حسب آخر استطلاعات الرأي، فإن ستة من كل عشرة فرنسيين لا يريدون أن يتمتع حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأغلبية في البرلمان في انتخابات تشريعية تُجرى في يونيو (حزيران)، وهذا يزيد من فرص مرشح اليسار جان - لوك ميلانشون للحصول على أكبر عدد من المقاعد في الجمعية الوطنية. وميلانشون، الذي قال إنه يريد أن يكون رئيساً للوزراء في حكومة ائتلافية يمكنها أن تعرقل أو تخفف من حدة العديد من الإصلاحات التي يرغب ماكرون في إقرارها، وبالأخص زيادة سن التقاعد، حصل على 21.9 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، متخلّفاً بفارق ضئيل عن مرشّحة اليمين المتطرف مارين لوبن التي نالت 23.15 في المائة من الأصوات، وخسرت الجولة الحاسمة أمام الوسطي ماكرون، الفائز بولاية رئاسية ثانية. ومن هنا جاءت دعوة ميلانشون، أمس (السبت)، الأحزاب اليسارية الأخرى التي ينخرط معها في مفاوضات تحضيراً للاستحقاق النيابي إلى نبذ «الثقافة الانهزامية»، منتقداً «غرقهم في مشكلاتهم الداخلية».
وبرزت تكاليف المعيشة كأولوية للناخبين في انتخابات هذا العام. ويتزامن ذلك مع ارتفاع حاد في أسعار الغذاء والطاقة والبنزين التي كان من بين أسبابها الاضطرابات التي أعقبت جائحة «كورونا» والحرب في أوكرانيا. ويقول مسؤولون من مناطق الطبقة العاملة إن الناخبين غاضبون بشكل خاص من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، بما يشمل الخبز والأرز وزيت دوار الشمس المنتج في أوكرانيا.
وأظهر استطلاع أُجري هذا الأسبوع، أن 61 في المائة من الناخبين الفرنسيين سيفضلون أن تسفر الانتخابات البرلمانية في 12 و19 يونيو عن أغلبية معارضة لماكرون. وتزيد تلك النسبة إلى 69 في المائة بين الناخبين من الطبقة العاملة وإلى ما يقرب من 90 في المائة بين الناخبين من اليمين المتطرف واليسار المتطرف. وبعد فوز ماكرون بالانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، يأمل حزبه وهو حزب الجمهورية إلى الأمام في الفوز أيضاً بأغلبية مطلقة مجدداً مثلما حدث في الولاية الأولى لماكرون. وفاز ماكرون، الأحد، بولاية رئاسية ثانية حاصداً 58.55 في المائة من الأصوات في مقابل 41.45 في المائة لمنافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبن، وفق أرقام رسمية صدّق عليها، الأربعاء، المجلس الدستوري المكلّف بالإشراف على حسن سير الانتخابات ودستورية القوانين. وشهد الاقتراع مقاطعة انتخابية بلغت 28.01 في المائة. وإذا لم يتمكن الحزب الحاكم وحليفه من الحصول على أغلبية المقاعد، فسيضطر ماكرون لعقد اتفاق للتوصل لائتلاف حاكم مع أحزاب أخرى. وانخرط حزب ميلانشون «فرنسا الأبيّة» في محادثات مع أحزاب يسارية أخرى، بغية التوصل إلى اتفاق بشأن الاستحقاق التشريعي.
ويواجه ماكرون المنتمي لتيار الوسط، اتهامات منذ وقت طويل بأنه منعزل عن المواطنين ويميل للنخبة، وهو ما منع بعض الناخبين اليساريين من التصويت له في جولة الإعادة التي جرت الأحد الماضي ضد المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن. وقال ماكرون للصحافيين في سيرجي التي فاز فيها المرشح اليساري المتطرف جان - لوك ميلانشون بنصف الأصوات تقريباً في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة: «أريد أن أقدم في بداية ولايتي الجديدة رسالة احترام ومراعاة لهذه المناطق التي تعد من بين أفقر المناطق في البلاد». تقول مصادر مقربة من ماكرون إنه بحاجة إلى مواجهة التحدي الذي يمثله ميلانشون في الانتخابات البرلمانية، وهي عقبة حاسمة ستحدد قدرة الرئيس على الحكم للسنوات الخمس المقبلة.
ويسعى ميلانشون إلى حصد غالبية في الانتخابات المرتقبة ما من شأنه أن يمكّنه من تولي رئاسة الحكومة، وبالتالي فرض تعايش مع رئيس الجمهورية. ويُفترض أن تُختتم الأحد المحادثات مع أحزاب البيئة والشيوعي والاشتراكي والحزب الجديد المناهض للرأسمالية (لم يبلغ أي منها عتبة 5 في المائة)، لكن المفاوضات تشهد تذبذباً منذ عشرة أيام. والسبت، قال ميلانشون، في تصريح لصحيفة «جورنال دو ديمانش»، إن حزبه عرض على بقية الأحزاب اليسارية «معركة للفوز»، متسائلاً «أليس هذا الأمر موحّداً؟»، مضيفاً: «عليهم أن ينبذوا ثقافة الخسارة» وأن «يتحلّوا بإرادة الفوز». وتابع: «الفوز بالنسبة إلى بعض من شركائنا، وهمٌ. ثقافتهم انهزامية على الدوام. يستسلمون للغرق في مشكلاتهم الداخلية».
ومساء الجمعة، بعدما بدأت ترتسم ملامح اتفاق مع الحزب الاشتراكي وحزب الخضر، علّق الاشتراكيون مشاركتهم في المفاوضات، مطالبين حزب فرنسا الأبية بـ«نبذ منطق الهيمنة والقبول بالتعددية». ويرفض بعض من صقور الحزب الاشتراكي وأقلية في هذا الفصيل السياسي الذي كان سابقاً أكبر الأحزاب اليسارية في البلاد، هذا التقارب التاريخي مع «فرنسا الأبية». وفي الدورة الأولى لم تحصد مرشّحة الحزب الاشتراكي للرئاسة آن إيدالغو سوى 1.75 في المائة من الأصوات. وتوافق قيادة الحزب الاشتراكي على بعض من العناوين الاشتراكية التي يطرحها «فرنسا الأبية»، خصوصاً على صعيد الحد الأدنى للأجور وسن التقاعد، لكنّ الفصيلين يقفان على طرفي نقيض فيما يتعلّق بالسياسة الخارجية، إذ يرفض الاشتراكيون «عدم الامتثال للمعاهدات الأوروبية» و«عدم الانحياز» للولايات المتحدة في ملف أوكرانيا الذي يؤيده حزب ميلانشون. ويبدي ميلانشون «تفاؤلاً» حول إمكان التوصل إلى اتفاق، لكنّه يحذّر من مخاطر الفشل قائلاً: «لن يقبل الناس أن يُسلب منهم الفوز مرتين على يد أولئك الذين يرفضون تشكيل هذه الغالبية الجديدة». ومن المفترض أن يتم الإعلان عن اتفاقية لاختيار مرشحي «الاتحاد الشعبي»، التسمية التي اقترح ميلانشون إطلاقها على التكتل اليساري، في السابع من مايو (أيار).
استطلاعات الرأي ترجح حكومة ائتلافية مع اليسار الفرنسي تعرقل إصلاحات ماكرون
ميلانشون يطمح لأن يكون رئيسها... ويدعو إلى نبذ «الثقافة الانهزامية»

سيتم الإعلان قريباً عن اتفاقية لاختيار مرشحي «الاتحاد الشعبي» التسمية التي اقترح ميلانشون إطلاقها على التكتل اليساري لخوض الانتخابات التشريعية (أ.ف.ب)
استطلاعات الرأي ترجح حكومة ائتلافية مع اليسار الفرنسي تعرقل إصلاحات ماكرون

سيتم الإعلان قريباً عن اتفاقية لاختيار مرشحي «الاتحاد الشعبي» التسمية التي اقترح ميلانشون إطلاقها على التكتل اليساري لخوض الانتخابات التشريعية (أ.ف.ب)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة