لبنان يطالب بـ3 مليارات دولار لمواجهة أزمة النزوح السوري

TT

لبنان يطالب بـ3 مليارات دولار لمواجهة أزمة النزوح السوري

واصلت السلطات اللبنانية تصعيدها في وجه النزوح السوري قبل أيام من موعد مؤتمر «دعم سوريا والمنطقة» الذي سيعقد في بروكسل الأسبوع المقبل. فبعدما كانت اللجنة الوزارية الموكلة بهذا الملف قد أكدت أن «الحكومة لم تعد قادرة على لعب دور الشرطي لصالح دول أخرى»، في إشارة إلى عدم القدرة على ضبط الهجرة غير الشرعية من لبنان إلى دول أوروبا، أعلن وزير الخارجية عبد الله بو حبيب الذي سيرأس الوفد اللبناني إلى بروكسل أن لبنان سيبلغ الدول المجتمعة هناك أنه «لم يعد باستطاعته تحمل النزوح السوري على أراضيه، وهو لا يريد أن يساعدوا النازحين فيه، أو أن يساعدوه هو، فنحن نهتم بأنفسنا إذا عاد النازحون السوريون إلى بلادهم.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار الذي سيكون إلى جانب بو حبيب في بروكسل إن «الوفد اللبناني سينقل واقع لبنان الحالي ومعاناته بعد 12 عاماً على بدء أزمة النزوح وسيعرض لتأثيراتها عليه اقتصادياً وبيئياً واجتماعياً وأمنياً بالأرقام»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عرض الواقع الحالي سيليه عرض للحلول التي يجدها لبنان مواتية له كما للنازحين، وهي تقوم على ضمان العودة الآمنة لهم. ورداً على سؤال، أوضح حجار أن «لبنان سيطالب خلال المؤتمر بمبلغ كان قد طالب به من قبل في إطار خطة الاستجابة للأزمة ويتراوح ما بين 3 و3.5 مليار دولار».
من جهتها، تشرح المشرفة العامة على خطة لبنان للاستجابة للأزمة د. علا بطرس أن «موقف لبنان ثابت حول عودة النازحين بأمان وكرامة إلى سوريا، لكن الوضع الحالي اختلف عند اللبنانيين عما كان في بداية الأزمة السورية عام 2022 بالنسبة لارتفاع نسب الفقر والبطالة وتدهور قيمة العملة وندرة المواد الأولية والتضخم ما بات يدفعهم إلى الهجرة الشرعية (استنزاف رأس المال البشري) وإلى الهجرة غير الشرعية أيضاً، بالإضافة إلى أن قدرة الحكومة بأجهزتها الأمنية والعسكرية من الناحية اللوجيستية ضعيفة لمراقبة الحدود كما أنها لا تملك التقنيات الحديثة للاستجابة الإغاثية كما حصل في حادثة غرق المركب في طرابلس بالإضافة إلى مؤشرات مقلقة على الاستقرار العام من خلال تنامي مستوى الجريمة (السرقات) واكتظاظ السجون والضغط الكبير على فرص العمل كمحفز رئيسي للتوترات». وتوضح بطرس لـ«الشرق الأوسط» أن «القوات المسلحة تكافح التهريب غير الشرعي عن طريق البحر لكن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية تنذر بخطورة عدم القدرة على ضبط الأمور إذا انفلتت خصوصاً أن المهاجرين غير الشرعيين ليسوا نازحين سوريين أو لاجئين فلسطينيين فقط بل هم لبنانيون كذلك، وهذا ما بدأنا برصده منذ عام 2020»، لافتة إلى أنه «بالنسبة لخطة لبنان للاستجابة للأزمة التي تستند إلى الدعم الإنساني والتنموي من المجتمع الدولي للفئات الضعيفة، فتلحظ المطالبة بالحصول على 3 مليارات دولار للاستجابة للحاجات المتزايدة، علماً بأن خطة لبنان للاستجابة تقوم على الشراكة بين الحكومة اللبنانية برئاسة وزارة الشؤون الاجتماعية والأمم المتحدة بوكالاتها المتخصصة».
ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن هناك 839788 لاجئاً سورياً مسجلين لديها في لبنان، وقد اقتصر عدد من عادوا من لبنان إلى سوريا على نحو 71.000 منذ عام 2016.



مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
TT

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

وصلت سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخُّل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن، عقب مشاركته في متابعة انتخابات الإقليم الرئاسية، والتي أُجريت قبل أيام، وسط ترقب إثيوبي تداعيات الاقتراع، خصوصاً مع نتائج أولية تشير إلى فوز مرشح المعارضة عبد الرحمن عبد الله.

الاستدعاء الدبلوماسي الصومالي، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يُعد امتداداً لسلسلة إجراءات تبنّتها مقديشو، منذ بداية العام، عقب رفضها توقيع إثيوبيا اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال»؛ بهدف «تأكيد سيادتها وتضييق الخناق دولياً عليه»، مع توقعات بإمكانية استئناف المفاوضات للذهاب إلى حلول قد تكون سبباً في سحب البساط من تحت أقدام أديس أبابا، وخفض التصعيد بمنطقة القرن الأفريقي.

واستدعت وزارة الخارجية الصومالية السفير الدنماركي ستين أندرسن؛ على خلفية «انتهاكه سيادة وحدة البلاد»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية بالبلاد، الأحد، عن وزير الخارجية أحمد معلم فقي، عقب «توجّهه ضمن بعض السفراء لدى البلاد إلى مدينة هرجيسا للمشاركة في الانتخابات التي جرت مؤخراً دون أن يعلنوا، في خطابهم، عن الدولة التي جرى تعيينهم سفراء لها، واخترقوا البروتوكول الدبلوماسي»، مؤكداً أن «موقف الحكومة واضح تجاه الانتخابات في أرض الصومال، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من البلاد».

وحذّر وزير الخارجية الصومالي «بعض السفراء لدى البلاد بكتابة مقال يتعارض مع وحدة وسيادة البلاد عند الإعلان عن نتائج الانتخابات في أرض الصومال، والتي تعد شأناً داخلياً».

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (رويترز)

خطوط حمراء

ولم تكن تلك الخطوة الأولى ضمن الخطوط الحمراء التي رسمتها مقديشو في رفضها المساس بسيادتها، حيث وقَّع الرئيس حسن شيخ محمود قانوناً يُلغي اتفاقاً مبدئياً وقّعته إثيوبيا، في يناير (كانون الثاني) 2024، مع إقليم «أرض الصومال»، والذي تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة.

وتوجهت مقديشو إلى الجامعة العربية، وحصلت على دعم إضافي باجتماع طارئ ذهب، في يناير (كانون الثاني) 2024، إلى أن المذكرة باطلة. وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة المتوترة علاقاتها مع أديس أبابا، ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وسط قلق إثيوبي، ومدّ مصر الصومال بأسلحة ومُعدات لمواجهة «الشباب» الإرهابية، وصولاً إلى إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، رسمياً، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029. وأرجع ذلك إلى «انتهاكها الصارخ سيادة واستقلال الصومال».

وباعتقاد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «قرار استدعاء السفير قد يُفهم بأنه تحرك دبلوماسي، في جزء من استراتيجية الصومال لتضييق الخناق على أرض الصومال، قبل العودة إلى أي مفاوضات مرتقبة، إذ تسعى الحكومة إلى تعزيز موقفها في مواجهة أي محاولات لانفصال أو استقلال أرض الصومال، مما قد يؤثر على استقرار المنطقة».

ويَعد المحلل الصومالي «قرار استدعاء سفير الدنمارك أيضاً خطوة تُظهر رغبة الحكومة في الحفاظ على سيادتها، ورفض أي تدخلات خارجية»، لافتاً إلى أن «تحرك بعض السفراء قد يُفسَّر بأنه في إطار ضغوط على الحكومة الصومالية لإحداث تغييرات معينة، أو قد يكون مجرد مراقبة روتينية للانتخابات والأوضاع السياسية، أو محاولة لتوسيع النفوذ الخارجي في منطقة تُعد ذات أهمية استراتيجية».

في المقابل، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، أن «تحركات السفراء الغربيين، احتفاء بالممارسة الديمقراطية التي تجري هناك لعدة دورات، وليست للتأثير على مقديشو»، موضحة أن «الدولة الغربية التي لديها تأثير كبير هي الولايات المتحدة، من خلال حلفها التاريخي مع إثيوبيا وتعاونهما في مكافحة الإرهاب».

أمل في استئناف المفاوضات

ورغم تلك الإجراءات فإن الصومال لم تقطع شعرة معاوية في التوصل لحلول. وأعرب وزير الخارجية أحمد معلم فقي، في كلمته، عن «أمله في استئناف المفاوضات مع إدارة أرض الصومال»، مؤكداً أن «الحكومة عازمة على إيجاد الحلول للشؤون الداخلية»، دون توضيح ماهية تلك الحلول.

وجاءت تلك الآمال الصومالية الرسمية، قبل أيام من إعلان نتائج الانتخابات في أرض الصومال المقررة في 21 نوفمبر الحالي، والتي تنافس فيها 3 مرشحين؛ بينهم الرئيس الحالي للإقليم موسى بيحي عبدي، والمعارض عبد الرحمن عبد الله، ومرشح حزب «العدالة والتنمية» فيصل ورابي، وجميعهم داعمون لمذكرة التفاهم، وتختلف رؤيتهم حول كيفية إدارة الأزمة مع الصومال. وتشير نتائج أولية إلى «تقدم كبير» للمعارض عبد الرحمن عبد الله، وفق وسائل إعلام صومالية.

وفي المقابل، استمرت إثيوبيا على موقفها الداعم لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وهنأته وزارة الخارجية الإثيوبية، الجمعة، على «النجاح في إجراء انتخابات سلمية وديمقراطية تعكس نضج الحكم». وسبقها، الخميس، تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية نبيات غيتاتشو أن «أديس أبابا ستواصل عملياتها الحاسمة لإضعاف حركة (الشباب الإرهابية)؛ بهدف ضمان عدم تشكيلها تهديداً للأمن القومي الإثيوبي»؛ في إشارة لعدم الخروج من مقديشو.

ولا يعتقد الخبير في الشؤون الأفريقية عبد المنعم أبو إدريس أن «يكون لنتيجة الانتخابات في أرض الصومال تأثير على علاقة مقديشو مع الإقليم، خاصة أن المرشح عبد الرحمن عبد الله لم يُظهر معارضة لمذكرة التفاهم مع إثيوبيا». ويستدرك: «لكن يمكن أن تعود المفاوضات بين مقديشو وأرض الصومال في حال كان هناك طرح لشكل فيدرالي يعطي الأقاليم المختلفة في الصومال الكبير قدراً من الاستقلالية».

ويعتقد المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري أن «تقارب مقديشو مع أرض الصومال قد يثير قلق أديس أبابا، وإذا كانت هناك رغبة في تعزيز العلاقات بين مقديشو وأرض الصومال، فقد تسعى إثيوبيا إلى عرقلة هذا المسار، ومن المحتمل أن تتدخل لإعادة تأكيد نفوذها في المنطقة، خاصةً في إطار مذكرة التفاهم القائمة».

ويؤكد أن «أي حل محتمل في هذه الأزمة سيكون له تأثير كبير على الأوضاع في القرن الأفريقي، واستقرار مقديشو وأرض الصومال، ويمكن أن يُفضي إلى تعزيز التعاون الإقليمي، بينما أي تصعيد قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة».