«ضد أمازون»... ماذا فعلت العولمة في صناعة الكتاب؟

خبير نشر إسباني يرى أنها تحول القارئ إلى متلقٍ سلبي

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

«ضد أمازون»... ماذا فعلت العولمة في صناعة الكتاب؟

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يرصد الباحث وخبير النشر الإسباني خورخي كاريون في كتابه «ضد أمازون» تداعيات العولمة على مهنة النشر وتأثيراتها التي يراها سلبية للغاية بل تكاد تكون مدمرة. ويضرب في الكتاب الصادر عن دار «العربي» بالقاهرة، ترجمة شرقاوي حافظ، مثالا بإحدى المكتبات العريقة التي ظلت لمدة خمسة وخمسين عاما المكتبة الرئيسية لدار النشر «جوستاف جيلي»، والآن بعد التجديدات التي بلغت تكاليفها عدة ملايين من اليوروهات أصبحت المقر الرئيسي لعملاق البيع الإلكتروني «أمازون» في نسخته المحلية بفضل الكفاءة والإنجاز الفوري اللذين يتمتع بهما على مستوى التجارة التسويق ولكن على حساب قيم أخرى مثل العراقة والتاريخ.
ويضرب المؤلف مثالا آخر بمكتبة «كاوندا» الإسبانية التي أغلقت عام 2013 بعد أكثر من ثمانين عاما من إنشائها، وأصبحت الآن مقرا ضخما لمحل «مانجو» للملابس، كما صارت مكتبة كاليفورنيا بعد أكثر من مائة عام فرعا لماكدونالدز بديكور معاصر بسيط فتحولت المصادرة والإحلال أمرا فعليا في الواقع، ورمزا تتناثر في غباره ظلال لإرث ثقافي.
على ضوء ذلك يرى خورخي كاريون مؤلف الكتاب الشهير «زيارة لمكتبات العالم»، أن أمازون ليست بمكتبة بل «هايبر ماركت» حيث تجد في منافذ الكتب المقرمشات والألعاب والزلاجات وترى في منافذها الكتب معروضة بواجهة الكتاب وليس كعبه لأنه لا تعرض إلا 6000 عنوان من الكتب «الأكثر مبيعا»، والتي ليست الأكثر قيمة بالضرورة، حيث عدد عملائها أقل بكثير من العدد الموضوع على أرفف المكتبات الأخرى الأصلية التي تخاطر لإعطاء الكتب الأخرى فرصة.
ويؤكد كاريون أن «أمازون» تدرس تكرار التجربة نفسها عن طريق إنشاء سلسلة من محلات السوبر ماركت، فمن وجهة نظرها لا فرق بين المؤسسات الثقافية ومحلات بيع الأطعمة والسلع الأخرى، مشيرا إلى أنه عندما قدمت أمازون «كيندل» القارئ الإلكتروني للكتب في 2007 نجحوا في تقليد شكل الصفحة المطبوعة ودرجة الحبر ولكن لحسن الحظ أنهم لم يتمكنوا بعد من تقديم ملمس ورائحة الورق، وسواء شئنا أم أبينا فإننا أصبحنا عاجزين عن التفرقة بين الكتاب الرقمي والكتاب الورقي، لكن لحسن الحظ فإن التغيرات الصناعية تتم بسرعة والتغيرات العقلية تتم بصورة أبطأ.
وحول تقنيات العمل يرى كاريون أن ما يقوم به العاملون في أمازون هو عمل ديناميكي لا شك في هذا، وهكذا كان دائما منذ عام 1994 حينما بدأ خمسة أفراد في العمل من جراج مديرهم في سياتل حيث كانوا مهووسين بالسرعة واستمر الأمر على هذا المنوال لمدة عشرين سنة عبر قصص مليئة بكثير من الإجهاد والمضايقات والظروف اللاإنسانية في العمل من أجل إنجازه بكفاءة رهيبة لا توفرها إلا آلة.
ويساعد العاملون في أمازون إنسانا آليا اسمه «كيفا» لديه القدرة على رفع حمولة قدرها 340 كيلوغراما ويسير بسرعة متر ونصف المتر في الثانية. ينسق الكومبيوتر العمل بين العاملين والإنسان الآلي، فيجهزون هم البضاعة من على الأرفف لتسهيل جمع المنتجات ومتى جمعوا السلع التي اشتراها العميل جمعتها آلة أخرى اسمها «سلام» على سير الناقل الضخم. إن كيفا وسلام هما نتيجة لأبحاث تمت عل مدى سنوات حيث نظمت أمازون مسابقة لتصنيع الإنسان الآلي في إطار مؤتمر دولي في سياتل وذلك بتصميم إنسان آلي يعمل بتقنية أوتوماتيكية لتجهيز الطلبات!
ويذكر كاريون أنه في إحدى السنوات كان على الآلات التي صممها أكبر معاهد التكنولوجيا مثل معهد، «mti»، أو الجامعة التقنية ببرلين إعداد تقنية ما لجمع بطة بلاستيكية أو لتغليف علبة بسكويت أو تجميع دمية على شكل كلب أو كتاب وذلك في أقصر وقت ممكن، ففيما يخص أمازون لم يكن هناك فروق أساسية بين كل تلك السلع فهي كلها متساوية ولكن الأمر ليس كذلك فيما يخصنا.
لقد تخلصت أمازون من العامل البشري تدريجيا. في السنوات الأولى استخدمت أشخاصاً لكتابة مراجعات عن الكتب التي تباع والآن لا يوجد أي وسيط. من الواضح أن الشيء الوحيد الذي يهم أمازون هو سرعة وكفاءة أداء الخدمة وذلك دون وجود وساطة فكل شيء تقريبا آلي وفوري ومع ذلك يوجد كيان اقتصادي وسياسي ضخم خلف هذه العمليات الفردية، كيان يضغط على دور النشر من أجل زيادة أرباح أمازون من كتبهم كما تفعل مع صانعي الزلاجات ومنتجي البيتزا المجمدة.
كيان كبير هو من يحدد ماذا نرى وما يصل إلينا وما الذي سيؤثر فينا، أي ببساطة أنه كيان يشكل مستقبلنا.
ويخلص كاريون إلى أنه لا يوجد بائع للكتب في أمازون فقد أبعد أي اقتراح لاستخدام أي تدخل آدمي لأنه غير فعال ويعرقل السرعة وهي القيمة الأساسية التي تقوم عليها الشركة. والحقيقة فإن الاقتراحات التي تقدمها أمازون للمشتري على موقعها ما هي إلا لوغاريتمات معقدة غير معتمدة على العنصر البشري وهو ما يضمن أعلى مستوى من السرعة والسهولة فالآلة تحول القارئ وكذلك العميل إلى مجرد ملتق سلبي.



معرض إيطالي لعشرات اللوحات الفنية المصادرة من المافيا (صور)

امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
TT

معرض إيطالي لعشرات اللوحات الفنية المصادرة من المافيا (صور)

امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)

ينطلق في القصر الملكي في ميلانو «بالاتزو رياله»، يوم الثلاثاء، معرض فني يضم أكثر من 80 لوحة، بينها روائع تحمل توقيع سلفادور دالي، وآندي وارهول، وكريستو، وجورجيو دي شيريكو؛ كلها مصادرة من المافيا جرى إنقاذها على يد محققين متمرسين في تعقّب «الأموال القذرة».

وأوضحت المسؤولة المحلية في المنطقة ماريا روزاريا لاغانا، أن «الأعمال التي كان من المفترض أن تظل مدفونة في دوائر الجريمة المنظمة أُعيدت أخيراً إلى المجتمع لتلعب دوراً رمزياً في مقاومة الجريمة».

منذ سبتمبر (أيلول)، تدير لاغانا الوكالة الوطنية لإدارة الممتلكات المصادرة من عصابات الجريمة المنظمة التي توفّر منصة تتيح للمشترين توجيه أنظارهم إلى الممتلكات المصادرة، بما يشمل سيارات «فيراري» أو دراجات نارية من طراز «هارلي ديفيدسون».

وبينما تُباع هذه السلع بمزادات علنية وباتت في متناول الجميع، يُخصص جزء منها؛ مثل: الشقق، والمنازل، والأراضي الزراعية، مجاناً لمنظمات عامة وأخرى غير حكومية.

أما بالنسبة للأعمال المعروضة في ميلانو، «فهذه سلع كان من الممكن بيعها، لكن تم اختيار الاحتفاظ بها في المتاحف، لأن لها قيمة مهمة»، حسبما أوضحت لاغانا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

«ولادة جديدة»

وقالت لاغانا: «إنها ولادة جديدة لهذه الأعمال، ويبدو الأمر كما لو كنا نُخرجها من الأرض، مثل علماء الآثار، لعرضها في أماكن يمكن للجميع رؤيتها فيها».

يحتوي المعرض الذي يحمل عنوان «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» على أكثر من عشرين عملاً تمت مصادرتها في عام 2016 من زعيم في مافيا «ندرانغيتا» النافذة في كالابريا.

امرأة تقف بجوار لوحتَي «بيازا دي إيطاليا» لجورجيو دي كيريكو و«كابانو سولا ريفا» لكارلو كارا في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (رويترز)

في الغرفة الصغيرة المخصصة للأعمال التي صادرتها محكمة ريجيو كالابريا، مطبوعة حجرية بالحبر الهندي لـ«روميو وجولييت»، بتوقيع الرسام السريالي الإسباني سلفادور دالي (1904 - 1989)، بجانب لوحة «ساحة إيطاليا» الزيتية اللافتة المرسومة على قماش بتوقيع المعلم الإيطالي جيورجيو دي شيريكو (1888 - 1978).

كما أن جدران الموقع مغطاة بقصاصات من صحف تشهد على هذه المضبوطات المذهلة، في حين مقاطع فيديو من الشرطة المالية في ريجيو كالابريا تُعرض بشكل متواصل عند مدخل المعرض.

ويأتي نحو ستين لوحة أخرى من عملية مصادرة أمرت بها محكمة روما في عام 2013 بصفتها جزءاً من عملية احتيال ضخمة مرتبطة بشبكة دولية لغسل الأموال.

ومن بين هذه الأعمال شاشة حريرية لنجم الفن الشعبي الأميركي آندي وارهول (1928 - 1987) بعنوان: «فنون الصيف في الحدائق»، وطباعة حجرية لـ«فينوس مغلفة» بتوقيع الفنان كريستو (1935 - 2020) لفيلا بورغيزي في روما.

امرأة تسير أمام تمثال «قرص به كرة» لأرنالدو بومودورو في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (رويترز)

وقالت لاغانا: «إبداع وجمال (الفن المتحرر) من الأيدي الإجرامية يتم تقديمه للرؤية الجماعية لتعزيز الثقافة، مع تحفيز الوعي بالطبيعة الخبيثة لآفة المافيا».

وتستخدم المافيا الأعمال الفنية المسروقة بوصفها عملة في تهريب المخدرات والأسلحة. ومن بين أبرز السرقات كانت لوحة «الميلاد مع القديسَيْن فرنسيس ولورانس»، وهي لوحة رسمها كارافاجيو، وسُرقت من كنيسة سان لورينزو في باليرمو عام 1969 وبقيت موضع عمليات بحث مذاك.

ويستمر المعرض الذي يمكن دخوله مجاناً حتى 26 يناير (كانون الثاني) في قصر «رياله» في ميلانو، قبل أن ينتقل إلى قصر الثقافة في ريجيو كالابريا، في الفترة من 8 فبراير (شباط) إلى 27 أبريل (نيسان).