عمّال بلا عمل في صنعاء والسبب «فساد الحوثيين وسياساتهم»

عامل يحمل مساعدات غذائية في صنعاء (إ.ب.أ)
عامل يحمل مساعدات غذائية في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

عمّال بلا عمل في صنعاء والسبب «فساد الحوثيين وسياساتهم»

عامل يحمل مساعدات غذائية في صنعاء (إ.ب.أ)
عامل يحمل مساعدات غذائية في صنعاء (إ.ب.أ)

يتجمع نحو عشرات العمال على أرصفة تحت جسر، جنوب غربي صنعاء، يرافقهم صباح كل يوم بصيص أمل بأن يعودوا لأسرهم وأطفالهم حاملين شيئاً ما يفرحهم. لكن السياسات الحوثية والفساد تسبّبا في فقدان عشرات الآلاف من أولئك العمال أعمالهم، بحسب مصادر نقابية.
في جولة حراج العمال الثانية، تحت جسر الدوار، الذي يربط بين شارعي الستين والرباط والمحاذي لمنطقة السنينة، يحكي بعض العمال عن معاناتهم وصبرهم جراء انعدام فرص العمل، وتحديداً بمجالات البناء.
جلّ الشكاوى ذهبت صوب التأثير الذي خلّفته «سرقة الميليشيات للرواتب» على عملهم اليومي، ويقولون إن الرواتب كانت تشكل شريان حياة ورافداً مهماً لتحريك سوق العمل، سواء في مجال البناء أو التجارة العامة أو غيرهما.
ويُبدي محمود مهدي، وهو عامل يمني في صنعاء، استياءه الكبير جراء استمرار تدهور أوضاعه وأسرته المعيشية عاماً بعد آخر، وهو عامل بالأجر اليومي وأب لـ3 أولاد؛ حيث تضاءلت أمامه فرص العمل.
ويقول مهدي (40 عاماً) إنه كان يخرج بعد تناول وجبة العشاء بأغلب ليالي رمضان الفائت مع نجله الأكبر لقضاء ساعات طوال على مقربة من جسر مشاة بشارع الستين المحاذي لشارع الرباط في صنعاء، على أمل أن يجد عملاً يسد به رمق أطفاله، لكن دون جدوى.
ويجد كثير من العمال أنفسهم في غالبية الأيام من دون عمل نتيجة الأوضاع السيئة التي تمر بها البلاد، وسببها الانقلاب الحوثي وسوء الإدارة الحوثية أيضاً.
ويعمل آخرون مضطرين لدى مقاولين يصفوهم بـ«الجشعين» نظير المبالغ الزهيدة التي قال عمال إنها «لا تغطي نصف مصروفاتنا اليومية».
وأوضح العمال أن التوقف شبه الكلي لقطاع البناء في صنعاء وبقية مدن سيطرة الميليشيات أثّر بشكل سلبي على حياتهم وواقعهم المعيشي، لافتين إلى أن ذلك القطاع يعد بمثابة المشغل الحيوي والأكبر بالنسبة لهم وللملايين من عمال الأجر اليومي.
واتهمت مصادر نقابية في العاصمة اليمنية صنعاء الميليشيات الحوثية بمواصلتها مضاعفة معاناة الملايين من عمال الأجر اليومي، وذلك من خلال انتهاجها سياسات الفساد المنظم ضد ما تبقى من مقومات القطاع الاقتصادي التي قادت إلى تدهور سوق العمل وتفشي البطالة واتساع رقعة الفقر والجوع.
وقال مصدر نقابي: «جاءت مناسبة يوم العمال العالمي هذا العام لتبرز مجدداً مأساة وأوجاع ملايين اليمنيين الذين طحنتهم الأوضاع التي خلّفتها الجماعة الحوثية بسبب انقلابها على التوافق الوطني وإشعال الحرب».
وطبقاً لأرقام النقابات في مناطق سيطرة الحوثيين، يفقد سنوياً عشرات آلاف اليمنيين أعمالهم بسبب فساد الميليشيات وتضاؤل فرص العيش وتوقف رواتب الموظفين الحكوميين؛ حيث دفعت الجماعة نحو مليون و200 ألف موظف حكومي في السنوات الماضية إلى العمل بالأجر اليومي.
يعود مهدي هنا ليؤكد أنه وأسرته يكابدون في السنوات الأخيرة نتيجة استمرار حالة التدهور التي تشهدها صنعاء على الأصعدة كافة، حيث غياب تام لفرص العمل مع تفشٍ مخيف للبطالة.
وأشار إلى أنه لم يعد باستطاعته الإيفاء بالحد الأدنى من احتياجات أسرته المعيشية، بعد أن توقف عمله وتحول إجبارياً إلى مجرد عاطل عن العمل، في ظل توقف حركة الإنشاءات وارتفاع أسعار السلع.
وتقول المصادر النقابية إن توقف قطاع البناء في صنعاء ومدن يمنية أخرى نتيجة أسباب عدّة، يتصدرها الانقلاب، أفقد بشكل إجباري ملايين العمال اليمنيين بالأجر اليومي بطرق مباشرة وغير مباشرة أعمالهم، وحرم أسرهم من دخلهم اليومي.
ولا توجد إحصائية موثوقة بعدد عمال الأجر اليومي الذين تأثروا بصورة مباشرة جراء الانقلاب والحرب الحوثية، لكن مصدراً بالاتحاد العام لنقابات عمال اليمن بصنعاء يقدّرهم بالملايين، يضاف إليهم مليون ونصف مليون موظف حكومي، تستمر الميليشيات بنهب رواتبهم منذ 4 أعوام وأكثر.
وقال المصدر: «إن أولئك العمال وغيرهم باتوا يعيشون ظروفاً بالغة القسوة، وانضموا أخيراً إلى رصيف البطالة؛ ما فاقم من أوجاع ومعاناة أسرهم المعيشية»، متابعاً: «هناك الملايين، من بينهم أصحاب أعمال فردية وصغيرة، كانوا يتقاضون أجراً، وجميع هؤلاء أصبحوا اليوم من دون أعمال في ظل استمرار الانقلاب الحوثي، بينما الأرقام الرسمية تفيد بوجود نحو 5 ملايين عاطل فقط». كما أضاف بأن «فاتورة الانقلاب والحرب الحوثية كانت قاسية على العامل اليمني بالدرجة الأولى، كون تداعياتها الاقتصادية أثقلت كاهله، وزادت من معاناته، لانعدام فرص العمل، وتدني سعر صرف الريال، نتيجة انعدام الإنتاج، وما تلاه من ارتفاع للأسعار».
وكانت تقارير محلية وأخرى دولية أكدت أن الحرب التي شنّها الحوثيون رفعت معدل البطالة نسباً كبيرة، بعد إغلاق عدد كبير من الشركات والمصانع والمحلات أبوابها وتسريح عمالها.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».