مقاتلو حزب الله يصطحبون صحافيين في «جولة محاكاة» وهمية بالقلمون السورية

الرحلة نافذة على الممر الهام للحزب والمعارضة السورية بين سوريا ووادي البقاع

مقاتلو حزب الله يصطحبون صحافيين في «جولة محاكاة» وهمية بالقلمون السورية
TT

مقاتلو حزب الله يصطحبون صحافيين في «جولة محاكاة» وهمية بالقلمون السورية

مقاتلو حزب الله يصطحبون صحافيين في «جولة محاكاة» وهمية بالقلمون السورية

من خلف نظارته الشمسية وببزّته العسكرية المموّهة قدم الضابط شرحا تفصيليا، مستعينا بخريطة مثبتة على جذع شجرة العرعر، مشيرًا إلى دوائر حمراء قال إنها آخر ما تبقى من «معاقل الإرهابيين». وجرت جولة المحاكاة فوق هضبة من الحجر الجيري بسوريا يوم الجمعة الماضي ضمت كل العناصر التي توجد عادة في جبهة القتال في صفوف القوات الأميركية في العراق: الضباط يرفضون الحديث في السياسة، والتحذير من التقاط صور تضرّ بالأمن.
قدم الشرح قائد ميداني من حزب الله وقام مسؤولو العلاقات العامة لديه باستقبال دزينة السيارات التي حملت الصحافيين للمكان. وكان حزب الله، موضع اهتمام إعلامي الأسبوع الماضي، لذا يسعى لتغير انطباع أن حملته الشرسة في سوريا موضع انتقاد.
وتصدر قنوات حزب الله الإخبارية نشرات عاجلة عن معارك جديدة تجرى بمنطقة القلمون الحدودية الجبلية، حيث استعر القتال بعدما انتهى فصل الشتاء وانحسر الجليد ليترك خلفه بقعا رمادية. إلا أن حزب الله يبدو أكثر قبولا وانفتاحًا على الصحافيين عن ذي قبل. وكان يوم الجمعة من الأيام النادرة التي قدم فيها حزب الله مثل تلك الجولات الإخبارية، حيث كانت الرحلة بمثابة نافذة تطل على الأميال القليلة من الممر الهام بين سوريا ووادي البقاع في لبنان ويطل كذلك على جبهة في الحرب السورية نادرًا ما يقترب منها الصحافيون. وتعد القلمون حائط صدّ في مواجهة المعارضة السورية، بما في ذلك جبهة النصرة الموالية لـ«القاعدة»، وهي أيضا ممر لحزب الله لتلقي الأسلحة من إيران عبر سوريا.
كانت الجولة كذلك بمثابة عرض لحزب الله نفسه لإظهار استمرار احتفاظه بنظامه وانضباطه رغم الضغوط المتصاعدة، وكذلك سيطرته المنفردة على أجزاء من الأراضي السورية (يؤكد حزب الله أن عمله في سوريا يتم بإذن من الحكومة السورية).
أولا: قام مسؤولو الإعلام بحزب الله بجمع عدد من الصحافيين، أغلبهم من لبنان وسوريا، وكذلك مراسلون من «نيويورك تايمز» ووكالة «رويترز». وفي بعلبك، في وادي البقاع، وحيث ولد حزب الله في ظلال معبد بعل التاريخي، تحركت السيارات إلى أعلى الجبل حتى انتهى الطريق الإسفلتي وتوقفت السيارات عند الصخور.
وعند نقطة تفتيش قام ضباط حزب الله بجمع الهواتف الجوالة، متذرعين بدواعٍ أمنية، ورحب أحد المقاتلين بالضيوف قائلا: «لدينا برنامج رائع لكم اليوم»، وكانت القواعد التي حددها هي أنه «غير مسموح بالصور الفوتوغرافية للطريق أو لوجوه المقاتلين».
إن الجماعة التي تتخوف في كثير من الأحيان من وسائل الإعلام الغربية، يبدو أنها في سبيلها لتكون أكثر انفتاحا، مع سعي راعيتها، إيران، إلى الوصول لاتفاق نووي مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية.
وقد خلقت التغييرات الفوضوية في المنطقة مصلحة مشتركة جديدة، وإن كانت محدودة، بين حزب الله والولايات المتحدة، التي تعتبره منظمة إرهابية. يدين كلا الجانبين «داعش»، وهي الجماعة التي استحوذت على أراضٍ في سوريا والعراق وقتلت آلاف المدنيين، باعتبارها تهديدا وجوديا ونسخة منحرفة عن الإسلام.
أما على الصعيد الداخلي، أيضا، فيسعى حزب الله جاهدا للتصدي للدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي، من جانب الجماعات المسلحة التي هاجمت حزب الله في مقاطع فيديو تم تصويرها في القلمون. وبحسب تعبير موظف في أحد المنافذ الإعلامية التابعة لحزب الله «إنهم بحاجة إلى مواجهة هذه البروباغندا».
ينسل الطريق عبر تلال لم يكن يغطيها إلا أشجار الخشخاش ونباتات الزعتر ذات الأزهار الأرجوانية، والتي لم يكن يقطعها في السابق سوى مدقات ضيقة للمهربين والرعاة. أما الآن، فتمر الشاحنات المحملة بالسلاح والمقاتلين الواحدة تلو الأخرى في طرق يبدو أنها اتسعت مؤخرا، لتشمل مواقع لمقطورات وخياما بدائية الصنع.
وتعلو الحدود الواصلة إلى داخل الأراضي السورية هضبة تكسوها أشجار العرعر التي يصل عمرها لقرون. وعلى نقطة مرتفعة، تتمركز وحدة قتالية مسلحة بمدفع إلى ثقيل وراجمة صواريخ، تخفق فوقها رايات تحمل وجه عماد مغنية، أحد قادة حزب الله الذي تقول الجماعة إن إسرائيل اغتالته في 2008.
قال القائد، وهو يشير لخريطة طوبوغرافية تفصيلية، إن مقاتلي حزب الله دمروا 40 مجموعة قتالية، وأعطبوا ثلاث «غرف عمليات»، واستولوا على أكثر من 300 كيلومتر مربع من الأرض (نحو 116 ميلا مربعا) كان المسلحون يستخدمونها لإطلاق القذائف على القرى اللبنانية وتجهيز سيارات مفخخة لاستخدامها في هجمات في بيروت.
وقال القائد الذي رفض ذكر اسمه بمقتضى القواعد البروتوكولية، إن «ذلك أحبط تهديدا للبنان.. ما من سبيل أمامهم ليتمكنوا من العودة».
ولكن من غير الواضح مدى أهمية هذا التقدم وقدرته على الصمود، في مناطق غير مأهولة يستخدم فيها المسلحون تكتيكات «اضرب واهرب». قال القائد، إن الكثير من المسلحين كانوا قد فروا إلى معقلهم في عرسال، وهي بلدة قريبة في لبنان. وقال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، في خطاب متلفز يوم السبت، إن 13 من مقاتلي حزب الله قتلوا في معارك القلمون، كما وبخ بشدة وسائل الإعلام التي قللت من شأن هذه المعارك.
أصر القائد الميداني على معايير مهنية بعينها؛ حيث قال إنه يمكنه التعليق فقط على الاستراتيجيات، وليس السياسات، كما وبخ الصحافيين التلفزيونيين الذين كانوا يتوسلون إليه ليطلق صواريخ وهمية ليقوموا بتصويرها.
قال: «هذا مستحيل»، ورد مراسل لبناني «أنت مستحيل».
ووافق مسؤولو العلاقات العامة على أن تتحرك الوحدة فوق التلة من أجل عمل بصري مؤثر. وقام أعضاء الوحدة بذلك في صفوف متراصة ومرتبة، كأي وحدة مشاة مدربة. هرول الصحافيون التلفزيونيون إلى التقاط لقطات حية، وضعوا السترات الواقية، رغم أنهم بعيدون عن أي قتال. قال أحدهم، إن «الإرهابيين خلفنا مباشرة». ولكن مع تحرك الصحافيين بعيدا، شوهد المقاتلون وهم يغطون المدافع الثقيلة بقطع من القماش.

* خدمة «نيويورك تايمز»



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.