مجموعات رسائل «واتساب» و«ماسنجر»... بين التفاعل و«ضبط المحتوى»

مجموعات رسائل «واتساب» و«ماسنجر»... بين التفاعل و«ضبط المحتوى»
TT

مجموعات رسائل «واتساب» و«ماسنجر»... بين التفاعل و«ضبط المحتوى»

مجموعات رسائل «واتساب» و«ماسنجر»... بين التفاعل و«ضبط المحتوى»

دخلت منصات التواصل الاجتماعي «دائرة الاتهام» من جديد، بسبب إشكالية انتشار المعلومات الزائفة في بعض مجموعات الرسائل على «واتساب» و«فيسبوك ماسنجر»؛ في حين كشفت دراسة حديثة عن أن تراجع الثقة هو أحد أسباب انتشار ومشاركة المعلومات الزائفة عبر هذه المجموعات. وهو أمر يثير تحدياً جديداً أمام محاولات الحد من انتشار الأخبار الزائفة، والعمل على «ضبط المحتوى» على منصات التواصل الاجتماعي.
ويؤكد خبراء ومتخصصون أن هذه المنصات منحت الأشخاص العاديين منبراً لنشر أفكارهم، من دون وجود قيود ومعايير تقنن هذه المعلومات. وطالب بعض هؤلاء مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بـ«تجنب مشاركة الأخبار الصادرة عن جهات غير موثوقة».
دراسة نشرتها جامعة لفبرا البريطانية الشهر الماضي، تناولت أسباب انتشار المعلومات المضللة حول لقاح فيروس «كوفيد-19» في مجموعات الرسائل على «واتساب» و«فيسبوك ماسنجر»، وأشارت إلى أن «مناقشة الأمور المتعلقة باللقاح عادة ما تكون على مجموعات الرسائل الصغيرة التي تضم أفراد العائلة، أو زملاء العمل؛ حيث يعرف الجميع بعضهم بعضاً بصفة شخصية. وهو ما يزيد من احتمال مشاركة المعلومات الزائفة من دون محاولة تصحيحها؛ لأن أعضاء مجموعات الرسائل القصيرة عادة ما يتجنبون الدخول في صراعات ومناقشات حادة».
أما بالنسبة لمجموعات الرسائل الكبيرة التي تضم أشخاصاً لا يعرف بعضهم بعضاً، مثل «مجموعات أولياء الأمور في المدارس»، فإن «هؤلاء يخشون تصحيح المعلومات الزائفة التي تجري مشاركتها، لقلة ثقتهم في كم المعلومات لديهم حول الموضوع، وخوفاً من النظر إلى محاولاتهم في تصحيح المعلومات باعتبارها طريقة لتقليل تماسك المجموعة، عبر دخولها في صراعات ومناقشات جدلية على الغروب»، بحسب الدراسة.
ومن ناحية ثانية، نقل موقع معهد «نيمان لاب»، المتخصص في دراسات الإعلام التابع لجامعة هارفارد الأميركية، عن الدكتور أندرو تشادويك، أستاذ الاتصال السياسي بجامعة لفبرا -أحد المشاركين في الدراسة- قوله إن «بيئة مجموعات الرسائل تجعل أعضاءها يمضون وقتاً طويلاً في تجنب الدخول في منازعات، قد تؤثر على علاقاتهم الاجتماعية مع أفراد الأسرة والأصدقاء». وأردف بأن «نتائج الدراسة كانت مفاجئة، فالناس بدت غير متحمسة على الإطلاق لتصحيح المعلومات على أي مستوى».
مهران الكيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي في دولة الإمارات العربية المتحدة، يرى أن «محاولات تصحيح الأخبار المضللة أو الزائفة على منصات التواصل الاجتماعي، أو إبداء رأي يُخالف المجموعة، عادة ما يُثير ردود فعل غاضبة، واتهامات تصل في النهاية إلى الحظر (البلوك) أو الحذف من المجموعة».
ويضيف الكيالي في تصريحات مع «الشرق الأوسط»، أن «وسائل التواصل الاجتماعي منحت للجميع حول العالم منبراً للتعبير عما في داخلهم، بغض النظر عن صحته أو دقته، فأصبحت هناك فئة كبيرة تعتبر نفسها مصدراً للأخبار». ويتابع بأن «هذه الفئة بعيدة كل البعد عن مبادئ ومواثيق العمل الصحافي، وهمها الوحيد هو جذب الانتباه لزيادة عدد المتابعين».
ويشير الكيالي أيضاً إلى أن «الأخبار الزائفة المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ خصوصاً تطبيق (واتساب) قد تؤدي إلى اتباع فكر أو معتقدات معينة تعود بالضرر الصحي، أو النفسي، أو حتى الضرر المجتمعي».
من جانبه، أكد محمد فتحي، المتخصص في شؤون مواقع التواصل الاجتماعي بمصر: «صحة النتائج التي توصلت لها الدراسة بنسبة كبيرة». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «كثيراً من المعلومات المضللة حول اللقاح المضاد لـ(كوفيد-19)، وكثيراً من الأخبار السياسية الأخرى، غالباً ما يكون مصدرها مجموعات (فيسبوك) أو (واتساب)»، مضيفاً أن «أهم خطوات محاربة المعلومات المضللة على منصات التواصل الاجتماعي، هي مواجهة المجموعات الخاصة للعائلات، وزملاء العمل، والمهنيين، وغيرهم ممن تجمعهم قواسم مشتركة».
وفي السياق ذاته، ذكرت الدراسة أن «محاولة تصحيح أو رفض المعلومات المضللة حول لقاح (كوفيد-19) مثلاً قد ترتد على صاحبها، وتؤدي إلى خروجه من المجموعة أو النقاش». وبحسب الدراسة، فإن «البعض يرسم حدوداً بين ما يرونه عالم التواصل العام؛ حيث يمكنهم تحدي المعلومات المضللة، وبين عالم العلاقات الشخصية على مجموعات الرسائل؛ حيث من غير اللائق تحدي المعلومات المنشورة في هذا العالم حتى لو كانت غير صحيحة».
وحول سبب نشر البعض للمعلومات داخل هذه المجموعات، أرجع فتحي ذلك إلى «رغبة بعض الأشخاص في إضافة اهتمام أكبر لمجموعاتهم، عبر معلومات مهمة من دون التحقق من مصادرها، أو التأكد من صحتها؛ خصوصاً تلك المعلومات الموجودة على (فيسبوك)». وأشار إلى أن «الأخبار المضللة دائماً ما تكون جاذبة للاهتمام؛ خصوصاً إذا كانت تتماشى مع المزاج العام... وهي من ضمن الأشياء التي تصنع (الترند)، مثل العلاجات والأدوية الرخيصة الثمن، والأحداث السياسية، والفضائح، وروابط العروض التجارية الوهمية، وغيرها، وهو ما يدفع الناس لمشاركتها ونشرها».
ووفق فتحي، فإن «بين أسباب انتشار المعلومات المضللة وجود بعض الحملات الممنهجة ذات الأغراض الخاصة، التي تستخدم هذه المجموعات لتمرير الإشاعات، بهدف تحقيق انتشار أكبر، إضافة إلى نقص الثقافة والتربية الإعلامية، ما يجعل البعض يتعامل مع أي معلومات على وسائل التواصل باعتبارها حقائق موثوقاً فيها».
الدراسة المذكورة تؤكد أيضاً أن «رؤية معلومات مضللة على مجموعات الرسائل تدفع البعض للتوقف عن التفاعل. وهذا يقود إلى مفارقة أخرى، فهم يعلمون أن ما نُشر غير صحيح؛ لكنهم لا يقولون ذلك، مما يعطي هذه المعلومات نوعاً من الشرعية داخل المجموعة، ويزيد من فرص انتشارها بشكل أوسع».
وعودة إلى الكيالي، فإنه يشير إلى «محاولات بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي مكافحة الأخبار الزائفة، مثل ما فعلته شركة (ميتا) («فيسبوك» سابقاً)، المالكة لتطبيق (واتساب)، بوضع حد لعدد الأشخاص الذين يمكن تحويل الرسالة إليهم على (واتساب)، بحيث لا يزيد عن 5 جهات اتصال في المرة الواحدة، إضافة إلى تقييد استخدام البرامج التي تجري مهام آلية محددة مسبقاً ومتكررة، وهو ما يعرف باسم (البوت)».
وهنا يقول الكيالي إنه «بينما تحاول بعض التطبيقات وضع قيود هدفها التقليل من انتشار المعلومات المضللة، فإن تطبيقات أخرى مثل (تلغرام) لا تبذل أي مجهود في هذا السياق». ولذا طالب وسائل التواصل بـ«بوضع قوانين صارمة بشأن المحتوى الموجود والمتداول على منصاتها»، كما دعا مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى «تجنب نشر أو مشاركة الأخبار؛ إلا إذا كانت من مصدرها الأساسي، أو على الأقل من مصدر موثوق».
في الشأن نفسه، يرى فتحي أن «الطريق لمكافحة هذا الكم من المعلومات المضللة، يكون عبر سرعة نشر الحقائق، لتجنب إثارة الجدل والنقاشات الداعمة للمعلومات المضللة، وأن تتضمن رسائل التصحيح معلومات مفصلة وجديدة، من دون الاكتفاء بمجرد تكذيب المعلومة المضللة، إلى جانب استخدام المنصات نفسها التي تنتشر عليها المعلومات المضللة في التصحيح، وإشراك الجمهور في مكافحتها، بحثهم على التفاعل».
فتحي بدوره طالب «بتعقب مروجي الإشاعات ومصادرها، والتأكيد على أن غروبات (واتساب) و(الماسنجر) ليست مصادر للمعلومات، حتى وإن كانت صحيحة، وكذا تثقيف المستخدمين، وزيادة الوعي بالمصادر الصحيحة للمعلومات، وتوسيع دائرة نشرها على مختلف المنصات المتاحة، بما فيها التطبيقات الحديثة، بطرق وأدوات حديثة».
وحقاً أعلنت شركة «ميتا» أخيراً عن تحديث يسمح لمديري مجموعات الرسائل على «واتساب» بحذف الرسائل المثيرة للمشكلات من المجموعة. كما «يختبر (واتساب) الآن تحديثات جديدة تزيد من صعوبة إعادة تحويل الرسائل من جهة اتصال إلى أخرى»، بحسب معهد «نيمان لاب»؛ لكن تشادويك يرى أن «هذه التحديثات من المرجح ألا تُستخدَم بشكل كبير في مجموعات الرسائل الكبيرة؛ لأن العادة في هذه المجموعات هي تجنب الدخول في منازعات، وهو ما سيقيد مديري هذه المجموعات عند محاولاتهم حذف بعض المنشورات التي تحتوي على معلومات مضللة». ويشير إلى «ضرورة إيجاد طريقة لتمكين الجمهور من الحصول على معلومات جيدة، وتعزيز ثقتهم في معلوماتهم بطريقة تمكنهم من العمل على تصحيح المعلومات الزائفة».



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.