الأميركي ديفيد ليترمان يودع مشاهديه بعد 20 عامًا من التألق

بعد 6 آلاف برنامج من «ليت نايت شو»

ديفيد ليترمان
ديفيد ليترمان
TT

الأميركي ديفيد ليترمان يودع مشاهديه بعد 20 عامًا من التألق

ديفيد ليترمان
ديفيد ليترمان

لم يكن جوني كارسون مشهورا خارج الولايات المتحدة. كان ذلك في ستينات وسبعينات القرن الماضي، قبل تلفزيونات الأقمار الفضائية. لكن، يتذكر الأميركيون في ذلك الوقت: «هيييررززز جووووني» («ها هو جوني»، كما يقدمه إدوارد ماكماهون الذي اشتهر، هو الآخر، فقط لأنه كان يقدم جوني).
بعد يوم 20 في هذا الشهر، لن يشاهد الأميركيون، وغير الأميركيين الذين يشاهدون قنوات أميركية، صيحة: «هيييرززز ديييفييددد» (ها هو ديفيد). ديفيد ليترمان، خليفة جوني كارسون. كما يقدمه الآن كولتار، خليفة إدوارد ماكماهون).
لابد أن برنامجا تلفزيونيا يشتهر فيه الذي يقدم مقدم البرنامج يجب أن يكون برنامجا ناجحا. لخمسين عاما، ظل كثير من الأميركيين يسهرون حتى الساعة الحادية عشرة والنصف (بعد نشرة الأخبار الأخيرة) ليشاهدوا برنامج «ليت نايت شو» (البرنامج الليلي المتأخر). بسبب اختلافات التوقيت، ربما لا يجب على الذين خارج الولايات المتحدة أن يسهروا ليشاهدوه.
يركز البرنامج على الفكاهيات. حتى إذا قدم شخصيات جادة. في عصر كارسون، كانوا ممثلي وممثلات السينما والتلفزيون. وفي عصر ليترمان، صاروا سياسيين كبار، ورؤساء جمهورية، ومرشحين لرئاسة الجمهورية. منذ الرئيس كلينتون (1992)، ظهر في البرنامج كل الرؤساء، وكل المرشحين. لهذا، زاد الإقبال على البرنامج. وكما قال ديفيد فيسكوف، محرر الشؤون الإعلامية في صحيفة «نيويورك تايمز»: «صار برنامج ليترمان واحدا من أنجح عشرة برامج في التلفزيونات الأميركية. يبدو أن برنامج سلفه، جوني كارسون، كان يدعو للتثاؤب».
لكن، الآن اقترب عمر ليترمان من السبعين، وجاء وقت تسليم ميكرفون البرنامج إلى شخص آخر، بعد عشرين عاما تقريبا. وبعد ستة آلاف برنامج تقريبا.
لم تكن بدايته موفقة، وذلك لأنه دخل في منافسة مع جاي لينو، واحد من مشاهير برامج مقابلات السهرة، حول من يخلف كارسون. ثم انفرد كل واحد ببرنامج خاص به، واستمرت المنافسة، وفاز ليترمان مرات، وفاز لينو مرات. هكذا، بعد ستين عاما، يظهر الجيل الثالث من نجوم المقابلات التلفزيونية الليلية. يظهر جيمي فانون، وجيمي كيميل (في قنوات تلفزيونية أخرى). ويظهر ستيفن كولبيرت (في قناة ليترمان، خليفة له).
عن هذا قال ليترمان: «يذهب جيل، ويأتي جيل. ربما جاء وقت مقدم برنامج أسود، أو مقدمة برنامج أنثى. توجد نجمات فكاهة رائعات، وواعدات».
لم تكن كل سنوات ليترمان رائعة. خاصة عندما تفوق عليه لينو. وخصوصا عندما اتهم بأنه «تقدمي» (في القاموس السياسي الأميركي، يعنى هذا أكثر تطرفا من «ليبرالي»). غير أن نجم ليترمان تأثر بهبوط نجم قناة «سي بي إس». لأكثر من ثلاثين عاما، كانت الأولى، ثم ظهرت قناة «فوكس». وعندما فازت «فوكس» باحتكار منافسات كرة القدم الأميركية (البرنامج الأول في التلفزيونات الأميركية)، هبطت «سي بي إس» إلى المرتبة الخامسة (بعد «إي بي سي» و«إن بي سي» و«سي إن إن» و«فوكس»). ثم أجرى ليترمان عملية في القلب. غاب فترة طويلة، ثم قضى فترة نقاهة طويلة، وتأثر برنامجه.
ثم جاءت فضيحة علاقته الجنسية مع نساء يساعدنه في برنامجه. قال عنها: «كدت أن أفقد وظيفتي. كنت أعتقد أن كل الرجال يفعلون ذلك. لكن، في وقت لاحق، تأكد لي أن هناك جانبا أخلاقيا، خصوصا لشخص في مكاني». ربما لم يفصل ليترمان لأنه لم ينف ما حدث (مثل نفى الرئيس بيل كلينتون لعلاقته الجنسية مع مونيكا لونسكي، سكرتيرة البيت الأبيض). بل تحدث عن ما حدث في برنامجه، حديثا لم يخلُ من حكمة.
في مقابلة في صحيفة «نيويورك تايمز»، تحفظ ليترمان عندما سئل عن كولبيرت، خليفته (والده أبيض من السويد، ووالدته سوداء من جنوب أفريقيا). لكن، لم يتحفظ آخرون. وسبب ذلك أنه أثار مشكلات كثيرة في الماضي لأنه أساء إلى النساء، وانتقد اليهود، وقلل من أهمية قادة أميركيين سود.
بدأ ليترمان عمله مذيعا في برنامج إذاعي، ثم مقدما للنشرة الجوية في تلفزيون محلي في شاتانوغا (ولاية تنيسي). ثم انضم إلى فرقة كوميدية في مسلسل في تلفزيون «سي بي إس». ثم انتقل إلى تلفزيون «إن بي سي» حيث حصل على برنامجه الصباحي الخاص به، وكان خليطا من أخبار ونكات.
في الأسبوع الماضي، بعد أن أعلن ليترمان تقاعده، قالت رئيسة شركة تلفزيون «سي بي إس»، ليزلي مونفيز، إن ليترمان «منح مشاهدي التلفزيون آلاف الساعات من الكوميديا، والحوارات الجادة. بالإضافة إلى وجهات نظر أمينة عن الأحداث الوطنية. كما استطاع أن يجعل المشاهير والساسة والمسؤولين في شركة «سي بي إس»، وأنا من بينهم، في حالة استنفار لتوقع أي شيء».
وأخيرًا، في مقابلة صحيفة «نيويورك تايمز»، قال لترمان إنه، في آخر برنامج له يوم 20 في الشهر الحالي، سيودع الناس مثلما ودعهم جوني كارسون، أستاذه، وأستاذ مقدمي المقابلات التلفزيونية الليلية. ودع الناس بنكتة.



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.