«الإنفلونزا العظمى»... يوثِّق للجائحة الأكثر فتكاً في العالم

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

«الإنفلونزا العظمى»... يوثِّق للجائحة الأكثر فتكاً في العالم

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

طفت الإنفلونزا الإسبانية على السطح مجدداً في خضم مواجهة العالم لجائحة كورونا، في مقاربة علمية بين أعراض الجائحتين، وكيفية التوصل للقاح وطرق العلاج والوقاية، بخاصة أن ثمة تشابهاً في أعراض الإصابة، يتمثل في مهاجمة الفيروس للرئتين والجهاز المناعي للجسم، محاولاً اختراقه وكسر توازنه وإحداث خلل به يؤدي إلى الوفاة.
الكاتب والمؤرخ الأميركي «جون إم باري» يكشف أبعاد هذا التشابه في كتابه الموسوعي «الإنفلونزا العظمى» وتداعيات الجائحة المعروفة باسم «الإنفلونزا الإسبانية»، التي تعد الجائحة الأكثر فتكاً في العالم (1918 - 1919)، وذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولي؛ حيث ظهرت أولاً في أميركا، بأحد معسكرات الجيش في ولاية تكساس، ثم سرعان ما انتشرت في بلدان كثيرة، وحصدت كما يقول بيل غيتس في كلمة له على ظهر غلاف الكتاب «ما يناهز 100 مليون إنسان على وجه الأرض في 24 أسبوعاً».
الكتاب قام بترجمته إلى العربية الكاتب والمترجم المصري إيهاب عبد الحميد، وصدر عن دار «ذات السلاسل» بالكويت في 608 صفحات من القطع الكبير، ويضم 10 فصول وخاتمة، وهو مزود بصور وملزمة ضافية من المراجع، ورغم ضخامته إلى أنه يتميز بأسلوب سلس وشيق، يتخذ من سردية الأمراض والكوارث مفاتيح لقصص إنسانية، تقترب كثيراً من نسق القصة والرواية والحبكة البوليسية.
يعد باري (1947) أحد المتخصصين في الكتابة عن الكوارث. ومن أهم كتبه الصادرة في هذا السياق؛ «الطموح والقوة... قصة حقيقية عن واشنطن»، و«المدّ المتصاعد... فيضان المسيسبي العظيم عام 1927 وكيف غيّر أميركا»، و«روجر ويليامز وخلق الروح الأميركية... الكنيسة، والدولة، وميلاد الحرية»، و«ألعاب القوة... السياسة، وكرة القدم، ورياضات دموية أخرى».
وحول قصة الكتاب، يقول في مقدمته: «ليست قصة فيروس إنفلونزا عام 1918 مجرد قصة عن الخراب والموت والهلاك الذي حلّ بمجتمع يخوض حرباً ضد الطبيعة، تواكبت مع حرب ضد مجتمع بشري آخر. إنما هي أيضاً قصة عن العلم، عن كيف يفكر المرء، وكيف يغير طريقة تفكيره، عن كيف استطاع بضعة رجال في خضم فوضى عارمة التماس التأمل الهادئ ورباطة الجأش، لا من أجل التفلسف، وإنما من أجل اتخاذ خطوات باتّة جازمة، لمواجهة أول صدام حديث بين العلم والطبيعة».
وفي فصول الكتاب، يكشف المؤلف خبايا تلك الجائحة، وما اكتنف مواجهتها من غموض وأسرار، لافتاً إلى أن صراعات الحقيقة تجلت في تعامل البلدان، خاصة الأوروبية، مع الوباء بصورة غير واقعية، مؤكداً أن تفاصيل «الإنفلونزا العظمى» (1918 - 1919) لا تقل أهمية عن التفاصيل السرية التي أحاطت بها. وبحسب ما يروي، فإنه في خضم الحرب العالمية الأولى، هجم نوع جديد من الإنفلونزا على القوات المتحاربة في أوروبا، على جوانب خطوط إطلاق النار. لكن السياسيين قرروا، بضغوط من العسكريين، عدم إعلان الخبر حتى لا تتأثر معنويات الجنود.
هكذا، أبقت بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، ودول أوروبية أخرى الموضوع سراً. وذلك لأن إعلان أي جانب للخبر كان سيعتبر انتصاراً للجانب الآخر.
في الوقت نفسه، كانت إسبانيا محايدة في الحرب. وعندما وصل المرض إليها لم تتردد الصحف في إعلان الخبر، وسارعت الحكومة، وأمرت، ليس فقط بوضع احتياطيات، ولكن أيضاً، بزيادة نشر الخبر للمساعدة في الوقاية من المرض. حتى إصابة ملك إسبانيا بالمرض نشرتها صحف إسبانيا في صدر صفحاتها الأولى. هكذا، صار المرض «إسبانياً»، ومن هنا تمت تسميته وتعريفه باسم « الإنفلونزا الإسبانية». وكان السبب هو أن الإسبان قالوا الحقيقة. يشار إلى أن دار نشر «بنغوين» في نيويورك قامت بإعادة إصدار هذا الكتاب، ليكون متوفراً لدي القراء في طبعة رقمية، وكان الكتاب الورقي صدر أول مرة عام 2005. وبسبب وباء «كورونا»، زاد إقبال الأميركيين على قراءته وغيره من الكتب.
كم اشتهر مؤلفه جون باري، واختارته إدارة جورج دبليو بوش، وباراك أوباما للمشاركة في استراتيجيات مكافحة الأوبئة في الولايات المتحدة.
أما المترجم إيهاب عبد الحميد، فهو كاتب ومترجم مصري من مواليد 1977. له عدد كبير من الترجمات، من بينها «قصة الجنس البشري عبر التاريخ» لري تاناهيل، «نظام الزمن» لكارلو روفيللي»، «صيحة القطعة 49» لتوماس بينشون، «جنلمان في موسكو» لأمور تاولز.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.