شهادات منشقين عن داعش المتطرفة (3 - 4) : الاشتباكات الدامية مع عشيرة الشعيطات تتسبب في تخلي الكثير من مقاتلي «داعش» عن الحرب

التنظيم يعصف بعناصره المشاركة في مناظرات في مدينة الدانا ويستثني أمراء الولايات

TT

شهادات منشقين عن داعش المتطرفة (3 - 4) : الاشتباكات الدامية مع عشيرة الشعيطات تتسبب في تخلي الكثير من مقاتلي «داعش» عن الحرب

من أهم أسباب انشقاق مقاتلين من تنظيم داعش، تضارب توجهات التنظيم وعدم وجود مرجعية واضحة أو أهداف محددة يسعى لتحقيقها باستثناء شعار «إقامة دولة الخلافة»، وهو أمر بدا في الواقع، وعبر شهور، أنه لا يزيد عن وهم قام بحبكه عدد من القادة لترويجه نظريا، بينما ما يجري على الأرض مغاير تماما.
وتواصل «الشرق الأوسط» نشر شهادات من خمسة، من سوريا وليبيا وتونس، كان يجري تأهيلهم على جانبي الحدود العراقية السورية، لكي يكونوا قادة مستقبلا، وحاربوا مع التنظيم في مناطق دير الزور والبوكمال وحديثة وغيرها، بينما كانت تعليمات ما يطلق عليه القادة «الشرعيون» في داعش، تزيد من حيرتهم بشأن جدوى الاستمرار في التنظيم، بعد صدور الكثير من الفتاوى وعكسها في بضعة أيام، رغم ما ترتب عليها من أعمال قتل وتشريد وفوضى.
وتوقفت الحلقة السابقة عند نذر المواجهة التي بدأت في منطقة البوكمال وهي مدينة سورية قريبة من الحدود مع العراق بين مجموعة الليبي أبو هريرة والجيش الحر. كان عدد مقاتلي داعش قد زاد من 18 مقاتلا إلى 70. بسبب عدم ثقة المقاتلين في الصفقات التي يعقدها قادة التنظيم وآخرهم أبو عمر الشيشاني الذي ترك الجبهة ومضى، دون أن يشرح لأتباعه العلاقة الجديدة التي ينبغي أن تكون بين مقاتلي داعش وكل من جبهة النصرة والجيش الحر.
يقول أبو هريرة إنه فوجئ بأن جبهة النصرة والجيش الحر لم ينضموا لداعش أو يعلنوا الاستتابة أو يبايعوا الخليفة، كما أوحى لهم الشيشاني من قبل. وشعرت مجموعة أبو هريرة بالخوف من الإمدادات التي كانت تصل للجيش الحر، وهنا طلب من جبهة النصرة أن تدخل مع مجموعته في مقاتلة الجيش الحر، إلا أنها نأت بنفسها عن الاقتتال وانحازت إلى ما قالت: إنه رغبتها في «حقن دماء الطرفين».
الاصطدام مع الجيش الحر، وعدم مساندة جبهة النصرة لمقاتلي داعش في تلك المعركة، كما يشرح أبو هريرة أثبت صدق ما كان يتحدث عنه هو وجماعته مع البنعلي والقحطاني وأبو اليمان والشيشاني، بشأن عدم الثقة في خصوم التنظيم، وضرورة الاستتابة لهم قبل أي هدنة أو تعاون معهم.
ويضيف أحد المنشقين التونسيين: «كان الموقف هو أنه إما أن يدخلوا تحت راية دولة (الخلافة) ويأتمروا بأمرها أو قتالهم، كما تنص الفتاوى التي نحارب منذ البداية بناء عليها، ولا قبول بأي مبررات دون هذا الأمر، وإلا يكون هناك تلاعب.. وهذا ما كان في الحقيقة. وجدنا أنفسنا في تلك الحرب أضحوكة. أنت تتصرف وأنت تظن أن هذا سيقف إلى جانبك، لكن حين تبدأ المعركة يقول لك أنا لن أحارب معك. إذن ما العمل؟».
خلال ساعات من بدء تلك المعارك بين «داعش» والجيش الحر، وصل للتنظيم الدموي المزيد من المدد، بعد أن هدد «أبو هريرة: بسحب مجموعته من المنطقة.. وصل من الشمال ومن جهة العراق، مئات المقاتلين وشحنات من الأسلحة وسيارات الدفع الرباعي ومدرعات عسكرية أيضا كان قد جرى الاستيلاء عليها من الحروب مع الجيش العراقي». ويضيف التونسي أنه بهذه التعزيزات التي وصلتنا «حققنا الغلبة على الجيش الحر الذي كان يبدو أنه أسس لمعركة مع 70 مقاتلا من داعش وليس مع عدة مئات كما حدث بعد ذلك».
من جانبه يقول أبو هريرة: في اليوم الأخير، وبعدما أخذنا كل مواقع الجيش الحر تقريبا، إلا موقعا أو موقعين في البوكمال، طلب الجيش الحر مهلة ليسلم سلاحه. أنا ومن معي كنا ضد هذا، لكن قادة داعش ارتكبوا نفس الأخطاء السابقة حين وثقوا في مبادرة الجيش الحر.. فأعطوه المهلة، لكن بعدها بساعتين هربوا. وصدرت لنا الأوامر بأن نعود إلى العراق لدعم إخواننا من جنود الدولة (داعش) في معركة أخرى في حديثة كانت قد وقعت هناك وشهدت مجازر نجونا منها بفضل الله. ومن وراء ألسنة الدخان ظهر أبو شعيب ومجموعته مجددا.
هذه لم تكن المرة الأولى التي يشترك فيها أبو هريرة وأبو شعيب في معارك حديثة، وهي بلدة تقع غرب منطقة الأنبار. لكن الفرق هذه المرة هو أن قوات التحالف الدولي كانت تقصف مواقع داعش بالطيران صباح مساء.. وعلى الأرض تجري عمليات الكر والفر، بين قوات داعش من جانب، والجيش العراقي وحلفائه من الصحوات والحشد الشعبي من جانب آخر.. يقول أبو شعيب: «نهاجم حتى نقترب من السيطرة على المدينة ثم نضطر للتراجع تحت قصف القوات المتمركزة فيها والتي كان يصلها المدد يوما بيوم من قيادة عمليات الأنبار ومن قوات الفرقة السابعة».
خلال الأيام التي لا يكون فيها قتال، كان أبو هريرة يجتمع في محاضرات بالمعسكرات مع مقاتلين آخرين.. «هنا تستطيع أن تعثر على كتب البنعلي وفقهاء آخرين في كل مكان. كانت لنا مطابع حصلنا عليها من المدن التي دخلناها. هذه الكتب غير موجودة على الإنترنت، ربما لأن قادة التنظيم لا يريدونها أن تقع في أيدي شيوخ آخرين حتى لا ينقدوها أو يعرفوا ما فيها من تعليمات عن التعامل مع الكفار والمرتدين وغيرها».
ومرة أخرى يعود الجدل، أكثر حدة من السابق، حول توجهات التنظيم وخطوطه العامة وعلاقاته بـ«القاعدة» والنصرة ومقاتلة العشائر و«المرتدين».. حدث هذا حين جرى تأجيل اقتحام حديثة، وتوجيه دفة المعارك إلى جبهات أخرى أكثر أهمية.. وهنا يقول أبو هريرة: «سألت عن مصير شيخنا الذي سبق وأخبرتك أنه جرى سجنه في مبنى السفارة في الرِّقة.. لكن لم أتمكن من معرفة ما جرى له إلا بعد عدة أسابيع».
يضيف أبو شعيب أن قادة داعش ومساعدي البنعلي كانوا يردون على تشعب الحديث بين المقاتلين عن التكفير وحدود القتل وغموض توجهات التنظيم، بتوزيع مزيد من المطويات والكتيبات، مع التنبيه على ضرورة الالتزام بما فيها.. «من أجل النصر على العدو. ضغوط رهيبة لمنع طرح الأسئلة، وأخيرا أعادوني مع مجموعتي مجددا، إلى سوريا بسبب اندلاع معارك جديدة هناك، قرب دير الزور. وشارك في هذه المعارك أيضا أبو هريرة والتونسيين الثلاثة».. «كنا بضع عشرات معنا 23 سيارة ومدرعة وخمسون مدفعا والكثير من القذائف الصاروخية، إضافة إلى أسلحتنا الشخصية».
قبل الانطلاق إلى دير الزور استقبل هذه المجموعة القتالية، والي الأنبار وعضو المجلس العسكري ومجلس الشورى في داعش، ويدعى أبو أيمن العراقي الذي يقال: إنه قتل فيما بعد في الغارات الحربية. يتذكر أبو شعيب قائلا: فهمت من حديثه أن هناك قلقا بين قادة التنظيم من أفكارنا وأفكار مجموعات أخرى مماثلة لنا، ولهذا أخذ يبرر لماذا كنا نحارب النصرة والجيش الحر، ثم لماذا دخلنا معهما في هدنة، ولماذا عدنا للحرب معهما من جديد.
لقد قُتل منا كثير من الليبيين والجزائريين والتونسيين وغيرهم. والآن يقول أبو أيمن، بكل بساطة، إن تأثير الذين يطرحون مثل هذه الأسئلة لا يختلفون عن أعداء دولة الخلافة.. فخذوا حذركم ولا تتأثروا بدعايات الصحوات والمرتدين. وماذا عن قضية الغنائم التي طرحها الإخوة في جلسة مناظرة الدانا؟ لا مجيب.
ويضيف أحد التونسيين «بعد أن مشينا عدة كيلومترات بجوار نهر الفرات، وعند وصولنا إلى دير الزور مع الفجر، وجدنا أبو أيمن قد سبقنا إلى هناك، وطلب الاجتماع بنا». ومن جانبه يوضح أبو هريرة قائلا: اجتمع بنا، وقال لنا بالحرف، وكانت لهجته مخيفة ومرعبة، إن من يقول بكفر العاذر سأرميه بطلقة في رأسه وأرميه في القمامة.. ومن يُكفِّر الظواهري سأرميه بطلقة في رأسه وأرميه في القمامة.. وإذا أحدٌ كفَّر أحدًا من الدولة (أي من داعش) سأرميه بطلقة في رأسه وأرميه في القمامة.. وإذا وجدت أحدًا يسمع لما يقوله الحازمي (أحد الدعاة ممن ارتبط اسمه بالجدل حول تكفير العاذر) في خطبه سأسجنه وأعاقبه وأرميه بطلقة وأرميه في القمامة».
ويشير أبو شعيب إلى جانب آخر من القصة، ويقول إنه «في الحقيقة، اكتشفت فيما بعد أن تعليمات الوالي أبو أيمن كانت جزءًا من الاستعداد للحرب على عشيرة الشعيطات التي لها قرى في الريف الشرقي لدير الزور».
في البداية قال: إن الشعيطات كفار، ثم في محاضرات اليوم التالي قال: إنهم مرتدون». بينما يوضح أبو هريرة أنه خلال درس الوالي «تذكرت شيخنا الذي تركناه في مبنى السفارة في الرِّقة، لأنه كان قد شرح لنا الفرق الكبير بين الكافر والمرتد».
ويقول التونسي إنه طرح هو الآخر سؤالا للوالي، حول هذا الأمر، وزاد قائلا له إن الشعيطات ينطقون الشهادة ويرفعون الأذان ويصلون في مساجدهم ويحاربون بشار الأسد، فأجاب أنهم يقاتلون الدولة (داعش)، ولذلك وجب التعامل معهم كمرتدين.
يبدو الهدف من الحرب مع الشعيطات مشوشا في ذهن أبو هريرة منذ بدايتها حتى اليوم وهو يروي تجربته. كان العام الجديد قد بدأ والرياح تهب على دير الزور من الشمال بينما السماء خالية من السحب. وبعد ذلك بعدة أيام انصرف مساعد الوالي، وترك المقاتلين هناك قرب تخوم الشعيطات، وأرسل بدلا منه مندوبا آخر يحل محله. وعرف من هذا المندوب، وهو عراقي يكنى أبو حمزة، أن شيخ المجموعة الغائب قد جرى نقله من مقر السفارة بـ«الرِّقة» إلى سجن في المدينة نفسها، تمهيدا لعرضه على المحكمة الشرعية.
يواصل أبو شعيب: لم يمهلنا الشعيطات للتفكير فيما يحدث أو إيجاد تفسير لزج التنظيم الذي نقاتل معه، بشيخنا في السجن.. هجم علينا عدد من أبناء الشعيطات بمجرد اقترابنا من تخومهم.. «فصرنا نقتل كل من نجده منهم في طريقنا. في البداية قاتلناهم على أساس أنهم كفار، ما اختلفنا، لكن بعد ذلك نقل لنا المندوب أبو حمزة تفسيرا من الدولة يقول إن السبب في قتالهم هو لأنهم يحاربون الدولة.. بينما نحن كنا نقول هم كفار. هناك فرق».
بعد ذلك جاء مدد.. مقاتلون وأسلحة وسيارات. وجاء مندوبون آخرون للدولة من قادة الدولة ومن الوالي.. «صاروا يقولون لنا إن الشعيطات مرتدون.. قلنا لهم لماذا؟ فقالوا لأنهم قاتلوا الدولة. قلنا إذن ليسوا كفارا وبالتالي المسألة لا تتساوى، لكن لم يكن هناك أحد ليشرح أو يجيب أو يعطي إفادة ناجعة».
وكان قد سقط في هذه المعارك المئات من أبناء الشعيطات بين قتيل وأسير. لكن أبو حمزة، وبعد كل هذا، كما يقول أبو شعيب أمر بالاحتفاظ بمن نأسره من أولاد الشعيطات، حيا، ولا نقتله. جمعهم في المؤخرة، وعرض عليهم الاستتابة ومبايعة الدولة والحرب في صفوفها. من يوافق يجري نقله للتدريب في المعسكرات في الأنبار، ومن يرفض يُقتل.
يقول أبو هريرة إنه بعد هذه الوقائع قرر التوقف عن الاشتراك في العمليات القتالية. وكذلك فعل أبو شعيب وعدد آخر من المجموعات لا سيما تلك التي ينخرط فيها ليبيون وتونسيون وجزائريون.
وأخذ ينأى بنفسه عن التواجد في المعسكرات، خاصة أنه كان في الأسابيع السابقة يتردد على مقار «معهد تخريج الشرعيين للدولة (داعش)»، التي كان يديرها في السابق رجل شهير بين المقاتلين العرب والأجانب، يدعى عثمان، وهو قيادي ومفتي في التنظيم، ويعتقد أنه قتل في غارة جوية في مدينة عين العرب في وقت سابق عن تلك الأيام.
كان مقر المعهد الشرعي الذي توجه إليه أبو هريرة يقع في مدينة الرقة. يقول: «اعتزلت القتال، وصرت أبحث في أمور ديني. كنت أشك بكفر الدولة (داعش) لكنني لم أكن متيقنا من ذلك. كنت أعلم بحربها على الموحدين، وهذا أمر يخالف الدين.. أدركت أنني تورطت معها في أعمال لا ترضي الله». لكن رحلة الخروج من داعش لم تكن سهلة.
أما أبو شعيب فقد توصل إلى قناعات مماثلة، بل بدأ في إعادة قراءة الحالة التي أصبح عليها مع داعش. وخرجت أفكاره مغايرة مقارنة بالمرة الأولى التي التحق فيها بهذا التنظيم عند اجتياحه للأراضي السورية.
يقول، وقد بدا أنه يتحول إلى فقيه يبحث لنفسه عن طريق جديد، إن «الدنيا تغيرت أمام عينيه.. يرى دنيا جديدة». وبعد أن يؤكد على تفاصيل تخص قضية العقيدة و«الانقياد والتسليم والخضوع والذل والانكسار بين يدي الله عز وجل»، يتطرق مرة أخرى إلى تنظيم داعش الذي كان أحد مقاتليه ودعاته، قائلا إن داعش «جعلت لنفسها وجماعتها الحق المطلق لرعاية القتال وجعلت هذا أصلاً مطردًا، بل كفرت من خالفها فيه، والعجب كل العجب بأنها لم تكفر من خالفها فيما تعتقده وتزعم أنها تنظر له ألا وهو حقيقة التوحيد».
وبعد هجره للتنظيم.. وبعد تأمل وقراءة يبدأ أبو شعيب في نقض معتقدات داعش وهو يدعو لأفرادها بـ«الهداية»، قائلا: «سنبدأ إن شاء الله في نقض معتقد هذه الجماعة التي أسأل الله أن ييسر لأفرادها الهداية، وأن يعلموا أنهم على باطل وإن زعموا أنهم يقاتلون، فالقتال ليس هو ميزان لمعرفة الحق من الباطل.. وكما أنه لا يستدل بالفرع على صحة الأصل.. أيضا لا يمكن أن يستدل بالقتال على صحة التوحيد. هذا ما يجب أن يكون واضحًا عند هذه الجماعة التي لا هم لها إلا القتال».
ويضيف أن جماعة داعش «تعتقد أن الإسلام يكون بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله، ومن ثمَّ نجدها تضطرب حينما تحكم لمن لم يأت بهذا الأصل، أو خالفه». ويقول إن هذا أمر عجيب. وهو هنا يشير إلى فتاوى سابقة منسوبة لتركي البنعلي، أحد كبار قيادات التنظيم وأحد كبار الداعين لانضمام الشباب له من أصقاع العالم.
ويضيف: هذه الجماعة بدأت تعادي عداء واضحًا من أنكر عليهم، أو أنقض شيئا، ولو أنه لا يمس المعتقد، وذلك مثلما حدث معي، مشيرا في هذه الواقعة إلى جلسة المناظرة بين قادة داعشيين حول تطبيق الحدود وتقسيم الغنائم. كانت تلك الجلسة بحسب أبو شعيب السوري، في مدينة الدانا، التابعة لمحافظة إدلب.
كان من بين الكوادر والقيادات والقضاة الحضور أبو عبد الله الليبي، وأبو المقداد الليبي، وأبو جهاد الشيشاني، وأبو البراء المدني، وأبو شعيب المصري وأبو الأثير وأبو بكر القحطاني.
ويواصل قائلا إن جلسة المناظرة كانت في «تطبيق الحدود في ديار الكفر»، و«تقسيم الغنائم التي كانوا يأخذونها بحجة أنها لبيت مال المسلمين».. وعليه، وبناء على ما جرى في هذه المناظرة، سجنوا أبو شعيب المصري وأبو البراء المدني، لأنهما قالا حقًا، وأنهما رأيا الأخطاء.. ثم بدأ العصف والتنكيل بكل من جهر بانتقاد الدولة.
يتساءل أبو شعيب السوري في أسى: «هل على هذا يكون عمل من يدعي الدين والاستمساك به؟ هل هكذا يعامل من يرى عليك خطأ ويريد إصلاحه؟ أين الرجوع إلى الكتاب والسنة؟». ويعود أبو شعيب إلى جانب آخر يتعلق بتجربته مع داعش قائلا إن الأمر الآخر «الحكم بغير ما أنزل الله الذي تفشى فيهم».
ويشير إلى تجارب مريرة عاشها جنود التنظيم على أيدي الكثير من أمراء المعسكرات، خاصة أن بعض محاكم داعش كانت تعمل جنبا إلى جنب مع محاكم نظام بشار الأسد، إلى جانب تزايد الخلافات الفقهية إلى درجة وقوع الاشتباكات في الحواجز وعلى الطرق، في شرق سوريا، كما حدث مع مجموعة شباب من داعش ينتمون لمدينة بن قردان التونسية، ما أدى إلى ابتعادهم عن تعليمات قادة التنظيم والعمل كمجموعة منفصلة.
ويتحدث أبو شعيب عن الكثير من الوقائع الأخرى من بينها اشتباكات بين عناصر داعش، وصلت إلى حد رفع الأسلحة على بعضهم بعضا، بعد خلافات فقهية حول ما إذا كان الرئيس المصري الأسبق مرسي يستحق وصفه بالطاغوت أم لا.. «سحب أحدهم بندقيته وأراد إطلاق النار على خصمه في المجادلة».
وأخذ أبو شعيب على داعش اشتراكها في القضاء مع فصائل أخرى، دون سند من الفقه أو الشريعة، قائلا إن هذا «دليل على أن القوم يميلون إلى القتال وكسب الناس ولو على حساب العقيدة.. يعني الذي ترى فيه مصلحة تفعله وإن كان فيه مخالفة للمعتقد».
ويضرب مثلا بواقعة جرت أثناء وجوده في صفوف داعش تتعلق بقبر جد العثمانيين، سليمان شاه، الموجود في شمال سوريا، قرب الحدود مع تركيا. يقول إن وفدا رفيع المستوى دخل لزيارة قبر سليمان شاه في مدينة تل أبيض، وهي مدينة تحت سيطرة الدولة (داعش) ويرى جنود التنظيم ذلك فلا يحركون ساكنًا، بذريعة السمع والطاعة في الشرك.. يدخل الجنود ويخرجون للتناوب على حراسة هذا الضريح، ويقول لك قادة التنظيم إنهم يفعلون هذا، رغم مخالفته للشرع، لأنهم لا يريدون أن تقوم تركيا بغلق الحدود أمام عناصر التنظيم.
وينتقل أبو شعيب إلى جانب آخر يبدو أنه قاسم مشترك لدى الشبان الذين نفضوا أيديهم من داعش. ويقول: بل العجب الذي لاحظته في الدولة تنوع العقائد.. هناك من يكفِّر الجيش الحر، وهناك من لا يكفره، بل كان يقاتل معه وينافح ويدافع عنه من أمثال المسؤول عن المخيمات الدعوية لداعش.. بل بعضهم يزور الجيش الحر ويبقى عنده، والأمر الآخر يقبضون على الدروز، ثم يطلقون سراحهم ولا تفهم كيف ولماذا؟ كذلك قادة داعش لا يحاكمون أمراء التنظيم إطلاقا.. تجدهم بسيارات فارهة ولديهم أفضل الأسلحة، وإن أخطأوا لا يحاكمونهم، ولا يحرضون الجنود على القتال للتخلص منهم مثلما يحدث ضد من هم ليسوا في مرتبة أمراء المناطق. كما أنهم لا يدخلون المعارك، لأنهم أمراء في داعش.
ويواصل أبو شعيب موضحا أن التنظيم ناصب عددا من جنود وفقهاء شجعان من داعش العداء لا لشيء إلا لأنهم قالوا الصدق في وجه القادة الكبار. هؤلاء جهروا بالأسئلة والانتقادات، فكان مصيرهم إما القتل أو الأسر، وأذكر منهم أبو البراء المدني، وأبو عمر الكويتي، وأبو الحوراء الجزائري، وأبو جعفر الحطاب التونسي، وأبو قسورة التونسي، وأبو عبيدة التونسي، وأبو مصعب التونسي، وأبو نعيم التونسي، وأبو القعقاع الشامي، وأبو يزيد الحموي، وأبو معاوية الحموي، وأبو عمر الحموي، وأبو معاوية النصاري.



دروز سوريا وعلاقة مرتبكة بالشرع... خطاب التفاهم وواقع التصادم

رجل درزي بلباس تقليدي في السويداء (أ.ب)
رجل درزي بلباس تقليدي في السويداء (أ.ب)
TT

دروز سوريا وعلاقة مرتبكة بالشرع... خطاب التفاهم وواقع التصادم

رجل درزي بلباس تقليدي في السويداء (أ.ب)
رجل درزي بلباس تقليدي في السويداء (أ.ب)

اصطبغت علاقة الإدارة السورية الجديدة بالقوى الفاعلة في محافظة السويداء، معقل الطائفة الدرزية، بطابع غلبت عليه حالة من الشد والجذب، والتصعيد في مقابل تصعيد مضاد بهدف توجيه رسائل تدفع عملياً لفتح حوار يجنب سوريا المزيد من الفوضى الأمنية في مقابل انتزاع مكاسب تتعلق بشكل النظام السياسي وتوزيع السلطات والحفاظ على الخصوصيات المحلية في آن واحد.

وقد وضعت الأحداث الأخيرة التي جرت في الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية، قضية الدروز على نار حامية وإن بدا ظاهرياً على الأقل أنها هدأت بعد أحداث كثيرة ومتفرقة شهدتها الأسابيع الأخيرة محافظة السويداء وصولاً إلى منطقة جرمانا، حيث الكثافة الدرزية في محيط العاصمة دمشق.

وكان التصعيد بلغ ذروته بمنع الفصائل العسكرية «الدرزية» قوات الأمن العام التابعة لحكومة دمشق من دخول مدينة السويداء، ومنطقة جرمانا جنوب شرقي العاصمة، للقبض على «قتلة» أحد عناصر الأمن العام عند أحد مداخل المنطقة في الأول من مارس (آذار) الماضي، في أحداث سبقت مباشرة أحداث الساحل الدموية.

هذا، وتشهد السويداء بين الحين والآخر احتجاجات رافضة لسلطة أحمد الشرع اتخذ بعضها نهجاً خطراً كمثل حادثة رفع العَلم الإسرائيلي، أو طلب الحماية من إسرائيل في مقابل بيانات وتصريحات لقوى أخرى أكثر ثقلاً محلياً وإقليمياً تدعو إلى الحوار ومنع التصعيد الطائفي كما ورفض التصريحات الإسرائيلية التي عرضت تقديم الحماية للدروز.

انفتاح دونه عقبات

مصدر في حكومة الشرع قال لـ«الشرق الأوسط» إن التقدم الذي تحرزه الحكومة في مجالات عدة بدأ ينعكس على العلاقة مع الدروز. وأشار المصدر، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إلى أن «الأوضاع في السويداء تسير بشكل إيجابي، وإن هناك تقدماً في أكثر من جانب»، وإن أبناء السويداء «هم جزء لا يتجزأ من سوريا». يأتي ذلك في وقت بدأت تتسرب أنباء عن «اتفاق متعجل» يتم إقراره بين الشرع وأعيان من الطائفة الدرزية على غرار اتفاقه مع الزعيم الكردي مظلوم عبدي، من دون إمكانية تأكيد ذلك بعد بشكل حاسم.

فتى درزي يرفع أعلاماً قرب ملصق كبير للشيخ حكمت الهجري في ساحة الكرامة في السويداء (أ.ب)

ولفت المصدر إلى «أن الحكومة منفتحة على الحوار، لكنها تواجه عقبات قد تتطلب وقتاً لحلها»، مشدداً على أن «حل أي خلافات يتم بين السوريين أنفسهم دون أي تدخل خارجي. فالحكومة السورية تدير شؤون بلدها باستقلالية تامة».

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وسيطرة إدارة العمليات العسكرية بقيادة «هيئة تحرير الشام» على الحكومة الانتقالية المؤقتة، ازداد المشهد تعقيداً بعد تصريحات تصعيدية لبعض رجال الدين الدروز الفاعلين ترفض الامتثال لحل الفصائل المسلحة وتسليم السلاح ودمج عناصرها أفراداً في وزارة الدفاع؛ ما يعكس واقع «الهشاشة» وغياب الثقة في العلاقة بين الطرفين.

وفي خطوة تصب باتجاه تجنب التصعيد، سارع الرئيس السوري أحمد الشرع ومنذ منتصف ديسمبر الماضي إلى استقبال وفد من كبار رجال الدين الدروز، من بينهم الشيخ سليمان عبد الباقي قائد «تجمع أحرار جبل العراق» وسلمان الهجري نجل الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، حكمت الهجري.

وكما وكان الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط أول زائري الشرع على رأس وفد من الوجهاء والأعيان الروحيين، بما يحمل ذلك من رمزية لا تخفى عن طبيعة العلاقات التاريخية بين السلطة (أي سلطة) في دمشق والطائفة الدرزية.

ومع ذلك، ظلت القوى الدرزية الفاعلة على الأرض، سواء الدينية أو الاجتماعية أو المسلحة منقسمة في مواقفها من العهد الجديد، وحول رؤيتها لمستقبلها في كنف السلطة الوليدة.

وفي محاولة إسرائيلية لتأجيج الخلافات بين الطائفة الدرزية والحكومة الانتقالية، استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاشتباكات بين قوات الأمن العام ومسلحي جرمانا للتهديد بالتدخل العسكري في حال تعرض الدروز لأي أذى. لكن الإدارة السورية وظفت علاقاتها مع بعض القوى الدرزية في السويداء لقيادة مفاوضات أسفرت عن التهدئة مع مسلحي جرمانا. كما وجاء إعلانها عن اعتقال اللواء إبراهيم حويجة، الرئيس السّابق للاستخبارات العامّة في سوريا، والمتّهم باغتيال الزعيم الدرزيّ كمال جنبلاط عام 1977 قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية لاغتياله، بمثابة رسالة واضحة للزعامة الدرزية «الرسمية» المتمثلة بآل جنبلاط ومن ورائها عموم أبناء الطائفة.

دروز إدلب... علاقة غير ودية

في الواقع، هذه الأحداث ليست وليدة الأمس. فالوجود الدرزي لا يقتصر على معاقل محمية إلى حد بعيد كالسويداء وجرمانا، وإنما هناك أيضاً دروز إدلب وتحديداً في مناطق جبل السمّاق الذين تعرضوا لانتهاكات وعمليات قتل عشوائية في 2015 بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على المنطقة. وأبرز تلك العمليات كانت في قرية «قلب لوزة» على يد فصائل «جهادية» متحالفة مع جبهة النصرة حينذاك.

مسلحون دروز أمام آلية عسكرية ينتظرون وصول قوات الأمن العام عند مدخل ضاحية جرمانا قرب دمشق (أ.ب)

وبعد فك الارتباط بتنظيم القاعدة في يوليو (تموز) 2016، حاولت «جبهة النصرة» التي تحولت تدريجياً إلى «هيئة تحرير الشام» بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، النأي بنفسها عن «التشدد» وتجنب «التصنيف» على لوائح الإرهاب، مستفيدة من تجربة حكم تنظيم الدولة وتعامله مع المجتمعات المحلية وخسارته «الحاضنة الاجتماعية». وعليه، شكلت «هيئة تحرير الشام» في مدينة إدلب «حكومة الإنقاذ» لادارة المناطق الخاضعة لسيطرتها وتسيير شؤون السكان الذين تجاوزت اعدادهم الأربعة ملايين.

ومع التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية وخفة حدة العمليات القتالية، وفي محاولة لمنع أي تصعيد سواء بين الفصائل المسلحة، أو بين المجتمعات المحلية، ولإبراز الوجه الجديد للهيئة بصفتها سلطة «الأمر الواقع»، التقى زعيمها «أحمد الشرع» أكثر من مرة بوجهاء وأعيان المحافظة، ومن بينهم «الدروز» الذين تلقوا منه وعوداً بإرجاع حقوقهم وممتلكاتهم وتأمين الخدمات الأساسية لهم وحمايتهم. وهو ما جرى جزئياً ولكن عادت الأحداث وتسارعت واتخذت منعطفات مختلفة مع سقوط نظام بشار الأسد، حيث لا تزال ملامح العملية السياسية وشكل النظام السياسي وهويته بانتظار ما تحدده صيغة دستور المرحلة الانتقالية التي يفترض أن يتوافق عليها السوريون.

مشهد معقّد

ما يزيد المشهد تعقيداً، أن أجزاءً كبيرة من البلاد لا تزال خارج سيطرة الحكومة الحالية، كما أن السلاح لا يزال منتشراً بيد مجموعات مسلحة منظمة أو سكان محليين والدروز بطبيعة الحال ليسوا استثناء.

لذلك؛ فقد سلطت أحداث الساحل الأخيرة ثم الاتفاق مع المكون الكردي، الضوء على التحدي الأبرز أمام الإدارة الجديدة وهو الإبقاء على وحدة المجتمع السوري والحفاظ على تماسك نسيجه المتنوع وكيفية إدارة الأزمات والاحتقان الناتج من ذلك التنوع والاختلافات.

لافتة رفعها الدروز السوريون في 25 فبراير: «السويداء لن تكون خنجركم المسموم في ظهر سوريا» رداً على التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية (أ.ب)

ويقول مضر هائل لـ«الشرق الأوسط»، وهو من أبناء السويداء النشاطين سياسياً وأحد أبرز منظمي تظاهرات ساحة الكرامة بين 2023 و2024: «الحكومة الحالية هي حكومة أمر واقع، ويجب أن نتجه نحو حكومة منتخبة وأن يشارك الجميع في وضع دستور لهذا البلد وأن تأتي تلك الحكومة من إرادة الشعب. في هذه الحالة، لن يبقى لأحد ذريعة برفض الاعتراف بحكومة دمشق. نحن دائماً كنا مع جميع فئات المجتمع السوري في الثورة ضد النظام، لكن يجب ألا نستبدل نظاماً بآخر فقط، بل يجب أن نبني دولة تحترم الجميع ويكون الجميع تحت قانونها».

ويضيف: «هناك من يستغل التصريحات الإسرائيلية بخصوص حماية الدروز ليثير النعرات الطائفية»، ويقول: «انظروا، هؤلاء عملاء»، وبالتالي ينفذ أجندته غير الوطنية. لا أحد يريد أن يكون مع إسرائيل، لكن بالحوار والتفاهم، وبناء دولة تشاركية، يمكننا قطع الطريق على إسرائيل وغيرها من الطامعين».

أزمة ثقة... لا تمنع المصالحة

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى الباحث السياسي اللبناني مكرم رباح الذي لفت إلى أن الثقة بين الطائفة الدرزية والإدارة السورية الجديدة لا تتعلق فقط بالمسألة الدرزية. وقال رباح: «من المعروف أن النظام السوري السابق استخدم الجماعات التكفيرية لتخويف الدروز، وهذا يشكل هاجساً دائماً لدى الدروز المتمسكين بأرضهم وسلاحهم. والمشكلة الأساسية تكمن في إصرار الرئيس أحمد الشرع على المركزية، وهذا الأمر يثير قلق الدروز، في حين أن نظام البعث نفسه كان قد منحهم نوعاً من الاستقلالية ضمن إطار تحالف الأقليات».

أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

وهنا يبرز السؤال عما إذا كان الشرع سيتمسك بهذه المركزية بعد عقد اتفاق مع الأكراد وهو ما سيتحدد أكثر عندما تظهر بنود الاتفاق وشروطه.

ويؤكد الباحث أن إسرائيل تلعب دوراً في توتر العلاقة بين السويداء ودمشق، لكنه يستبعد أن يكون أحداً من دروز سوريا مستعداً للدخول في مغامرة كهذه. «فإسرائيل تستخدم هذا الملف كورقة في حربها المستمرة في المنطقة، كما تسعى للضغط على الشرع لتقديم تنازلات».

ويقول رباح: «مطالب الدروز هي نفس مطالب كل السوريين. هناك خصوصية للطائفة الدرزية، لكن الإدارة الجديدة ربما لم تحاول التعرف عليها. وفي حال أدركت حكومة الشرع هذه الخصوصية، ستتمكن من التعاطي الإيجابي مع الملف الدرزي».

واعتبر رباح أن وليد جنبلاط يلعب دوراً أساسياً في الملف الدرزي بسوريا، حيث كان أحد المبادرين لمقابلة الرئيس الشرع. لكن هناك أيضاً شخصيات درزية عدة مؤثرة، مثل الشيخ يوسف الجربوع، وحكمت الهجري، ويحيى الحناوي، وكلهم سيتعاملون مع الشرع باعتباره رئيس الجمهورية السورية، نظراً لما يتمتعون به من تأثير كبير كمشايخ عقل.

ورأى أن هناك عوامل تدفع نحو حل الملف الدرزي وتسرّع المصالحة الكاملة بين جميع الأطراف، مثل وضع خريطة واضحة للانتقال السياسي، ومشاركة الدروز في العملية السياسية، ومنح نوع من اللامركزية المحلية. كما أن بعض المبادرات الإيجابية من الرئيس الشرع قد تساهم في تحسين العلاقة بشكل أسرع.

السياسة ومرجعية المشايخ

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى الباحث السوري وائل علوان فقال: «العلاقة بين الطرفين لا تتعلق بعدم الثقة، فهناك خصوصية للمجتمع في السويداء، ليست الحكومة فقط من يراعيها، بل كل المجتمع السوري يراعي تلك الخصوصية».

ولفت علوان إلى أنه خلال الأعوام التي تلت اندلاع الثورة في 2011، كان هناك نزاع داخلي في السويداء بين المرجعية الدينية التقليدية التي كانت في بيت الهجري والحناوي وبيت الجربوع، حيث كانوا موالين للسلطة، وبين الثوار في السويداء الذين كانوا ضد النظام السوري. لكن كان الثوار يفتقدون التغطية الدينية من أحد تلك المراجع المذكورة، وبقي المرجع الديني صاحب الكلمة العليا.

اجتماع الزعيم الدرزي السوري الشيخ حكمت الهجري (وسط) مع أفراد من طائفته في السويداء يوم 20 فبراير (رويترز)

ويضيف علوان: «في السنوات الأخيرة، كان حكمت الهجري، رجل الدين الأبرز، معارضاً للنظام، وبذلك أخذ دوراً أكبر بكثير من الحناوي والجربوع، وهما من أبرز المراجع الدينية الأساسية لدى دروز سوريا. ولعب الهجري دوراً كبيراً في السويداء، لكن لم يكن على علاقة جيدة مع البلعوس الذي يمثل التيار المعارض الثوري ضد النظام السوري. حيث كان هناك تنافس وصراع بين المراجع الدينية التقليدية وبين المكونات الجديدة الثورية، أي التي عارضت النظام السوري وخالفت رأي بعض رجال الدين».

معتبراً أن الفترة الأخيرة التي عارض فيها الهجري نظام بشار الأسد، فتحت خطاً مع علاقة مع موفق طريف، وهو أحد الزعماء الدينيين الدروز في إسرائيل. وبقي البلعوس وسليمان عبد الباقي على علاقة مع وليد جنبلاط في لبنان مع مجموعات عسكرية متحالفة مع البلعوس. وهذان خطان متباينان، خط الهجري مع طريف يقابل خط البلعوس وجنبلاط، وهما متباينان تماماً، وكلا الخطين استعان بحليف خارجي.

انقسامات داخلية

يشير علوان إلى أنه بعد سقوط الأسد، أصبح من الواضح أن هناك انقساماً في المشهد، مرجحاً أن تتحالف الحكومة السورية الجديدة مع تيار البلعوس وجماعته، وأن يصبح الهجري أكثر معارضة لها.

ويذهب الباحث إلى أن إسرائيل تخدم دور الهجري وتعدّه حليفاً؛ وهذا ما أثر سلباً على العلاقة بالمجتمع السوري الأوسع، معتبراً أن مطالب أهل السويداء لم تتغير وهي احترام خصوصية المجتمع الدرزي والهرمية الدينية وعدم دخول أحد من خارجهم ليحكمهم.

من المؤكد أن جميع التحديات التي تواجهها الحكومة الانتقالية هي ذات أبعاد إقليمية أو دولية، إلى جانب التداعيات المحتملة للأوضاع الداخلية «غير المستقرة» على مستقبل البلاد ووحدة المجتمع. وتمثل إسرائيل وتهديداتها وتعهداتها بالتدخل لحماية الدروز، التحدي الأكبر لقدرة الحكومة على التعاطي مع مثل هذه الملفات.

لكن عاملي التمسك بالمركزية و«انعدام الثقة» ولو جزئياً يجعلان ملف الطائفة الدرزية ومن خلفه ملفات بقية المكونات السورية أبرز التحديات التي تواجه «الشرع» ووحدة المجتمع السوري وسيادة البلد ووحدته الترابية.