إعادة انتخاب ماكرون تفعّل مبادرته اللبنانية بمواصفات أكثر تشدُّداً

TT

إعادة انتخاب ماكرون تفعّل مبادرته اللبنانية بمواصفات أكثر تشدُّداً

تعزز إعادة انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لولاية رئاسية ثانية الاعتقاد السائد لدى قوى سياسية رئيسية في لبنان بأن باريس لن تتخلى عن مبادرتها الإنقاذية وتستعد حالياً لتفعيلها آخذة بعين الاعتبار المطبّات التي سقطت فيها أو أُسقطت من قبل أطراف كانت في طليعة من تبنّاها وتعامل معها على أنها خريطة الطريق الوحيدة للانتقال بالبلد من التأّزُّم إلى مرحلة التعافي المالي والاقتصادي رغم أنها تعثّرت بسبب تلكؤ الحكومة في تعاونها مع المجلس النيابي في إعداد دفتر الشروط الإصلاحية للتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على جواز سفر يؤهّلها لإعادة إدراج اسم لبنان على لائحة الاهتمام الدولي.
وتؤكد مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» أن فرنسا ما قبل إعادة انتخاب ماكرون لولاية رئاسية ثانية هي غيرها الآن بعد التجديد له، وهذا ما يوفّر له مجموعة من الأوراق الضاغطة التي يستخدمها لتعويم المبادرة الفرنسية ومن موقع القوة هذه المرة، وتقول إن تلكؤ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تشريع ما التزمت به من بنود إصلاحية يتيح لباريس استخدامها للضغط من أجل تسريع تشكيل حكومة جديدة ما بعد إجراء الانتخابات النيابية وعدم ربطها بانتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للحالي ميشال عون فور انتهاء ولايته في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن لبنان الذي يقف على حافة الانفجار الشامل لا يستطيع أن يتحمل التمديد للحكومة الحالية فور الانتهاء من إجراء الانتخابات النيابية لأنها ستتحول حكماً إلى حكومة تصريف أعمال ترفع من منسوب التأزُّم بغياب الحلول لوقف الانفجار، وتؤكد أن ماكرون باقٍ على تعهداته ولن يتخلى عن إنقاذ لبنان وهو أدرج الاهتمام به على جدول أولوياته، وأن إطلاق الضوء الأخضر لبدء صرف ما أقرّه الصندوق المشترك السعودي - الفرنسي من مساعدات للمؤسسات التربوية والصحية ومن دعم للأسلاك الأمنية والعسكرية هو تأكيد على عزم المملكة العربية السعودية وفرنسا على عدم ترك لبنان يقلّع شوكه بيديه.
وترى بأن تعذُّر إقرار الكابيتال كونترول لوضع ضوابط استثنائية بالتلازم مع استحالة إقرار خطة التعافي المالي يعزز اندفاع باريس لاستخدام نفوذها لتشكيل حكومة جديدة غير الحالية التي تحوّلت قبل انتهاء ولاية البرلمان في 21 مايو (أيار) المقبل إلى حكومة تصريف الأعمال أسوة بالمجلس النيابي الذي أنهى ولايته التشريعية قبل أوانها بعد أن أخفقت اللجان المشتركة في إعادة النظر بالكابيتال كونترول لأن النواب ليسوا في وارد أن يتحمّلوا الأثقال السياسية المترتبة على إقراره خوفاً من ردود الفعل الشعبية حيال شطب ودائع المودعين في المصارف حتى لو كانوا من صغار المودعين، فيما يستعد أكثر من نصف النواب لخوض الانتخابات.
وفي هذا السياق، تسأل المصادر نفسها إذا كان المجلس النيابي العتيد سيدفع باتجاه تشكيل حكومة جديدة قبل زيارة البابا فرنسيس المقررة للبنان يومي 12 و13 يونيو (حزيران)، المقبل مع أنه من السابق لأوانه الغوص منذ الآن في تشكيلها قبل التأكد من ميزان القوى في البرلمان العتيد. كما تسأل: هل سيأخذ تشكيل الحكومة بعين الاعتبار ميزان القوى الجديد الذي يميل لصالح احتفاظ الأكثرية النيابية الحالية بمواقعها في البرلمان العتيد، وماذا سيكون رد فعل الكتل النيابية المعارضة أكانت تنتمي إلى القوى السياسية التقليدية أو منبثقة عن القوى الثورية والتغييرية؟
وينسحب السؤال نفسه على تركيبة الحكومة الجديدة وما إذا كانت ستأتي على قياس البرلمان المنتخب، أم أنها ستتشكل من التكنوقراط، وإنما ليس على شاكلة الحكومة الحالية التي اضطر رئيسها نجيب ميقاتي لتدوير الزوايا بعد أن اصطدم بعوائق حالت دون تنفيذ الإصلاحات التي أدرجتها في بيانها الوزاري وتحولت إلى مجموعة حكومات في حكومة واحدة أفقدتها القدرة على الإنتاج لوقف التدهور في ظل استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار بغياب الضوابط للسيطرة عليه، وماذا سيكون رد الأكثرية النيابية في حال المجيء بحكومة من التكنوقراط؟ وهل توافق مع انتخاب برلمان جديد أن تنأى بنفسها عن المشاركة في حكومة يُفترض من وجهة نظرها بأن يكون لها اليد الطولى في تركيبها؟
وفي المقابل هل توافق الأقلية في البرلمان إذا كانت من القوى التقليدية أو التغييرية المشاركة في حكومة لتوفير الغطاء السياسي لمنافسيها بذريعة أن هناك ضرورة للمجيء بحكومة وحدة وطنية بعد أن ثبت بالملموس أنها من أفشل الحكومات كونها تقوم على المحاصصة وتوزيع جوائز ترضية على هذا الفريق أو ذاك؟
وعليه، فإن البرلمان الجديد لن يكون إلا نسخة طبق الأصل، وكما تقول المصادر السياسية، عن واقع الحال القائم في البلد المنقسم بين مشروعين: الأول يدعو إلى استرداد السيادة واستعادة الدولة المخطوفة من محور الممانعة بقيادة «حزب الله»، والآخر يراهن على الأكثرية لتوفير الحماية لسلاحه في مواجهة الحملات التي تستهدفه بعد أن توسعت الدائرة السياسية بضم شخصيات جديدة وممثلين عن القوى التغييرية لم يسبق لهم أن رفعوا الصوت عالياً في وجه سلاحه وتجرأوا على الحزب ومن خلاله على إيران.
لذلك فإن باريس وإن كانت ستعاود تفعيل مبادرتها لإنقاذ لبنان من موقع القوة التي يتمتع بها ماكرون بانتخابه رئيساً لولاية ثانية تراهن على ما لديها من أوراق ضاغطة تستخدمها ضد القوى السياسية، وتحديداً الأكثرية في ضوء عجزها عن تحقيق ما التزمت به بغية تسريع تشكيل الحكومة، وهذا ما ينطبق أيضاً على الرئيس عون وتياره السياسي بعد أن أخفق بتحقيق ما تعهد به في خطاب القسم وأهدر الفرص التي أتاحت له الانتقال بالبلد إلى بر الأمان.
فعون لم يعد لديه نفوذ، حسب المصادر، ليعيق تفعيل المبادرة الفرنسية، ويخطئ إذا كان يعتقد أنه سيكون من الناخبين الكبار في رئاسة الجمهورية، لأن الرئيس العتيد لن يأتي على قياس الأكثرية في البرلمان الجديد، نظراً لتداخل انتخابه مع التطورات المتسارعة في الإقليم وعلى المستوى الدولي.
إضافةً إلى أن من شروط تزخيم المبادرة الفرنسية عودة باريس للتقيد بالمواصفات التي حددها ماكرون بدعوته لتشكيل حكومة اختصاصيين من غير المنتمين للأحزاب قبل أن يسحبها من التداول للمجيء بحكومة بأي ثمن.



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.