم أخباره صماء لا يتجاوزها إلى مقارنتها أو تحقيقها أو تفسيرها، وهو يصوغ أحكامه غالباً في كلمات مبتسرة تنطوي تحت مظلة الأحكام الأخلاقية، من مثل: هذا التصرف «ظلم» أو «سخافة» أو «خزعبلات»، وهذا الأمر «شنيع جداً». وهذا الشخص «لعين» أو «كافر»، وبعضها عبارات لا تعكس رأياً في الحدث ولكن استكمالاً للخبر.

لكن صلاح عيسى الذي كتب هذا الكتاب في السبعينيات، وينشر لأول مرة بعد وفاته يعود بحسه كمؤرخ ويؤكد أن تصنيف الجبرتي في خانة «الإخباريين» بشكل مطلق هو خطأ بلا جدال، ولكننا مع افتراض صحته لا نرى أن الإخباريين ليسوا أصحاب منهج أو موقف. والواقع أن اختيار أخبار معينة وإهمال غيرها والحرص على الترجمة لأفراد معينين وترك الآخرين، لهو سلوك يعكس بحد ذاته وجهة نظر ضمنية. وعلى سبيل المثال، فإن الجبرتي في «مظهر التقديس» أغفل من حوادث شهر ربيع الأول 1216. وفق التقويم الهجري، وشهر ربيع الثاني من العام نفسه أكثر من نصف حوادثهما. وعاد في كتابه الثاني «عجائب الآثار» فأورد حوادث الشهرين متكاملة بحسب جهده في التجميع.

ويفسر حجب هذه الأخبار ثم إيرادها موقفاً له، فقد كانت كلها تسجيلاً لقبائح وجرائم ارتكبها العثمانيون عندما دخلوا القاهرة مرة أخرى. وبصرف النظر عن دلالة هذا فيما يتعلق بموقفه من العثمانيين، فهو أيضاً يعكس دلالة على أن الخبر ليس دائماً عرضاً لواقع أصم، ولكنه اختيار من هذا الواقع وما يتحكم فيه هو وجهة النظر أو المنهج، بل إن ترتيب بعض مباحث الكتاب نفسها يمكن أن يكون ذا دلالة.

ويرى صلاح عيسى أنه برغم أن معاصرة المؤلف للحقبة التي يرويها عنصر له تأثيره، فإن هذا التأثير يقل كثيراً هنا، لأننا نعلم أن الجبرتي لم يسجل أخباره هكذا في حينها تاركاً إياها مادة خام دون تنسيق أو تعديل. لافتاً إلى أن الدافع للجبرتي على كتابة تاريخه معروف فقد كلفه أستاذه الزبيدي في عام 1779 حين كان الجبرتي في الخامسة والعشرين من عمره بمساعدته في الترجمة لأعلام المائة المنصرمة من مصريين وحجازيين، والمراحل التي مر بها تاريخ القرن الثالث عشر الهجري، ثم دوّن بعد ذلك يوميات للمراحل التي عاصرها. المهم في هذا كله ّأن النص الذي تركه لنا الجبرتي ليس هو نص تدويناته اليومية التي كان يسجلها، ولكنه عمل تفرغ له فيما بعد لإعادة تنسيق ما كتب وتبويبه وكان وقتها قد جاوز الخمسين من عمره.

كما أن بعض الظواهر التاريخية كانت قد استكملت ملامحها، وهو بالقطع ما أتاح للجبرتي فرصة للتخلص من تأثير المعاصرة في حدودها الضيقة ومكنه من استخلاص نتائج ربما لم تكن واضحة أمامه وهو يسجل الأحداث اليومية وقت حدوثها ونقل عمله بدرجة محدودة من إطار الأخبار الأصم إلى أفق أكثر رحابة.

ولأن التاريخ عند الجبرتي هو تحقيق لإرادة عليا لا يملك الإنسان الفكاك منها وكل ما حدث له من مظالم هو «انتقام سماوي» لخروجه عن الناموس، فقد كان طبيعياً أن ينظر إلى التكوين الاجتماعي باعتباره خاضعاً لتركيب طبقي حديدي يخضع فيه الصغير للكبير والدنيء للشريف والأدنى للأعلى. في هذا الصدد يبدو الجبرتي أكثر تزمتاً من أي شيء آخر، فكل شيء لا يداني عنده الإخلال بالتصميم الاجتماعي المستقر، فعلى المماليك وهم القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية المتنامية والقادمة من خلفية العبودية والرق أن يتبعوا التقاليد تجاه أمرائهم، فإذا ما خرجوا عنها أثاروا غضبهم. ومن ثم يرى الجبرتي أن من الأحداث التي تستحق الرواية أن المماليك قد تزوجوا وصار لهم بيوت وخدم ويركبون ويغدون ويروحون ويشربون وفي أيديهم شبكات الدخان من غير إنكار وهم في الرق ولا يخطر ببالهم خروجهم عن الأدب لعدم إنكار أسيادهم وترخيصهم لهم في الأمور.

لم يكن غريباً أن يكون من أعمال «هيئة الديوان»، التي كان الجبرتي من أعضائها على عهد قيادة الجنرال مينو للحملة الفرنسية، أن يحذر القائد الفرنسي الذي خلف نابليون بونابرت من الثورة الشعبية، وأن يصوغ تحذيره في أن الثورة يقوم بها الدهماء فلا يخسرون شيئاً، وإنما يخسر الذين يملكون المال أو النفوذ، فقد ذكر أن أعضاء الديوان المذكور دعوا مشايخ الحارات والأخطاط وحذروهم مما يترتب على قيام المفسدين وجهل الجاهلين، وأن مشايخ الحارات هم المأخوذون بذلك كما أن من فوقهم مأخوذ عنهم، فالعاقل يشتغل بما يعنيه.

ومع ذلك، لا يبدو الجبرتي في تأريخه لثورة 1805 التي قام بها المصريون ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد، معارضاً لها، بل إننا نستشعر روحاً من التعاطف في روايته لأحداثها، فقد خلت عباراته من أوصاف «الأشرار» و«أوباش الناس» في وصف الجماهير. وفي كل المناقشات التي دارت بين قادة الثورة والوالي العثماني والتي كان الثوار فيها يستندون إلى أن من حقهم بمقتضى الشريعة أن يعزلوا ولي الأمر إذا سار فيهم بالظلم، بدا الجبرتي موافقاً على هذا الرأي ووصف رفض الوالي له بأنه «خلاف وعناد».