«ميريت الثقافية»: المشهد الأدبي السوري الراهن

غلاف المجلة
غلاف المجلة
TT

«ميريت الثقافية»: المشهد الأدبي السوري الراهن

غلاف المجلة
غلاف المجلة

نشرت مجلة «ميريت الثقافية» الإلكترونية، التي تصدر عن «دار ميريت للنشر» بالقاهرة، في عددها الجديد لشهر مايو (أيار) الحالي، ملفين رئيسيين عن المفكر الراحل دكتور سيد القمني، والمشهد الأدبي الراهن في سوريا.
جاء عنوان الملف الأول: «أزمة خطاب التنوير... سيد القمني نموذجاً»، وتضمن سبعة مقالات: المثقفون العالقون وصناعة الزيف الفكري للدكتور أيمن تعيلب، سيد القمني من الرجم إلى الفهم للدكتور أحمد بلبولة، القمني والنبوة والدولة للدكتور أحمد يوسف، الإعلام وقتل الفكر اليساري... سيد القمني نموذجاً للدكتور أبو اليزيد الشرقاوي، لماذا يَكرهون سيد القمني؟ للشاعر أشرف البولاقي، وتحرر من الوصاية فنقد أفكار الآخرين وأفكاره هو نفسه! لمؤمن سلام.
أما ملف «المشهد الأدبي السوري الراهن في الوطن والمَهَاجِر»، فهو من إعداد الشاعرة سمر لاشين، وتضمن 22 قصيدة للشعراء: أحلام عثمان، أحمد إسكندر سليمان، بسمة شيخو، بهيج وردة، حسن شاحوت، حسين الضاهر، حكمت الجاسم، رنا سفكوني، ريتا الحكيم، صدام العبد الله، عارف حمزة، عائشة بريكات، عبادة عثمان، عبد الله الحريري، عبير سليمان، فايز العباس، فريد ياغي، محمد حاج بكري، محمد الجبوري، نادين باخص، هاني نديم، و... وفائي ليلا.
كما تضمن العدد 9 قصص للكتاب: إسلام أبو شكير، حسان الجودي، رأفت حكمت، سوزان الصعبي، عدنان كزارة، غفران طحان، لميس الزين، نور الموصلي، ووائل القادري.
ومقال «رؤية» نقدية للشاعر صلاح إبراهيم الحسن بعنوان «في الشعر السوري ملاحظات وهوامش غير نهائية».
واحتوى ملف «رؤى نقدية» سبعة مقالات: «التطور الفينمنولوجي في منهج هايدجر التفسيري لمفهوم الكينونة» للدكتور هاني حجاج، «علاقة الحقيقة بالمجاز على ضوء كتاب (المجاز السياسي)» للدكتور محمد عبده أبو العلا، و«تجليات مروية التاريخ الاجتماعي في رواية (تاريخ آخر للحزن)» للدكتورة هويدا صالح، و«تفضيء الذات وتذويت المكان... مقاربة لشعرية الفضاء» لخالد أَمَزال (من المغرب)، و«مجال الهوية... معالجة معرفية لسرد محسن الغمري» للدكتور سيد محمد السيد قطب، و«الهوية السردية ومأزق الكينونة والسرد» لعبد الغفور روبيل (من المغرب)، و«آراء النقاد في كتاب (الغربال) لميخائيل نعيمة» لعبد الغني الخلفي (من المغرب).
وتضمن باب «نون النسوة» ثلاث قراءات نقدية حول رواية «غيوم فرنسية» لضحى عاصي، هي: «استقطاب الأنا في رواية غيوم فرنسية» للدكتورة سناء سليمان، و«غيوم فرنسية... تضافر البنية السردية وعناصر الهوية» للدكتورة غادة كمال سويلم، و«تحول الرؤى وتخلخل القناعات في غيوم فرنسية» للدكتورة سحر محمد فتحي.
أما باب «تجديد الخطاب»، فتضمن ثلاثة مقالات: «الكيبيك تدافع عن علمانيتها» للدكتورة نادية توفيق (مصرية تقيم في كندا)، و«موعد عشاء مع الشعراوي» للمياء أموي، و«نظرية الدولة الإيجابية في كتاب عبد الله العروي» لسُفيان البراق (من المغرب). وتضمن باب «حول العالم» ثلاث ترجمات، فقد ترجمت رولا عبيد قصة «الأشياء» للكاتبة الألمانية جوديث هيرمان (1970)، ونشرت سلمى الغزاوي (من المغرب) ترجمة لقصتين لشارل بودلير (1821 - 1867) بعنوان «هِبَاتُ الجنيات والغرفة المزدوجة» من كتابه «سأم باريس» الذي نشر بعد موته. وترجمت مريم بهاء الدين قصائد للشاعرة الكندية إيلي ماكاي بعنوان «إذا أمسكتَ ببذرة».
وفي ملف «شخصيات» كتب د. أيمن عيسى عن «رحلة مع مي زيادة»، وتضمن باب «فنون» مقالين: «الميتافيزيقا... فلسفة تجسدت فناً» بقلم سهام محمد قاسم، و«تجليات الذات الفرعونية في الفن» لعبد الباسط قندوزي (من تونس). وفي باب «رأي» مقال لمراد الخطيبي (من المغرب) بعنوان «الترجمة باعتبارها تواصلاً ثقافياً مع النصوص».



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.