خلافات عميقة تهدد وحدة الصف الأوروبي في مواجهة موسكو

أوربان رفض مشروع العقوبات على النفط الروسي وطالب بـ«الإفراج» عن مساعدات

فيكتور أوربان يحيي أنصاره في بودابست يوم 3 أبريل الماضي (أ.ف.ب)
فيكتور أوربان يحيي أنصاره في بودابست يوم 3 أبريل الماضي (أ.ف.ب)
TT

خلافات عميقة تهدد وحدة الصف الأوروبي في مواجهة موسكو

فيكتور أوربان يحيي أنصاره في بودابست يوم 3 أبريل الماضي (أ.ف.ب)
فيكتور أوربان يحيي أنصاره في بودابست يوم 3 أبريل الماضي (أ.ف.ب)

يستمر النقاش بين الشركاء الأوروبيين محتدماً ومتعثراً حول الحزمة السادسة من العقوبات على روسيا، والتي تتضمن الحظر التدريجي الكامل على النفط وإجراءات ضد القيادات العسكرية المسؤولة عن «جرائم الحرب» ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية البطريرك كيريل. ويجهد المسؤولون في المفوضية لإنجاز الاتفاق حول هذه الحزمة في موعد لا يتجاوز صباح غد الاثنين قبل أن تبدأ الاحتفالات بعيد تأسيس المشروع الأوروبي الذي يتزامن مع عيد النصر الروسي الذي يعتقد أن فلاديمير بوتين سيعلن خلاله مواقف هامة من الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو.
ومن المنتظر أن تتواصل المفاوضات التي تجريها لجنة السفراء المندوبين الدائمين للدول الأعضاء طيلة نهاية هذا الأسبوع لتذليل العقبات الناشئة عن اعتراضات مجموعة من البلدان، تتزعمها المجر وتضم سلوفاكيا وبلغاريا والجمهورية التشيكية، فضلاً عن عقبات أخرى ظهرت في الساعات الأخيرة من جانب اليونان وقبرص ومالطا التي تطالب هي أيضاً بتعويضات لمنع أساطيلها البحرية من نقل النفط الروسي ومشتقاته.
وتقول مصادر دبلوماسية مطلعة إن المفوضية مستعدة لاستخدام ورقة «المقايضة الكبرى» لعرضها على رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان لكشف نواياه الحقيقية من العقوبات، أو لدفعه إلى الموافقة عليها مقابل تعويضات مالية سخية وشروط تيسيرية لتنفيذها، وعدم كسر وحدة الصف الأوروبي التي تراهن عليها موسكو. ويذكر أن أوربان كان قد صرح، أمس، بأن بلاده تلزمها خمس سنوات في الأقل، فضلاً عن مساعدات مالية، لإعادة تنظيم قطاع الطاقة في حال الاستغناء عن الإمدادات الروسية، مؤكداً رفضه للعقوبات في صيغتها الحالية لأنها ستكون بمثابة «قنبلة نووية ضد الاقتصاد المجري»، على حد قوله.
وتجدر الإشارة إلى أن الصيغة الراهنة للعقوبات التي يدور التفاوض حولها تلحظ فترة انتقالية طويلة للمجر وسلوفاكيا والجمهورية التشيكية تمتد حتى نهاية العام 2024، لكن البلدان الثلاثة تطالب بتمديدها سنة إضافية، وتنضم إليها بلغاريا وكرواتيا للمطالبة بتعويضات أخرى من أجل إعادة هيكلة خطوط الأنابيب والمصافي المخصصة حصراً للإمدادات الروسية.
وكانت الحكومة المجرية قد طلبت مطلع هذا الأسبوع «الإفراج» عن 7 مليارات يورو من صندوق الإنعاش الأوروبي مجمدة منذ أشهر بسبب انتهاك المجر المبادئ المؤسسة للاتحاد، لكن المفوضية رفضت الخضوع لما اعتبرته ابتزازاً من بودابست، وأصرت على الإجراء التأديبي إلى أن تتراجع المجر عن التدابير التي تتعارض مع القيم الأوروبية الأساسية.
أما بالنسبة لمطالب اليونان وقبرص ومالطا للتعويض عن منع أساطيلها من شحن النفط الروسي ومشتقاته، فقد أعربت المفوضية عن استعدادها للتجاوب مع هذه المطالب في بداية المرحلة التنفيذية للحزمة السادسة من العقوبات التي من المفترض أن تبدأ مطلع العام المقبل.
لكن مع ذلك، ورغم الضغوط السياسية الشديدة من العواصم الكبرى في الاتحاد ومن الحلفاء الغربيين لإقرار حزمة العقوبات الجديدة في أسرع وقت، يزداد القلق في أوساط قيادات المؤسسات الأوروبية من احتمال ظهور شرخ في الموقف الأوروبي الموحد منذ بداية الاجتياح الروسي، خصوصاً عشية الاحتفالات المرتقبة غداً في موسكو وبروكسل.
ورغم أن إجمالي كميات النفط التي تستوردها الدول الثلاث من روسيا ليست حاسمة في رأي الخبراء، فقد حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين أمس من الوقوع في الفخ الذي نصبه الكرملين لبلدان الاتحاد، قائلة إن «روسيا لا تكتفي بتدمير أوكرانيا، بل هي تحاول أيضاً اللجوء إلى اللعبة القديمة: فَرِّقْ تَسُدْ. نعرف أن ثمة تكلفة للاستقلال عن اعتباطية موسكو، لكن التكلفة أكبر بالنسبة لروسيا».
إلى جانب ذلك، ينظر بعض المراقبين في بروكسل إلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على أنه «طابور خامس روسي مزروع في الاتحاد» منذ وصوله إلى الحكم. ويذكر هؤلاء بالتصريحات التي أدلى بها مؤخراً رئيس الوزراء الروسي السابق ونائب الرئيس الحالي لمجلس الأمن القومي الروسي ديميتري ميدفيديف، وقال فيها إن أوربان هو الوحيد القادر على «خطوة شجاعة في أوروبا التي لا صوت لها، رافضاً تأييد الحظر المدمر على منتوجات الطاقة الروسية والعقوبات المجنونة ضد البطريرك كيريل وقيادات روسية أخرى». وكان ميدفيديف قد أضاف قائلاً إن «رئيس الوزراء المجري، فضلاً عن كونه من بين القادة الأوروبيين الأكثر عقلانية، يرفض مثل آخرين الانصياع بصمت لتعليمات الراعي الأميركي».
يذكر أن بوتين كان أول المهنئين لفيكتور أوربان الشهر الماضي بعد فوزه بولاية رابعة في الانتخابات العامة الأخيرة، معرباً عن أمله في «تطوير العلاقات الثنائية الوطيدة والشراكة بين البلدين». كما تجدر الإشارة أن أوربان كان أول زعيم في الاتحاد الأوروبي قد قرر شراء اللقاح الروسي «سبوتنيك» الذي حتى الآن لم توافق على استخدامه الوكالة الأوروبية للأدوية.
وفي مطلع فبراير (شباط) الماضي، سافر أوربان إلى موسكو ليلتقي بالرئيس الروسي للمرة الثالثة عشرة، حيث صرح قائلاً: «أعقد آمالاً كبيرة في أن تستمر هذه العلاقة لسنوات طويلة»، متجاهلاً انتقادات الحلفاء في الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي. وفي الخامس عشر من مارس (آذار) الماضي، بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من بداية الحرب في أوكرانيا، دعا أوربان مواطنيه خلال الاحتفال بعيد الثورة المجرية إلى «عدم زيادة هستيريا الوقوف بين المطرقة الروسية والسندان الأوكراني». واكتفى رئيس الوزراء المجري بإدانة «العملية العسكرية الخاصة» لروسيا في أوكرانيا، لكنه ما زال يرفض إرسال أسلحة إلى كييف أو استخدام أراضي بلاده لعبور المساعدات العسكرية الغربية إليها.
إلى كل ذلك، يضاف الانتقاد الشديد الذي صدر عن أوربان ضد الاقتراح الأوروبي بفرض عقوبات على البطريرك كيريل، معتبراً أن ذلك «من حيث المبدأ أهم من أي شيء آخر، ويقوض الحرية الدينية المقدسة بالنسبة لسكان المجر».
والمجر هي أشد بلدان الاتحاد الأوروبي ارتباطاً على الصعيد الاقتصادي بروسيا التي تعاقدت معها مؤخراً لبناء محطة ضخمة لتوليد الطاقة النووية في «باكس»، ولشراء القاطرات الجديدة لمترو الأنفاق في العاصمة بودابست. ويتماهى أوربان مع بوتين في الخطاب السياسي الذي يدور حول محاربة الصحافة الحرة بذريعة الحفاظ على «القيم المسيحية التقليدية» ومنع نشاط المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج.
وكان رئيس الوزراء اليوناني الأسبق الاشتراكي جورج باباندريو قد صرح، أمس خلال مروره في بروكسل، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الممول الرئيسي للقوى والأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة في أوروبا، معتبراً أن المجر ابتعدت كثيراً عن المسار الأوروبي الموحد واصطفت، من غير أن تعلن ذلك رسمياً، إلى جانب موسكو في حربها ضد أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
TT

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)

اتفقت المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، اليوم الجمعة، على إنشاء شركة مشتركة لبناء طائرتها المقاتِلة الأسرع من الصوت، والمتوقع أن تجهز في عام 2035، في إطار برنامج يحمل اسم القتال الجوي العالمي «GCAP».

وأعلنت الشركات المصنّعة الثلاث المسؤولة عن تطوير الطائرة المقاتِلة، الجمعة، في بيان، أنها وقّعت على اتفاقية إنشاء الشركة التي تملك كلٌّ منها ثُلثها. والشركات هي: «بي إيه إي سيستمز (BAE Systems)» البريطانية، و«ليوناردو (Leonardo)» الإيطالية، و«جايك (JAIEC)» اليابانية، التي أنشأتها، على وجه الخصوص، شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

وأنشئت الشركة المشتركة، التي ستبدأ أنشطتها منتصف عام 2025، في إطار برنامج القتال الجوي العالمي الذي أُعلن في عام 2022 بالشراكة بين لندن وروما وطوكيو. وستحلّ الطائرة الضخمة ذات الذيل المزدوج على شكل حرف V محل طائرات «إف-2» (F-2) اليابانية ومقاتِلات يوروفايتر الإيطالية والبريطانية. ومن المتوقع أن يمتد عمرها الافتراضي إلى ما بعد عام 2070، وفقاً للبيان.

وفي حال احترام الجدول الزمني، الذي وضعه القائمون على المشروع، فإنها ستدخل الخدمة قبل خمس سنوات على الأقل من الطائرة التي يبنيها مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي «SCAF» الذي تُنفذه فرنسا وألمانيا وإسبانيا.