عضو في «السيادي» السوداني يحذّر من تدخل دولي بعد أحداث دارفور

حميدتي يشير إلى «تربص» بين القوات العسكرية وشركاء الحكم

محمد حمدان دقلو (حميدتي) لمّح علناً إلى خطورة المناداة بالتدخل الدولي (سونا)
محمد حمدان دقلو (حميدتي) لمّح علناً إلى خطورة المناداة بالتدخل الدولي (سونا)
TT

عضو في «السيادي» السوداني يحذّر من تدخل دولي بعد أحداث دارفور

محمد حمدان دقلو (حميدتي) لمّح علناً إلى خطورة المناداة بالتدخل الدولي (سونا)
محمد حمدان دقلو (حميدتي) لمّح علناً إلى خطورة المناداة بالتدخل الدولي (سونا)

حذر مسؤول سوداني رفيع من احتمالات «تدخل دولي» لوقف القتال في غربي إقليم دارفور، ما لم تتكون لجنة «تحقيق مستقلة» تحدد الجناة وتقدمهم لمحاكمات عاجلة، في حين اشترط حاكم دارفور، الدفع بتشريع قانون، يتولى بموجبه قيادة القوات العسكرية في الإقليم للتصدي لقتل المواطنين.
وطوال الشهر الماضي شهد إقليم دارفور حالة انفلات أمني كبير، قُتل جراه أكثر من 200 شخص في كل من مدينتي «كرينك» و«الجنينة» بولاية غرب دارفور بأيدي مسلحين مجهولين، نسبتهم السلطات المحلية وشهود عيان إلى قوات «الجنجويد» الشهيرة. ونقل عن إداري أهلي السلطان، سعد عبد الرحمن بحر الدين، قوله، إن «المجزرة الفظيعة التي شهدتها المنطقة نُفذت بواسطة ميليشيات إجرامية عابرة للحدود تواطأت معها الأجهزة الأمنية الحكومية»، مع تلميحات إلى مشاركة قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي».
وحذر عضو مجلس السيادة الانتقالي، الهادي إدريس، والذي يقود قوات «حركة تحرير السودان» المجلس الانتقالي، في مخاطبة سياسية بجلسة معايدة نظمها حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، بالخرطوم أمس، من تحول أحداث القتل المروع التي شهدتها ولاية غرب دارفور الشهر الماضي، إلى بوابة الباب أمام «التدخل الدولي» لكشف تفاصيل الجريمة المروعة، ويضع البلاد أمام تحدٍ كبير.
واشترط إدريس للحيلولة دون «التدخل الدولي» تكوين «لجنة تحقيق وطنية محايدة»، وقال «نحن في حاجة إلى لجنة تحقيق وطنية محايدة، بغض النظر عن الحديث عن أي لجنة أخرى»، وهو تلميح وإشارة إلى اللجنة الرسمية المكونة من قِبل مجلس السيادة برئاسة النائب العام، وتابع «يجب عدم تكرار ما حدث في غرب دارفور في أي مكان آخر».
وقال، إن ما حدث في كرينك والجنينة «فَقْدٌ كبير وجلل»، لم تشهده البلاد من قبل، وما زالت آثاره تخيم على المشهد في الإقليم، وتابع «لم نشهد أحداث موت مثيل في وقت قريب من تاريخ السودان، يُقتل فيه أكثر من 200 شخص في غضون ساعات أو يوم»، موجهاً انتقادات كبيرة لما أطلق عليه «الضمير الوطني»، وما وصفه بسكوته عن تلك المجزرة، وأضاف «ما حدث في غرب دارفور يجب ألا يمر، أو يتحول لمناسبة كلامية، بل يجب أن نقف فيه لنعرف المتسببين في كل هذا القتل، وما هي أهدافهم».
وأشار إدريس إلى ما أطلق عليه «طريقة قتل الناس وتصويرهم»، ووصفها بأنها «ثقافة جديدة»، يقصد بها إثارة الأحياء قبل الموتى، وقال «عندما تقتل زول وتصوره؛ فالهدف ليس المقتول بالطبع، بل إثارة الشخص الذي لم يمت، وهذا كلام خطير يجب أن نقف عنده».
وأرجع عضو مجلس السيادة أزمة دارفور إلى أنها أزمة وطنية، وأن مبادرة الجبهة الثورية التي يترأسها لحل الأزمة السياسية، بأنها «أزمة غياب مشروع وطني لحكم السودان»، وقال «منذ الاستقلال فشلت النخب في الاتفاق على مبادئ تأسيسية لقيام دولة حديثة تختفي فيها صورة الهامش والمركز، وهي السبب في دوران البلاد في حلقة مفرغة مستمرة».
بيد أن نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي» والذي يقود قوات الدعم السريع التي تشير بعض أصابع الاتهام إلى ضلوعها في الأحداث، أرجع النزاع في دارفور إلى عدم الاتفاق وقبول البعض، بقوله «قبول البعض ينهي مشاكل البلاد»، وهي إشارة إلى حالة عدم التوافق بين القوى السياسية والمكوّن العسكري الذي تسلم السلطة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ولمح {حميدتي} علناً إلى خطورة المناداة بالتدخل الدولي، و«غمز قناة» زميله في عضو مجلس السيادة الهادي إدريس الذي حذر في المخاطبة ذاتها من احتمالاته، بقوله «الناس اللي بتكلموا عن المجتمع الدولي، فهو كان موجوداً وتحت البند السادس، وبوجود قوات حفظ السلام المشتركة (يوناميد)، كان الناس يموتون بالمئات، وفي نيالا مثلاً قُتل أكثر من 500 في يوم واحد».
وأشار إلى لجنة النائب العام، بالقول بـ«النسبة للجان فهناك لجنة سياسية، ولجنة محايدة برئاسة النائب العام تعمل»، وقال «اللجان السابقة كانت سياسية، لكن الآن سلمنا كل ما يلينا القانون، وسنراجع اللجان بشفافية، ما في داعي (تتربصوا علينا بالكلام)»، وأضاف «المجتمع الدولي اللي بتتكلموا عنه، ما بيعمل ليكم أي شي، أنت سيد البلد فمن يموت ولدك وتترمل أختك، ونحن ديل الخسرانين وندفع الثمن... لذلك؛ يجب أن نتسامح فاليوم يوم عفو، ونحفظ الحق وما نجامل زول».
ووصف {حميدتي} ما يحدث في دارفور بأنه «مصطنع ومخطط ومعروف»، ويتطلب «الصبر والحكمة والمواجهة، والتوافق»، بقوله «مشكلة السودان أن أي واحد عنده رأي في الآخر»، وتابع «يجب أن نقبل بعض، لنستطيع قيادة البلاد والذهاب لديمقراطية حقيقية».
وتباهى {حميدتي} بما أسماه «انحياز» القوات النظامية للتغيير وإطاحة الرئيس الأسبق عمر البشير، وقال «لو لم ننحاز للتغيير كقوات نظامية لما تم التغيير، ولكان عمر البشير حاكم حتى اليوم»، وشدد «حدث تغيير وعلينا قبوله، وبعدها يمكن أن (نشيل) (حميدتي) لو لم يكن متعلماً أو يستحق مكانة».
ولمح إلى خلافات مكتومة بين المكون العسكري «الجيش وقوات الدعم السريع»، بقوله «السلام كان بين ناس الجيش وناس الحركات، لكن الآن وكل واحد (يتدبى) - يتربص - بالثاني، والطرفين لا يثقون في بعضهم البعض»، ودعاهم للاتفاق والثقة لإكمال ما تبقى من عملية السلام التي نصت عليها اتفاقية سلام جوبا، وعلى وجه الخصوص الترتيبات الأمنية.
وبلهجة تصالحية، دعا {حميدتي} القوى السياسية إلى التوافق لعقد «ورش» حوار لإزالة الخصومة، بقوله «نحن متخاصمون، وهناك أحزاب لا تلتقي بنا، ما ذنبنا، تعالوا قولوا لينا نحن غلطانين في شنو، ناقشونا، انتم أحزاب وفاهمين ونحن مساكين، نكشف الورق ونشوف الغلطان».
وحذر {حميدتي} القوى السياسية التي تطالب بعودة العسكريين للثكنات وقوات الدعم السريع في الجيش من ضياع الثورة، وإنهم يحافظون على ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 بقوله «رفعنا يدنا عنكم (الحميض بنجض) – مثل محلي وقوع الواقعة - ونحن حتى الآن محافظين على الثورة... ولن نقبل الظلم، حتى لو شتمونا لو اشتكيتونا للأمم المتحدة».
وأرجع {حميدتي} مشاركته في إجراءات 25 أكتوبر، والتي تعتبرها القوى المدنية انقلاباً عسكرياً، إلى عدم وجود اتفاق، بيد أنه أبدى استعداده لوضع يده مع «كل الناس لوضع رؤية موحدة، نقبل بعض بدلاً من أن يتربص كل منا بأخيه»، كما وجه انتقاداً حاداً لقوات الأمن ولمح إلى فشلها في مواجهة عمليات النهب والسلب التي تتم في الخرطوم بأنها مقصودة، بقوله «قنعنا من هذه البلد وهذا النفاق، أين الأجهزة التي كانت من المفروض أن (تحارب 9 طويلة) – مصطلح شعبي يطلق على عمليات النهب – فهم معروفون، أين الأجهزة التي بمقدورها (لمهم) في يومين».
ودعا إلى كشف ما أطلق عليه «مخطط تدمير البلاد»، وكشف أي خائن أو مجرم يقتل أبناء البلاد أمام الشعب، وتابع «قدموا الناس للمحاكم، وسنقدم أنفسنا للمحاكمة وحدنا، لكن حكم (قراقوش) لن يقودنا إلى أمام».
من جهته، أرجع المضيف حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، الأحداث في إقليمه إلى عدم تسلمه للسلطة فعلياً؛ لأن القوات العسكرية والأمنية والعسكرية الكفيلة بوقف القتال خارج سلطته، ودعا إلى تشريع «قانون الإقليم» والذي بموجبه، تؤول سلطة تحريك القوات له كحاكم إقليم، وشدد على أن مشكلة دارفور لن تحل ما لم تحل الأزمة السياسية في الخرطوم.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».