صالح حوّل جبال صنعاء إلى منصة صواريخ

اليمنيون تفاجأوا بحجم السلاح المخزن في عاصمتهم

عناصر من المقاومة اليمنية موجودون في ضواحي صنعاء تحسبا لهجومات من المتمردين الحوثيين أمس (أ.ف.ب)
عناصر من المقاومة اليمنية موجودون في ضواحي صنعاء تحسبا لهجومات من المتمردين الحوثيين أمس (أ.ف.ب)
TT

صالح حوّل جبال صنعاء إلى منصة صواريخ

عناصر من المقاومة اليمنية موجودون في ضواحي صنعاء تحسبا لهجومات من المتمردين الحوثيين أمس (أ.ف.ب)
عناصر من المقاومة اليمنية موجودون في ضواحي صنعاء تحسبا لهجومات من المتمردين الحوثيين أمس (أ.ف.ب)

تحولت الجبال المحيطة بالعاصمة اليمنية صنعاء، خلال ثلاثة عقود من حكم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، إلى ثكنات عسكرية ومخازن للأسلحة الثقيلة والصواريخ القاتلة. وبدلا من استغلال المقومات الطبيعية والجمالية للمدينة وتحويل الجبال المحيطة بصنعاء إلى أماكن تدخل البهجة والسرور على سكان العاصمة من خلال إنشاء المنتجعات الترفيهية، كما في مختلف عواصم العالم، وأجهزة التلفريك للربط بين جبلي نقم شرق العاصمة وجبل عصر غربها، تحولت الجبال المحيطة بصنعاء إلى أداة قتل ومنصة إطلاق لصواريخ الكاتيوشا واللو التي أمطرت سكان صنعاء، في نهار الحادي عشر من مايو (أيار)، بعشرات الصواريخ والقذائف والشظايا التي تناثرت شرقا وغربا، وانطلقت من قمة جبل نُقم، بشكل عشوائي، إلى مختلف أرجاء العاصمة، إثر استهدافها بغارة من طيران تحالف عاصفة الحزم، الأمر الذي تسبب في سقوط نحو 90 قتيلا ومئات الجرحى في يوم مأساوي بامتياز.
تحيط الجبال بالعاصمة صنعاء وتخومها من كل الجهات، ويمتد بعضها داخل المدينة التي يقطنها ثلاثة ملايين يمني. لكن جميع الجبال والمناطق المرتفعة في العاصمة تعد ثكنات ومواقع عسكرية ومخازن للأسلحة يحظر الاقتراب منها، أو الاستثمار فيها، خاصة في العقد الأخير من حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح إثر إسناد قيادة قوات الحرس الجمهوري والخاص، وهي قوات النخبة في الجيش اليمني، لنجله الأكبر أحمد مطلع عام 2004م، حتى إن السلسلة الجبلية الممتدة على طول الضاحية الغربية من العاصمة صنعاء، باتت تعرف بـ«مناطق أحمد» في السنوات الأخيرة.
ومن أبرز السلسلة الجبلية المحيطة بصنعاء، أو الممتدة داخلها، جبل «نُقُمْ» شرق صنعاء. ومن جهة الغرب يشمخ جبل عصر المطل على العاصمة الذي يعد أحد أكثر المواقع الاستراتيجية العسكرية التابعة لقوات الحرس الجمهوري على طول سلسلته الجبلية الممتدة إلى شارعي الثلاثين والخمسين، إضافة إلى منطقة عطان التي استهدفها طيران التحالف بأكثر من غارة خلال الأسابيع الماضية كإحدى أهم ثكنات ومخازن الأسلحة في العاصمة. فضلا عن جبل النهدين الشهير، في وسط غربي العاصمة، والذي يطل على دار الرئاسة وتتمركز فيه قوات الحماية الرئاسية إلى جانب اللواء الثالث مدرع، أحد أهم ألوية الحرس الجمهوري وأكثرها عتادا وعدة، والذي كان قائده إلى عام 2012م نجل شقيق الرئيس السابق طارق صالح.
وتفاجأ سكان صنعاء قبل أيام بحجم السلاح المخزن في عاصمتهم، إثر استهداف مقاتلات تحالف عاصفة الحزم، في الحادي عشر من مايو الحالي، أحد أهم مخازن السلاح العسكرية في جبل نقم شرقي العاصمة. إذ تحول الجبل إلى شرارة نار وقاذفة حمم. وعلى مدى ساعات متصلة تحول جبل نقم إلى منصة إطلاق لصواريخ اللو والكاتيوشا المخزنة في الجبل الذي تنشر حوله وأسفله التجمعات السكانية بكثافة، الأمر الذي تسبب في ارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين الذين راحوا ضحية تحويل عاصمتهم إلى مخازن للسلاح والصواريخ القاتلة.
وسمعت أصوات الصواريخ في مختلف أرجاء العاصمة طوال ساعات النهار والمغربية. ووصل بعضها إلى مسافة 4 كيلومترات من موقع الإطلاق في جبل نقم. ففي منطقة جولة سبأ سقط صاروخان في منطقة سكنية الأول بالقرب من سوق قات، تسبب في وفاة امرأة، في حين أصاب الآخر منزل مالك فرن للخبز في شارع تونس حسبما أفادت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط». وفي وسط العاصمة وأحد أحيائها الشعبية سقط صاروخ في قسم شرطة الجدري في حي الزراعة دون أن يتسبب في وفيات. فضلا عن تضرر مستشفى الثورة أكبر المستشفيات الحكومية، وتهدم بنك الدم التابع للمستشفى إثر سقوط قذيفة عشوائية عليه.
وتجولت «الشرق الأوسط» في منطقة نقم صبيحة اليوم التالي والتقطت عدستها صورا للمساكن الشعبية المتضررة من تطاير الصواريخ على سكان المدينة. وروى عزيز علي أحد سكان منطقة نقم لـ«الشرق الأوسط» الرعب الذي عاشه وأسرته في ذلك اليوم منتقدا تكديس هذا الكم من الأسلحة والصواريخ في منطقة شعبية تكتظ بالسكان. يقول عزيز: «لقد رأيت الموت بأم عيني، وكانت الصواريخ تتطاير بشكل سريع ومروع في مختلف الاتجاهات، فأصابتني الحيرة ولم أدر ما الخيار الصائب: مغادرة وإجلاء أسرتي من المنطقة فورا، أم البقاء في المسكن خشية الصواريخ المتطايرة حيث يصبح الخروج والبقاء في الشارع أكثر خطورة».
وغادر عزيز وأسرته، والكثير من السكان منطقة نقم. وكانت قوات تحالف عاصفة الحزم قد ألقت عشرات المنشورات على سكان المنطقة، على مدى الأسابيع الماضية، وطلبت من جميع السكان القريبين من الجبال والمناطق العسكرية مغادرة منازلهم حرصا على سلامتهم.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.