أسعار العقار في لندن تأخذ أبعادًا «جنونية»

أحد المنازل في ضاحية ساوث كنزنغتون تزداد قيمته 1.8 مليون دولار سنويًا

جانب من العاصمة البريطانية لندن
جانب من العاصمة البريطانية لندن
TT

أسعار العقار في لندن تأخذ أبعادًا «جنونية»

جانب من العاصمة البريطانية لندن
جانب من العاصمة البريطانية لندن

يعتبر العديد من سكان لندن أن سوق العقارات فيها أصابها مس من الجنون في السنوات الأخيرة، بارتفاعات باهظة في الأسعار شهرا بعد شهر. وتفوق الأسعار حاليا قدرة الأغلبية الساحقة من العاملين في لندن حتى في الوظائف العليا، حيث يحتاج المشتري في فئة المدخل العقاري إلى أجر سنوي لا يقل عن 77 ألف إسترليني (115 ألف دولار) حتى يستطيع أن يحصل على عقار متواضع في المدينة. ولا يستطيع من كان أجره أقل من ذلك تدبير التمويل العقاري اللازم للشراء، ولذلك يلجأ إلى الإيجار.
أحد الأمثلة على الارتفاع الجنوني في أسعار عقارات لندن منزل في منطقة ساوث كنزنغتون اشترته حكومة كويبك الكندية منذ ثماني سنوات بثمن بلغ 3.3 مليون إسترليني (نحو 4.9 مليون دولار)، لكنه معروض الآن للبيع في السوق بمبلغ 13 مليون إسترليني (19.5 مليون دولار). ويعني هذا أن العقار زاد نحو عشرة ملايين إسترليني في ثماني سنوات، بمعدل 21.7 ألف إسترليني أسبوعيا، أو 130 جنيها كل ساعة! وتشير الزيادة في ثمن العقار إلى تحقيق معدل 1.25 مليون إسترليني (1.87 مليون دولار) سنويا.
وهو ليس من العقارات المرموقة في غرب لندن، فهو مكون من ثلاثة طوابق ويضم ثلاث غرف نوم وثلاثة حمامات وثلاث غرف أخرى تستخدم لتخزين الأغراض، بالإضافة إلى غرفة مكتب وأخرى للطعام. ويأتي المنزل مع ترخيص لتوسعته حتى مساحة 5.182 قدما مربعة.
وتتوقع بعض شركات العقار أن تكتسب عقارات لندن زيادات مطردة في الأسعار، خصوصا في القطاع الفاخر، بعد نتيجة الانتخابات العامة التي فاز فيها حزب المحافظين. فقد انتهت مخاطر فرض ضرائب على العقارات الفاخرة أو فرض قيود أو تجميد على الإيجارات.
لكن حتى من قبل ظهور نتيجة الانتخابات، جاءت نتائج تطور الأسعار في شهر أبريل (نيسان) الماضي لتثبت أن متوسط الزيادة في العقار العادي في لندن زاد بنحو 100 إسترليني (150 دولارا) يوميا. وحققت الأسعار العقارية في لندن من مارس (آذار) 2014 إلى مارس 2015 زيادة سنوية قدرها 8.5 في المائة.
ويقول مارتن إيليس، الاقتصادي العقاري في بنك «هاليفاكس»، إن هناك عدة عوامل وراء هذا الارتفاع المتسارع لأسعار العقار في لندن، منها تحسن الاقتصاد البريطاني وفرص التوظيف المتاحة، بالإضافة إلى أسعار الفائدة المتدنية تاريخيا. من ناحية أخرى تبقى إمدادات العقار الجديد محدودة مع نقص في العقارات المعروضة للبيع.
ويصل متوسط سعر العقار في فئة المدخل في لندن حاليا إلى نحو 360 ألف إسترليني (540 ألف دولار)، ويتحمل المشتري المزيد من المصروفات الأخرى مثل رسوم التمغة وتكاليف المحامي والتسجيل. وتكمن مشكلة الشباب في بريطانيا في التمويل، حيث ترفض البنوك الإقراض العقاري إذا ما إذا كان الدخل المشترك من الزوجين لا يغطي أقساط العقار الشهرية، بما في ذلك تكاليف الفوائد. ويدفع هذا الشباب إلى خيار التأجير إلى درجة إطلاق الإعلام البريطاني على الجيل الحالي لفظ «جيل المستأجرين»، لأن هذه هي المرة الأولى التي ينشأ فيها جيل جديد لا يستطيع تمويل شراء عقار لسكن الأسرة.
وزادت نتيجة الانتخابات العامة من الشكوك وعدم الثقة من إجراءات تعسفية قد تقوم بها حكومة عمالية خصوصا ضد أصحاب العقارات الفاخرة والمستثمرين الأجانب. والآن، وقد زالت هذه الشكوك، جاء الانفراج من المشترين ومن البائعين على السواء، وكلا الطرفين كان يؤجل القرار إلى حين تتضح الرؤية في الأسواق.
ورصدت بعض شركات لندن في الأسبوع الماضي نشاطا يزيد عن معدله المتوسط في هذا الوقت من العام بنحو 20 في المائة. وقالت مديرة إحدى شركات العقار إنها تلقت في اليوم التالي لظهور نتيجة الانتخابات 50 استفسارا من مشترين يبحثون عن عقارات في لندن في مختلف القطاعات.
وسوف تزيد الإيجارات أيضا في لندن خصوصا مع دخول موسم الصيف السياحي، ونهاية خطر تحديد الإيجارات التي هدد بها حزب العمال. ويفضل العديد من السياح العرب تأجير عقارات لندنية خلال فصل الصيف بدلا من الإقامة في الفنادق، حيث تتاح لهم هوامش أكبر من الحرية والخصوصية. وما زال تأجير العقار أرخص نسبيا من الإقامة في الفنادق.
وهناك وكالات تأجير في لندن حاليا تتخصص في تأجير العقار السياحي باليوم أو الأسبوع مع تقديم خدمات إضافية، مثل التوصيل من وإلى المطار والقيام بخدمات كونسيرج وتسوق للسياح.
وأكدت بيكي فاطمي، من وكالة «روكستون» العقارية، أنها باعت في اليوم الأول بعد الانتخابات عقارات قيمتها 26 مليون إسترليني (39 مليون دولار) في سباق لإكمال الصفقات بالأسعار المتفق عليها وقبل أن تتصاعد الأسعار مرة أخرى. وتنفس البائعون والمشترون الصعداء بعد نهاية فترة عدم الاستقرار. وأضافت بيكي أن سوق العقار في لندن بعد الانتخابات لا تماثل على الإطلاق السوق قبل الانتخابات.
وبينما زالت معظم عوامل الخطر من سوق العقارات البريطانية، على الأقل لمدة خمس سنوات أخرى هي عمر الحكومة الجديدة، فإن هناك جانبا سياسيا ما زال يشغل بال أسواق العقار في بريطانيا. فقد وعد رئيس الوزراء المنتخب ديفيد كاميرون بأن يعرض مسألة عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام (بعد الحصول على شروط محسنة للعضوية). ويمثل هذا العامل بعض القلق للمستثمرين لأن خروج بريطانيا من أوروبا في استفتاء شعبي سوف ينعكس سلبيا على الاقتصاد البريطاني وبالتالي على القيم العقارية البريطانية.

* الاستثمار الأجنبي
* ويبدو أن الاستثمار الأجنبي في لندن لم يتأثر كثيرا بمخاوف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويقول مايلز شيبسايد، من شركة «رايت موف»، إن مشكلة معظم وكالات العقار في القطاع الفاخر في لندن هي إيجاد الإمدادات العقارية الكافية التي تسد شهية المستثمرين الأجانب. ولا تحد صعوبة التمويل من الاستثمار الأجنبي في لندن، حيث تتم معظم الصفقات نقدا، وبذلك يتجنب المستثمر الأجنبي كل القيود التي تفرضها البنوك البريطانية والدولية على الإقراض العقاري.ومع تراجع الفرص للعثور على عقارات جيدة داخل لندن، انتقل الاهتمام الأجنبي إلى الضواحي وإلى الريف البريطاني الذي تشهد مناطق فيه نسب ارتفاع تماثل تلك التي تتحقق في لندن.
وتوضح رسوم بيانية عن تطور أسعار العقار البريطانية أصدرتها شركة «سافيلز» أنه بعد كبوة عام 2008 التي تراجعت معها أسعار العقار البريطانية بنسبة 15 في المائة، تواصل الارتفاع المتناسق بين المناطق البريطانية حتى عام 2010. لكن مؤشر لندن انطلق في السنوات الخمس الأخيرة في ارتفاع حاد انفصل فيه عن بقية المناطق البريطانية.
وبالمقارنة مع معدل أسعار عام 2007، تعافت أسعار معظم المناطق البريطانية واستعادت قيمتها وزادت قليلا عن المعدل السابق. أما عقارات لندن ومنطقة الجنوب الشرقي في إنجلترا فقد حققت ارتفاعات كبيرة عما كانت عليه الأسعار في عام 2007، وبنسب تزيد على 20 في المائة.
أحد العوامل التي أدت إلى زيادة الضغط على الأسعار في لندن كانت الزيادة السكانية في العقد الأخير. فمنذ خمسينات القرن الماضي ظل تعداد لندن في تراجع مستمر، لكن التعديد استأنف الزيادة في العقد الأول من القرن الحالي. وشملت هذه الزيادة وسط لندن والضواحي أيضا. ويعزو أهل لندن هذه الزيادة إلى الهجرة من أوروبا، خصوصا بعد زوال القيود على انتقال مواطني دول شرق أوروبا التي انضمت مؤخرا إلى الاتحاد الأوروبي. وكانت الهجرة غير المحسوبة إحدى القضايا الرئيسية في الحملة الانتخابية السابقة التي ظهرت فيها للمرة الأولى جماعات وأحزاب تناهض الهجرة وتطالب بالخروج من الاتحاد الأوروبي واستعادة السيطرة على الحدود.
أيضا تشير إحصاءات شركة «نايت فرانك» إلى أن الطلب الأجنبي على عقارات لندن السكنية في الوقت الحاضر يكاد يتعادل مع الطلب المحلي بنسبة 49 في المائة من الإجمالي وهي الأعلى في كل بريطانيا. أما في مجال مشاريع الإسكان الجديدة في لندن فإن الطلب الأجنبي يرتفع إلى نسبة 69 في المائة من الإجمالي مقابل 31 في المائة فقط للبريطانيين.
وعلى الرغم من أزمة المساكن في لندن فإن نسبة تصل إلى 20 في المائة من الشقق والعقارات التي يشتريها الأجانب تبقى شاغرة معظم فترات العام. ويضاعف هذا الوضع من مصاعب شراء الشباب البريطانيين لعقارات من أجل الإقامة والعمل في لندن، الأمر الذي أدى إلى مظاهرات غاضبة خلال الأسابيع الأخيرة.
من ناحية أخرى، تنتعش سوق تأجير العقارات في لندن، حيث يصل متوسط الإيجارات إلى 1300 إسترليني (نحو ألفي دولار) شهريا لشقة صغيرة. وتقول شركات تأجير العقار إن معدل زيادة الإيجارات سنويا يزيد بمعدل أربعة أضعاف على متوسط زيادة الأجور.
فما هي توقعات أسعار العقار في لندن هذا العام؟
من المتوقع أن يستمر التوجه الإيجابي للأسعار هذا العام بعد عام مماثل في العام الماضي، خصوصا بعد نتيجة الانتخابات العامة التي أزاحت من السوق مخاوف إجراءات حزب العمال. ويعتقد مايكل بروس، مدير شركة «بلو بريكس» العقارية، أن العام الحالي سوف ينقسم إلى قسمين، الأول يشهد انتعاشا كبيرا عقب الانتخابات، بينما يتجه النصف الثاني إلى المزيد من الاستقرار. وهو يلمح إلى ضرورة الحرص من الانجراف الحماسي وراء تهليل بعض خبراء العقار لانطلاقات قوية لسوق العقارات في لندن، لأنه يعتبر الأسعار متضخمة بالفعل وقد تتعرض إلى موجة تصحيح لا يعرف أحد موعدها.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»