تقديم «الكتاب الأبيض عن الإرهاب في المغرب» في الدار البيضاء.. بعيون يابانية

وثق بدقة لتطوره وتحولاته والأساليب التي اتبعتها الرباط في مكافحته

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

تقديم «الكتاب الأبيض عن الإرهاب في المغرب» في الدار البيضاء.. بعيون يابانية

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

قدم «الفريق الدولي للدراسات الإقليمية والأقاليم الصاعدة»، الموجود في طوكيو، الجمعة الماضية في الدار البيضاء نتائج دراسته للإرهاب في المغرب، تحت عنوان «الكتاب الأبيض عن الإرهاب بالمغرب»، الذي أصدره الفريق نفسه في نسختين عربية وإنجليزية.
ويعتبر الكتاب أول رصد دقيق لظاهرة الإرهاب في المغرب، إذ يتضمن تشريحا مفصلا للجماعات الإرهابية التي عرفها المغرب، انطلاقا من تشكلها ومحاولات تغلغلها في المجتمع المغربي، وجردا دقيقا للخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها على مدى الأعوام الـ12 الماضية، منذ تفجيرات 16 مايو (أيار) 2003 في الدار البيضاء.
وقال سوجي متسوموتو، مدير الدراسات لدى «الفريق الدولي للدراسات الإقليمية والأقاليم الصاعدة»، والباحث في جامعة سابورو اليابانية، إن «الإرهاب ظاهرة عالمية ومنفلتة من قيود الجغرافيا وحدود البلدان. واختيار فريق البحث، الذي يضم خبراء وأكاديميين من مختلف دول العالم، للمغرب، لم يكن اعتباطيا. فمن جهة هناك موقع المغرب كحلقة ربط بين أوروبا وأميركا وأفريقيا والعالمين العربي والإسلامي. وهذا الموقع يضعه في مركز عبور للتيارات والتأثيرات الدولية. ومن جهة أخرى، هناك المقاربة الخاصة والنموذج الخاص للمغرب في التصدي للظاهرة الإرهابية، والذي أعطى نتائج متميزة أهلته إلى أن يصبح نموذجا وقدوة على الصعيد الإقليمي والدولي، وموضوعا للبحث واستخلاص الدروس في هذا المجال».
الكتاب الذي صدرت نسخته الأصلية بالإنجليزية منتصف مارس (آذار) الماضي، ونسخته العربية قبل أيام، بمناسبة مرور 12 سنة على تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية، رصد التحولات التي عرفتها الخلايا الإرهابية بالمغرب، خصوصا في ما يتعلق بالشرائح المستهدفة من المجتمع، والتي لم تقتصر حسبما هو شائع على الشبان المحبطين واليائسين في الأحياء الهامشية وأحزمة البؤس حول المدن الكبرى، بل شملت ضباطا وجنودا من الجيش والدرك والشرطة. كما حاولت الدراسة رصد تطور الأهداف المحددة لهذه الجماعات والعمليات التي كانت تخطط للقيام بها، والأسلحة والوسائل التي تستعملها في عملياتها، بما في ذلك وسائل اخترعتها هذه الخلايا، مثل الخلية التي شكلها رجل أمن سابق في 2003، والتي اخترعت سما قاتلا مستخلصا من الفئران المتحللة، وكانت تعتزم استعماله في اغتيال مجموعة من الشخصيات.
وربطت الدراسة التحولات التي عرفتها الخلايا الإرهابية بالمغرب، سواء النائمة أو النشطة، وأساليب عملها وأولوياتها، بالتحولات التي عرفها الإرهاب العالمي، باعتبار هذه الخلايا تشكل امتدادات مباشرة أو غير مباشرة للشبكات الإرهابية العالمية.
ويقول المصطفى الرزرازي، الباحث المغربي في جامعة طوكيو وعضو الفريق الدولي للدراسات الإقليمية والأقاليم الصاعدة «لاحظنا أن تطور الخلايا الإرهابية في المغرب ساير بشكل لصيق التحولات التي عرفها الإرهاب العالمي، ابتداء بموجة الأفغان، ثم محاولات بناء خلايا تابعة مباشرة لتنظيم القاعدة المركزي، ثم محاولات إنشاء خلايا وتنظيمات مبنية على أساس محلي عندما تخلت القاعدة عن التنظيم المركزي، ثم ظهور نشطاء في إطار ما يسمى بالجهاد الفردي، وأخيرا العودة إلى المركزية التنظيمية مع ظهور (داعش)».
وتناولت الدراسة أيضا العمليات الإرهابية التي عرفها المغرب مند 2003، والتي لم يتجاوز عدد قتلاها 10 أشخاص على مدى 12 سنة. وقال الرزرازي لـ«الشرق الأوسط»: «العبرة في العمليات الإرهابية ليست بعدد الضحايا، بل بالوقع الإعلامي والتأثيرات التي تخلفها على السكان. فعلى المستوى العالمي مثلا ضحايا حوادث السير تخلف نحو 1.3 مليون قتيل في السنة، وهو رقم كبير جدا وبآلاف الأضعاف من عدد القتلى في السنة الذين تخلفهم العمليات الإرهابية. وفي المغرب فقط لدينا نحو 3500 قتيل في السنة بسبب حوادث السير، ونحو 1600 شخص يموتون نتيجة الانتحار». لكن كل ذلك، يضيف الرزرازي «ليس له نفس الوقع الذي يكون لعملية انتحارية تكون ضحيتها الوحيدة الإرهابي الانتحاري نفسه، كما رأينا في العديد من العمليات التي نفدت في المغرب». لذلك يرى الرزرازي أن البعد الإعلامي يكتسي أهمية قصوى في تطويق الإرهاب ومكافحته.



ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون
TT

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون

في اليوم العالمي للتسامح الذي صادف أمس، ينبغي لنا، نحن العرب تحديداً، أن نتساءل: ما بال العالم كله ينعم بالسلام ويتقلب في رغد العيش، ونحن نخرج من حرب لنلبس لأمة الحرب من جديد؟ وإن كانت أوكرانيا قد خرقت القاعدة، إلا أن الأعم الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية، تختلف عما نراه في أفلام السينما. بمناسبة اليوم، سنمر بمحطات تاريخية ذات علائق بالموضوع، ولعل أول رمز للتسامح في تاريخ الفكر هو سقراط، كما تجلّى في محاورات تلميذه أفلاطون، وتجلّت معه روح التسامح في أسلوبه الحواري كجزء من بحثه عن الحقيقة.

في المحاورات، كان متسامحاً للغاية مع محاوريه، ويدعوهم للسعي وراء الحقيقة أينما انطلق بهم هذا السعي. ولطالما شجّع خصومه على تفنيد كل ما يقول، وأن هذه هي الطريقة المُثلى للكشف عن وجه الحقيقة. وفي إحدى المحاورات يصف نفسه بأنه يبتهج بدحض الآخرين لأقواله أكثر من ابتهاجه بدحضه أقوال الآخرين، لأن النجاة من الشر خير من إنقاذ الآخرين.

السعي وراء الحقيقة، بالنسبة إلى سقراط، مرتبط بالعقل المنفتح، وهذا الشكل من التسامح الحواري يفترض بالطبع أن يؤدي إلى رؤية موحدة للحقيقة. لا بد أن تشعر في بعض الأحيان بأن تسامح سقراط مبالغ فيه للغاية، لكن ربما هذا هو أساس فكرة «المحاورات»، أن تخلق الإنسان الكامل المرجعي في كل شيء، مع أننا نعلم أنه في النهاية إنسان، ولا بد أن يكون غضب ذات مرة، بل مرات.

محطة التسامح الثانية يمكن أن نراها واضحة وأكثر تطوراً في رواقية إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وسينيكا، فالفكرة الرواقية هي وجوب التركيز على تلك الأشياء التي يمكننا التحكم فيها، مثل آرائنا وسلوكياتنا، مع تجاهل تلك الأشياء التي لا يمكننا التحكم فيها، وخاصة آراء وسلوكيات الآخرين. ترتبط الفكرة بالاستسلام واللامبالاة، كما هو واضح في حالة إبكتيتوس، الذي قد يفسر وضعه الاجتماعي نصائحه بالتحرر الذهني، لا الجسدي، فقد نشأ مستعبداً عند الرومان.

بطبيعة الحال، صبر المستعبد ليس مثل تسامح المتسامح الذي يملك القدرة على الرفض، قدرة لا يمتلكها المستعبد، فالتسامح فضيلة القوي، كما يقول الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد يرتبط الأمر بفضائل أخرى مثل الرحمة والإحسان، غير أن نظرة الرواقيين إلى التسامح لا تصل إلى درجة احترام الاستقلالية وحرية الضمير، كما الحال في الليبرالية الحديثة، إذ لم تكن الحياة السياسية الرومانية متسامحة مثل الحياة السياسية الحديثة، وعلى الرغم من أن «تأملات» ماركوس تحتوي على نصوص كثيرة تستحضر روح التسامح، فإن ماركوس نفسه كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سحق واضطهاد المسيحيين في زمنه.

ولم يصبح التسامح موضوعاً جدياً للاهتمام الفلسفي والسياسي في أوروبا حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل قبل ذلك خلال عصر النهضة والإصلاح في القرنين الخامس عشر والسادس عشر رفع الإنسانيون من مثل إيراسموس ودي لاس كاساس ومونتين شعار استقلالية العقل البشري ضد دوغمائية الكنيسة التي كانت توقد نيران محاكم التفتيش وتلقي بالناس فيها وتقتل المخالف.

في أعقاب الانقسامات التي خلّفها مشروع الإصلاح اللوثري والإصلاح «الكاثوليكي» المضاد، دُمرت أوروبا بسبب الحرب التي أثيرت باسم الدين، حروب بلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648). بسبب هذه الحرب الشنيعة، وكل الحروب كذلك، أدرك العلماء والحكماء حجم القوة التدميرية الكامنة في التعصب، فنهضوا لاجتثاث ذلك التدمير من خلال استعادة نصوص التسامح وإعادة النظر في العلاقة بين المعتقد الديني والسلطة السياسية.

لافونتين

وكان هناك تأثير ثقافي للتيار الذي قام من أجل تعريف معنى السيادة وتطهير الدين في بريطانيا مما علق به خلال الحروب الأهلية البريطانية (1640 - 1660)، ويضاف إلى كل ذلك تكاثر المعلومات عن الاختلافات الثقافية مع بداية عهد الرحلات واكتشاف العالم، وكان لاكتشاف الصين تحديداً أعظم الأثر، فقد صُدم المسيحيون صدمة فكرية عنيفة عندما وجدوا شعباً أخلاقياً لا يؤمن بدين، بمعنى أنهم وصلوا إلى أن الدين ليس مصدر الأخلاق. ورفع الإنسانيون في حركة الإصلاح شعاراً يقول: هل لديكم معرفة منقولة عن الله معصومة من الخطأ تبرر قتل من يُتهم بالزندقة؟ ولم يلبث هذا القلق بشأن قابلية الإنسان للخطأ أن فتح الطريق إلى ما يعرف باسم «التسامح المعرفي»، ومع اقتران الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ وانتقاد السلطة الكنسية، نشأت أشكال جديدة وأكثر عمقاً، من التسامح السياسي. وأخذ التسامح في القرن السابع عشر صورة الممارسة العملية في أجزاء معينة من أوروبا.

ربما حدث هذا نتيجة زيادة التجارة والحراك الاجتماعي. وصاغ سبينوزا حجة للتسامح ترتكز على 3 دعاوى، أولاً، تقييد حرية الفكر مستحيل. ثانياً، السماح بحرية الفكر لا يمس بسلطة الدولة. وثالثاً، يرى سبينوزا أن السلطة السياسية يجب أن تركز على التحكم في الأفعال، وليس على تقييد الفكر. هذا التركيز على الفرق بين الفكر والفعل أصبح قضية جوهرية في مناقشات المفكرين اللاحقة حول التسامح، خصوصاً عند لوك، وميل، وكانط. ويمكن العثور على صورة مختلفة إلى حد ما عن رؤى سبينوزا الأساسية في رسالة لوك الشهيرة حول التسامح (1689)، وهي مقالة كتبها أثناء منفاه في هولندا. وتركز حجة لوك بشكل خاص على الصراع بين السلطة السياسية والمعتقدات الدينية. لقد عبّر عن وجهة نظر مبنية على دعواه بأنه من المستحيل على الدولة فرض المعتقد الديني بالإكراه. وقال إن الدولة يجب ألا تتدخل في المعتقدات الدينية التي يختارها الأفراد، إلا عندما تؤدي هذه المعتقدات الدينية إلى سلوكيات أو مواقف تتعارض مع أمن الدولة. رسالة جون لوك اليوم لا تزال هي المانيفستو الأساس لكل مطالب التسامح، رغم أنها لم تكن كاملة في البداية.