ما هي فرص تخلص ليبيا من مخاطر تنظيم «داعش» المتشدد؟

بعد محاولاته المتكررة إثبات قدراته على القيام بعمليات إرهابية جديدة

أحد عناصر عملية «البنيان المرصوص» خلال مواجهات مع «داعش» بسرت قبل ستة أعوام (المكتب الإعلامي للعملية)
أحد عناصر عملية «البنيان المرصوص» خلال مواجهات مع «داعش» بسرت قبل ستة أعوام (المكتب الإعلامي للعملية)
TT

ما هي فرص تخلص ليبيا من مخاطر تنظيم «داعش» المتشدد؟

أحد عناصر عملية «البنيان المرصوص» خلال مواجهات مع «داعش» بسرت قبل ستة أعوام (المكتب الإعلامي للعملية)
أحد عناصر عملية «البنيان المرصوص» خلال مواجهات مع «داعش» بسرت قبل ستة أعوام (المكتب الإعلامي للعملية)

لا يزال سكان الجنوب الليبي يعاينون آثار فلول تنظيم «داعش» على أطراف مدنهم وفي محيط مزارعهم، فهناك تسمح الصحراء المترامية لعناصره بالتمركز بعيداً عن عيون الدوريات العسكرية، بقصد الانقضاض على أهداف حيوية كلما أتيحت الفرصة.
ومنذ تطهير مدينة سرت بوسط ليبيا من عناصر التنظيم الإرهابي قبل ستة أعوام على يد قوات عملية «البنيان المرصوص»، وهم يرابطون على أطراف الحدود الجنوبية، ويخططون لعمليات تفجيرية خاطفة في أوساط المدنيين، أو يستهدفون بوابات عسكرية.
ويقول سكان بالجنوب إنهم «يشاهدون من وقت لآخر مركبات للتنظيم ترفع رايات سوداء، لكنها تمر سريعاً باتجاه الصحراء دون توقف»، مشيرين إلى أن «الدوريات العسكرية لـ(الجيش الوطني) تدفع هذه العناصر للهروب إلى كهوف سرية بعيداً عن المناطق السكنية».
وقال أحد شيوخ قبيلة ليبية بالجنوب، رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، إن عناصر «داعش»، الذين يتخذون من الجبال والوديان أوكاراً لهم، «يعملون كقطاع طرق لنهب أموال المواطنين وماشيتهم».
وفي محاولة لإثبات قدرته على القيام بعمليات إرهابية، استهدف التنظيم بواسطة سيارة مفخخة عن بُعد معسكر سرية الدوريات الصحراوية، التابع للواء طارق بن زياد المعزز بالجيش في منطقة أم الأرانب (جنوب ليبيا) في الثامن عشر من الشهر الماضي.
وتحذر منظمات دولية وأممية من مخاطر تنظيم «داعش» وقدرته على العودة إلى ليبيا، التي كان يعدها معقلاً لقيادته في أفريقيا، وهو ما عبرت عنه المستشارة الأممية سيتفاني ويليامز، سابقاً، بالقول إن «خطر التنظيم أصبح شديداً على البلاد حال العودة للانقسام والحرب، خصوصاً بعد العملية الإرهابية الأخيرة ضد الجيش»، كما عبرت عن قلقها الشديد من شبح رفع الرايات السوداء في الجنوب، بعد عملية قتل فيها عدد من جنود الجيش الوطني الليبي مطلع العام الحالي.
ويرى سياسيون أن «فرص شروع التنظيم في عمليات إرهابية لا تزال قائمة كلما تفاقمت خلافات السياسيين حول السلطة»، مشيرين إلى أن عناصره «تنشط أكثر في المناخ المضطرب والأوضاع الأمنية المتردية».
وسيطر «داعش» على مدينة سرت منذ يونيو (حزيران) 2015، لتصبح معقله الرئيسي في شمال أفريقيا، كما سعى إلى التوسع في ليبيا، عندما تقدم في البداية نحو الموانئ النفطية وحاول التمدد بعدها إلى باقي المدن الغربية، لكن هذا التقدم سرعان ما بدأ في التراجع مع إطلاق حكومة «الوفاق الوطني» في مايو (أيار) 2016 عملية «البنيان المرصوص»، التي نجحت في القضاء على بعض عناصره، وفرار البعض الآخر إلى الصحراء.
وفي نهاية الشهر الماضي، قال «الجيش الوطني»، إن قواته خاضت اشتباكات مع عناصر تابعة للتنظيم بمنطقة غدوة، جنوب مدينة سبها، أسفرت عن «إلحاق خسائر بصفوف الإرهابيين». وأوضح اللواء خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي، أن فلول التنظيم تركوا وراءهم متفجرات داخل إحدى العربات، التي كانت تقلهم بمنطقة غدوة، وعدداً من الهواتف النقالة، مشيراً إلى أنهم رصدوا مسؤول التفخيخ والقيادي المتشدد التونسي هشام بن هاشمي، ضمن هذه المجموعة، وأنه يجري البحث عنه في الجيوب الصحراوية.
ومنذ بداية العام الحالي، تزايدت المخاوف الدولية، التي عبر عنها مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة تشانغ جون، من تصاعد نشاط «داعش» واستمراره في ليبيا وسوريا والعراق، ورأى أن عناصر التنظيم تتوغل بوتيرة أسرع في مناطق عدة بأفريقيا، من بينها ليبيا.
ودعا مندوب الصين، الدول الأعضاء، إلى ضرورة التحرك لمواجهة التهديدات الإرهابية والاهتمام بأفريقيا.
في وقت يواصل فيه «الجيش الوطني» تمشيط الصحراء الجنوبية بحثاً عن أوكار للإرهابيين، من بينها مداهمة وكر لتنظيم «داعش» قرب المثلث الحدودي الملتهب مع دولتي تشاد والنيجر، عثر بداخله على سجن سري وقبر أحد القتلى التابع له، وفقاً لوحدة الإعلام الحربي للجيش.
وفي الذكرى السادسة لإنشاء عملية «البنيان المرصوص»، التي واجهت «داعش»، ذكر المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي بغرب ليبيا العميد طيار محمد قنونو، «التضحيات الكبيرة» للقوات التي واجهت عناصر التنظيم في سرت، وقال إن «بواسلنا في هذه الملحمة أثبتوا أنه لا مجال للمزايدة علينا في القضاء على الإرهاب وسحقه واجتثاثه من جذوره».
وتابع قنونو موضحاً أن «الواقع والتاريخ يقولان إن أبطال الجيش الليبي هم من قضوا على أول ولاية لتنظيم الدولة الإرهابي خارج منبته في ملحمة (البنيان المرصوص) التي يُستلهم منها الخبرة والعبر». وتذكر في هذا السياق المعركة التي انتهت بمقتل الرئيس الراحل معمر القذافي، قائلاً: «سرت‬ فيها قضى أبطالنا على رأس النظام البائد، وفيها قضى على تنظيم (داعش) الإرهاب، وفيها ملتقى الشرق والغرب والجنوب... وعندها ستُحافظ على مدنية الدولة وتُنهي وجود المرتزقة الدوليين».



فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.