مقتل مسؤول في «الشيوعي» العراقي بنزاع عشائري جنوب البلاد

احتجاجات ضد الغلاء الشهر الماضي في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار بجنوب العراق (أ.ف.ب)
احتجاجات ضد الغلاء الشهر الماضي في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار بجنوب العراق (أ.ف.ب)
TT
20

مقتل مسؤول في «الشيوعي» العراقي بنزاع عشائري جنوب البلاد

احتجاجات ضد الغلاء الشهر الماضي في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار بجنوب العراق (أ.ف.ب)
احتجاجات ضد الغلاء الشهر الماضي في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار بجنوب العراق (أ.ف.ب)

تتواصل النزاعات العشائرية في جنوب العراق متسببة في مقتل عشرات المواطنين سنوياً لأسباب عادة ما تكون «تافهة» في نظر كثيرين، ولا تتطلب اللجوء إلى أعمال عدائية وسفك الدماء. وتُتهم الأجهزة الأمنية على نطاق واسع هناك بالضعف والتراجع أمام الانفلات العشائري والعجز عن إيقافه وردعه. وفي معظم الأحيان، بات ذلك الانفلات وكأنه أكثر قوة من معظم المؤسسات الرسمية الأمنية في الجنوب، ما يشجع العناصر العشائرية المنفلتة على المزيد من التمادي وعدم الاكتراث بالقانون.
وفي آخر تطور لملف النزاعات العشائرية الدموية في محافظة ذي قار الجنوبية التي تتصدر لائحة المحافظات في هذا المجال، قُتل، أول من أمس، مسؤول في الحزب «الشيوعي» العراقي في قضاء الشطرة (40 كيلومتراً شرق مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار).
وقالت مصادر الشرطة إن «مشاجرة بالأيدي حدثت بين أقارب تربطهم صلة المصاهرة بسبب مشكلات قديمة، مما أسفر عن وفاة العضو في الحزب الشيوعي بقضاء الشطرة عزيز عويد الخفاجي، مواليد 1943، بعد إصابته بسكتة قلبية». وأضافت أن «المشاجرة أسفرت أيضاً عن إصابة أحد أولاده بجروح وكدمات».
ونقلت مصادر إخبارية عن المسؤول في الحزب الشيوعي العراقي في قضاء الشطرة شهيد الغالبي قوله إن «عضو محلية الحزب الشيوعي العراقي في الشطرة عزيز عويد سلطان قُتل إثر نزاع عشائري». وأضاف أن «النزاع العشائري متواصل منذ سبعة أو ثمانية أشهر، وحاول سلطان حله، لكنه لم يستطع». وكشف عن أن «عدداً من الأشخاص انهالوا عليه وعلى ابنه بالسلاح الأبيض (السكاكين) وسط السوق في مدينة الشطرة، وقتلوه، فيما أصيب ابنه بجروح ويرقد الآن في المستشفى، وفرّ الجناة إلى جهة مجهولة».
وجاء الحادث بعد نحو أسبوع من مقتل مدير استخبارات عمليات سومر، العميد علي جميل خلف، أثناء توجهه لفض نزاع عشائري في قضاء الشطرة.
والقضاء الذي تسيطر عليه اليوم النزاعات والمشاحنات العشائرية، كان من بين أكبر معاقل الحزب الشيوعي العراقي، إبان فترة صعوده في عقود الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وكانت تطلق عليه تسمية «موسكو الصغرى»، بالنظر لانخراط عدد كبير من رجال القضاء وشبابه في تنظيمات الحزب الشيوعي. لكن المدينة «الشيوعية» السابقة تحولت إلى تسمية «كربلاء الصغيرة» بعد صعود موجة الإسلام السياسي بعد 2003. وكانت المدينة تضم، حتى منتصف القرن الماضي، خليطاً من مسلمين، إلى جانب أقليات يهودية ومسيحية وصابئية قبل أن تختفي منها معظم الأقليات بعد ذلك.
ويعزو مصدر صحافي أسباب الانفلات العشائري في ذي قار إلى أسباب عديدة، وضمنها «ضعف الأجهزة الأمنية مقارنة بقوة العشائر». ويقول المصدر الذي فضل عدم كشف هويته لـ«الشرق الأوسط» إن «محافظة ذي قار عموماً تبدو وكأنها خارجة عن سلطة الدولة وتخضع فعلياً لسطوة للزعامات العشائرية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع أحزاب وفصائل السلطة». ويضيف أن «العشائر تمتلك أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وحتى البعيدة، والعميات التي تطلقها الأجهزة الأمنية لنزع تلك الأسلحة لا يكتب لها النجاح في معظم الأحيان، بل إن بعض القادة الأمنيين يقومون مسبقاً بإبلاغ العشائر لإخفاء أسلحتها قبل وصول القوة الأمنية».
ويستبعد المصدر «رؤية نهاية قريبة لآفة النزاعات العشائرية التي تفتك بأبناء الجنوب لعوامل معقدة وتاريخية تختلط فيها المصالح والأطماع الشخصية والسياسية وحتى الدينية في بعض الأحيان».
وفي تطور لاحق ظهر أمس (السبت)، كشف مصدر أمني في ذي قار عن القبض على 11 مشتبهاً بهم في حادثة المشاجرة في قضاء سوق الشيوخ (محافظة ذي قار) التي راح ضحيتها مواطن يعمل مدرساً لمادة الفيزياء في إحدى مدارس القضاء.
وذكر المصدر أن «الأجهزة الأمنية في سوق الشيوخ وبعد حادثة القتل التي حصلت بمنطقة الأحسائية نفذت عمليات دهم وتفتيش للمنطقة أسفرت عن القبض على 11 متهماً بحادثة المشاجرة وضبطت عشرات الأعتدة والأسلحة وصادرتها».



بنك الأهداف الأميركية يتوسّع في مناطق سيطرة الحوثيين

على مدار الساعة تستهدف المقاتلات الأميركية مواقع مختارة للحوثيين (الجيش الأميركي)
على مدار الساعة تستهدف المقاتلات الأميركية مواقع مختارة للحوثيين (الجيش الأميركي)
TT
20

بنك الأهداف الأميركية يتوسّع في مناطق سيطرة الحوثيين

على مدار الساعة تستهدف المقاتلات الأميركية مواقع مختارة للحوثيين (الجيش الأميركي)
على مدار الساعة تستهدف المقاتلات الأميركية مواقع مختارة للحوثيين (الجيش الأميركي)

وسَّعت الولايات المتحدة من بنك أهدافها في مناطق سيطرة الحوثيين مع انقضاء أسبوع على بدء ضرباتها الجوية على مواقع الجماعة في شمال اليمن، لتشمل إلى جانب مخابئ القادة ومراكز القيادة والسيطرة، مخازن الأسلحة ومواقع إطلاق الصواريخ والمسيَّرات.

ومع تحديد الإدارة الأميركية هدفها بمنع استهداف الحوثيين لحركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، دون الخوض في الصراع الداخلي اليمني، بات من المؤكد أنها سوف تستهدف قيادات ومراكز سيطرة، ومواقع إطلاق الصواريخ والمسيَّرات.

ولهذا امتدت الضربات من استهداف مخابئ قادة الصف الأول للحوثيين ومراكز القيادة والسيطرة، إلى المناطق التي تضم المخازن السرية للأسلحة، والتي تتمركز في محافظتي صنعاء وصعدة، وإلى مواقع إطلاق الصواريخ والطيران المسيَّر، وتوسَّعت رقعة الاستهداف لتشمل معظم المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة.

مواقع تخزين الأسلحة في طليعة الأهداف الأميركية (إعلام محلي)
مواقع تخزين الأسلحة في طليعة الأهداف الأميركية (إعلام محلي)

ولأن الحوثيين عادة ما يقومون بنقل الأسلحة من المخازن المعروفة إلى مواقع جديدة، خصوصاً في محافظتي صعدة والحديدة، فقد تركزت الضربات الأميركية خلال الأيام الماضية على هاتين المحافظتين، مع استمرار استهداف مواقع مختارة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، ولكنها توسَّعت لتشمل نحو 7 محافظات، حوَّلها الحوثيون إلى مواقع لإطلاق الصواريخ والمسيَّرات أو تخزين الأسلحة بعيداً عن أعين السكان حتى لا يتم الإبلاغ عنها واستهدافها.

صعدة وصنعاء

تظهر الضربات، خلال الأسبوع الماضي، أن محافظة صعدة تحتل الأولوية في بنك الأهداف الأميركية، حيث استُهدفت بأكثر من 30 غارة حتى الآن، لأنها تحتل أهميةً خاصةً قد تعادل أهمية صنعاء، بوصفها مركز ولادة حركة الحوثيين، وهي اليوم معقلهم الرئيسي، وفيها يعيش عبد الملك الحوثي منذ ولادته، ويدير مناطق سيطرته من أحد الكهوف الجبلية، ولم يُعرف عنه ظهوره في أي تجمعات أو أماكن خارجها، وينحدر منها جل قيادات الصف الأول للجماعة والجناح العسكري والأمني.

وإلى جانب ذلك، توفر الطبيعة الجبلية للمحافظة مأوى مناسباً لقيادة الجماعة، وزاد من أهميتها وجود كهوف طبيعية تمت تهيئتها لتكون مواقع للاختباء وقيادة العمليات في أثناء الحرب بين الجمهوريين والملكيين في ستينات القرن الماضي. وقد استحدث الحوثيون مزيداً من هذه الكهوف بمساعدة خبراء إيرانيين، حيث تم استحداث خنادق إضافية في الجبال وتحتها؛ لتخزين الأسلحة وإدارة العمليات القتالية وإخفاء قادتهم، خصوصاً الجناح العسكري والمخابراتي، ولهذا فرَّ إليها أغلب القيادات من صنعاء؛ للاحتماء من الضربات الأميركية.

مخابئ قادة الحوثيين في طليعة أهداف الولايات المتحدة (إعلام محلي)
مخابئ قادة الحوثيين في طليعة أهداف الولايات المتحدة (إعلام محلي)

أما العاصمة المختطفة صنعاء فاحتلت المرتبة الثانية في عدد الغارات التي استهدفتها، وتكمن أهميتها إلى جانب كونها عاصمة البلاد، في وجود المقرات الرئيسية لقيادة الجيش والاتصالات وأكبر المطارات، وثاني أهم قاعدة عسكرية جوية ومركز المخابرات.

كما أنها مقر لمجلس حكم الحوثيين لمناطق سيطرتهم، ويوجد بها قادة الصف الأول للجماعة، ومن بينهم المرشحون لخلافة عبد الملك الحوثي، مثل أخيه عبد الخالق، الذي عُين قائداً لقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة السابقة، ومحمد علي الحوثي، عضو مجلس الحكم، الذي يتزعم أحد أجنحة الجماعة.

كذلك يوجد في المدينة عبد الكريم الحوثي، وزير الداخلية في الحكومة التي لا يعترف بها أحد، وهو أيضاً عم عبد الملك، إلى جانب أنه يتزعم أحد الأجنحة التي تنافس بقوة على النفوذ والأموال، حيث يتحكم الرجل بقوات الشرطة والأمن المركزي، ويشرف على جهاز مخابرات مستقل تم إنشاؤه مؤخراً وأُطلق عليه جهاز استخبارات الشرطة، وعُين على رأسه علي حسن الحوثي النجل الأكبر لمؤسس الجماعة.

الحديدة وحجة

كما تركزت الغارات على محافظة الحديدة ذات الأهمية الاستراتيجية، ويوجد بها ثاني أكبر مواني اليمن، وهي الآن المنفذ البحري الوحيد المتبقي تحت سيطرة الجماعة الحوثية، وتعد أهم مصدر لجمع الأموال، سواء من عائدات دخول البضائع للسكان في تلك المناطق، الذين يقدر عددهم بنحو 60 في المائة من سكان البلاد، أو من خلال الضرائب التي تتم جبايتها من كبار التجار وأهم المصانع التي توجد في هذه المحافظة.

وإلى جانب ذلك، يوجد في المحافظة ميناء الصليف وميناء رأس عيسى النفطي، ومقر قيادة القوات البحرية وقوات خفر السواحل والكلية البحرية، كما تضم مواني صغيرة مثل ميناء اللحية وميناء الحيمة، ويستخدم الحوثيون معظم هذه المواني لتهريب الأسلحة وتدريب مقاتلين من الصومال وإثيوبيا.

أحد مواقع الحوثيين المستهدفة في محافظة الجوف (إعلام محلي)
أحد مواقع الحوثيين المستهدفة في محافظة الجوف (إعلام محلي)

وتأتي محافظة حجة في المرتبة الثالثة من الأهمية لأسباب مرتبطة بموقعها، حيث تمتد من ساحل البحر الأحمر إلى أعلى المرتفعات الجبلية، كما أنها مخزون بشري للمقاتلين الحوثيين، حيث تطل المحافظة على البحر عبر ميناء ميدي الخاضع حالياً للقوات الحكومية، كما أن مرتفعاتها الجبلية المطلة على البحر حوَّلتها إلى مركز للمراقبة واستهداف السفن.

ولا يقتصر بنك الأهداف الأميركية على المحافظات الرئيسية لأنشطة الحوثيين العسكرية، لكنه امتد إلى محافظات أخرى، مثل البيضاء جنوب شرق صنعاء، حيث يتم تخزين الصواريخ والطائرات المسيَّرة هناك، ويستغل الحوثيون المرتفعات الجبلية التي تطل على خليج عدن لإطلاق الصواريخ والمسيَّرات على السفن.

وكذلك الأمر في محافظة الجوف المجاورة لمحافظة مأرب، حيث قامت الجماعة بنقل عدد من الصواريخ والطيران المسيَّر إلى هناك، كما تحشد قواتها بغرض مهاجمة منابع النفط والغاز الخاضعة للحكومة الشرعية.