غيوم ملبّدة في سماء العلاقات الجزائرية ـ الإسبانية

تراشق حاد بين كبار المسؤولين بسبب نزاع الصحراء

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون (أ.ب)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون (أ.ب)
TT

غيوم ملبّدة في سماء العلاقات الجزائرية ـ الإسبانية

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون (أ.ب)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون (أ.ب)

تمرّ العلاقات الجزائرية - الإسبانية بواحدة من أسوأ فتراتها بسبب خلاف غير معهود في وجهتي النظر حيال نزاع الصحراء، ازداد حدّة مع مرور الوقت، قبل أن ينفجر أخيراً عقب إعلان مدريد دعمها لموقف الرباط من النزاع.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، عن عمار بلاني، المبعوث الخاص للصحراء والمغرب العربي بوزارة الخارجية، أن وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس «أدلى بتصريحات مهينة وغير مقبولة»، بخصوص تصريحات للرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، حول «التغيّر المفاجئ» لمدريد من مسألة الصحراء وطريقة حلّها.
وأكد بلاني، أن ما ذكره ألباريس لإذاعة «أوندا ثيرو» الإسبانية، أول من أمس، «لن يساهم بالتأكيد في عودة سريعة للعلاقات الثنائية إلى طبيعتها، وعلى الوزير الإسباني أن يتحمل عواقب ذلك»، مبرزاً أن وزارة الخارجية الإسبانية «حاولت تصحيح الوضع مع الصحافة الإسبانية، ولكن نحوز على تسجيل صوتي يثبت أن الوزير قد أدلى بالفعل بتصريحات مسيئة، تتناقض مع السلوك واللياقة البروتوكولية». ولم يذكر بلاني ما قال ألباريس بالضبط عن الرئيس تبّون.

                                                              رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز (أ.ب)
وجاء في تصريحات رئيس الدبلوماسية الإسبانية لـ«أوندا ثيرو» «لن أؤجج خلافات عقيمة، لكن إسبانيا اتخذت قراراً سيادياً في إطار القانون الدولي وليس هناك شيء آخر يمكن إضافته»، في إشارة إلى انتقادات حادة صدرت عن الرئيس الجزائري بخصوص تأييد مدريد مشروع الحكم الذاتي في الصحراء، المرفوض بشدّة من الجزائر و«بوليساريو» اللتين تدافعان عن اقتراح إجراء «استفتاء لتقرير المصير» في الإقليم تحت إشراف الأمم المتحدة.
وأكد المسؤول الإسباني، أن «من بين كل هذه التصريحات، ما احتفظ به هو الضمان الكامل لتزويد إسبانيا بالغاز الجزائري واحترام العقود الدولية».
والسبت، ندد تبّون في مقابلة مع صحيفتين محليتين بإعلان الحكومة الإسبانية في 18 مارس (آذار) الماضي، دعمها خطّة الحكم الذاتي المغربيّة. وقال، إن الجزائر «لها علاقات طيّبة مع إسبانيا، لكنّ الموقف الأخير لرئيس الحكومة الإسبانيّة بيدرو سانشيز من القضيّة الصحراويّة غيّرَ كل شيء». وشدد على أن بلاده «لن تتدخّل في الأمور الداخليّة لإسبانيا، ولكنّ الجزائر كدولة ملاحظة (تلعب دور مراقب) في ملفّ الصحراء الغربيّة، وكذلك الأمم المتحدة، تعتبر أنّ إسبانيا القوّة المديرة للإقليم طالما لم يتمّ التوصّل لحلّ لهذا النزاع».
وقال تبّون، إن الجزائر تطالب «بتطبيق القانون الدولي حتّى تعود العلاقات إلى طبيعتها مع إسبانيا، التي يجب ألا تتخلّى عن مسؤوليتها التاريخيّة، فهي مطالبة بمراجعة نفسها». وتعهد بالمقابل بعدم تخلي الجزائر عن تعهداتها بتزويد إسبانيا بالغاز «مهما كانت الظروف».
وكان لافتاً بعد إعلان بيدرو سانشيز دعم رؤية الرباط لحل النزاع، أن الغضب الجزائري من الشريك الأوروبي الكبير لن يكون مجرّد سحابة صيف سرعان ما تنقشع أو تمرّ. فقد سحبت الجزائر سفيرها من مدريد، وربطت عودته بـ«تقديم توضيحات مسبقة وصريحة حتى يمكن إعادة بناء الثقة المتضررة بشكل خطير، بناءً على أساس واضحة ومطابقة للقانون الدولي»، مبرزة أن مسألة التحاق السفير بمنصبه من جديد «ستقررها السلطات الجزائرية سيادياً».
وأكّد بلاني، يومها، أن الأمر ليس مسألة «غضب مؤقت للجزائر سيزول مع مرور الوقت». ورد سانشيز على هذه التطورات بأن إسبانيا «تأمل حلَ هذه المشكلة الدبلوماسية خلال فترة زمنية قصيرة»، كما تأمل أن تتمكن بلاده «من الحفاظ على علاقة إيجابية واستراتيجية مع المغرب والجزائر».
ولاحقاً، أبلغت الجزائر إسبانيا قرارها برفع أسعار الغاز الذي تصدّره لها عبر أنبوب يربط صحراءها بجنوب أوروبا. وتعهدت بإمداد إيطاليا بكميات كبيرة من الطاقة، في السنوات المقبلة، لتعويض الغاز الروسي، ما أوحى بأن هذا الإجراء سيكون على حساب حصة إسبانيا من الغاز. وفوق ذلك، أوقفت الجزائر استيراد لحوم الماشية من إسبانيا. وقد اتخذت هذه التدابير شكل عقوبات، كرد فعل على الموقف الإسباني الجديد من قضية الصحراء.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.