طلب قائد الجيش اللبناني فتح تحقيق يحصّن العلاقة مع طرابلس

يتوخى منه تحديد المسؤوليات والمحاسبة لوقف المزايدات الانتخابية

العماد جوزف عون (الجيش اللبناني)
العماد جوزف عون (الجيش اللبناني)
TT

طلب قائد الجيش اللبناني فتح تحقيق يحصّن العلاقة مع طرابلس

العماد جوزف عون (الجيش اللبناني)
العماد جوزف عون (الجيش اللبناني)

الفاجعة التي أصابت طرابلس وهزت لبنان بغرق زورق وسقوط ضحايا ستترك بصماتها على الوضع السياسي في عاصمة الشمال الذي يتساوى بأزماته المعيشية والاجتماعية مع سائر المناطق اللبنانية، مع فارق أساسي لم يعد من الجائز إغفاله بتصنيف العاصمة الثانية للبنان كواحدة من المدن الأكثر فقراً على ساحل البحر الأبيض المتوسط بانعدام أبسط مقومات العيش الكريم للسواد الأعظم فيها ممن يضطرون لسلوك الممرات البحرية غير الشرعية هرباً من الموت البطيء الذي يتهددهم لعلهم يجدون الملجأ الذي يؤويهم للحصول على لقمة العيش.
فالفاجعة التي حلت بطرابلس بغياب الدولة التي لا تكترث لهموم ومآسي من يقيم فيها، وتعزز وجود المرجعية السياسية التي تنوب فيها للالتفات للأوضاع الاجتماعية والإنسانية المتردية التي يرزح سكانها تحت وطأتها ومعهم الرقم الصعب من النازحين السوريين. كل هذا يدفع بجميع هؤلاء لليأس ولا يجدون سوى الهجرة غير الشرعية، شعوراً منهم بأن مشاكلهم وإن كانت محدودة لا تُعالج بالبيانات والمواقف السياسية التي تصدر عن أركان الدولة في كل مرة تحل بسكانها مأساة كتلك التي أصابتهم من جراء غرق زورق الموت.
لكن من أصابتهم الفاجعة بفقدان أحبائهم في عرض البحر لا يمكن مواساتهم بمواقف سياسية، خصوصاً تلك التي تصدر عن كبار المسؤولين ومنهم من يغيب عن سماع أنينهم وبعضهم من يعيش في العراء، ولا يلام المصابون في رد فعلهم الفوري حيال الكارثة وقد يكون من حقهم أن يعبروا بكلمات قاسية تأتي في سياق فورة غضب، شرط أن يكف البعض عن الاصطياد في الماء العكر.
فالهجرة غير الشرعية لم تعد لبنانية فحسب، وإنما تحولت إلى ظاهرة عالمية ولا يمكن لملمة جروح وندوب ذوي المصابين إلا بمبادرة شخصية من قائد الجيش العماد جوزف عون لقطع الطريق على من يحاول استثمار الفاجعة وتوظيفها سياسيا، سواء من خلال لجوء البعض لاستغلالها في الانتخابات النيابية أو لتصفية حساباته مع المؤسسة العسكرية بشخص من يقف على رأسها، بذريعة أنه واحد من أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية، مع أن المطلوب راهناً أن نُبقي على كيان الدولة بكل علاته لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده.
وتأتي مبادرة قائد الجيش بدعوته إلى إجراء تحقيق فوري وشفاف في محلها، وما استدعاء الضابط المسؤول عن الخافرة وعناصرها من العسكريين للاستماع إلى أقوالهم بالتزامن مع الاستماع لأقوال الناجين من غرق زورق الموت لكشف الملابسات التي أدت إلى غرقه وتحديد المسؤولية إلا بمثابة تأكيد منه على مضيه في التحقيق إلى حين تبيان الحقائق بوضع النقاط على الحروف والاقتصاص من الذين يُثبت التحقيق بأن بعض من كان في الخافرة قد أساء التصرف ويجب أن ينال عقابه.
أما أن لجوء البعض ممن يحاولون استغلال وجع ذوي الضحايا إلى تعميم المسؤولية وصولاً لاستهداف قائد الجيش واستباقاً لما سيؤدي إليه التحقيق، فإنه يريد أن يأخذ البلد وليس طرابلس فقط إلى مكان آخر وعن سابق تصور وتصميم، خصوصاً أنه ليس في وارد لملمة التحقيق أو الالتفاف عليه، كما يقول مصدر أمني بارز لـ«الشرق الأوسط»، وإلا يكون في عداد من يدق مسماراً في نعش المؤسسة العسكرية، ومن يعرفه عن كثب يؤكد أنه يجمع بين حرصه على المؤسسة العسكرية وبين الحفاظ على أمن المواطنين وسلامتهم بإعطاء الأولوية لحماية السلم الأهلي، وبالتالي لن يتدخل في التحقيق لأنه يقف تحت سقف القانون.
فالفاجعة التي حلت بطرابلس التي هي مفجوعة في الأساس من جراء انعدام الخدمات المفترض أن تؤمنها الدولة لمواطنيها وتتلازم هذه المرة، كما في المرات السابقة، مع انحلال المؤسسات والإدارات الرسمية وانهيار معالم الدولة التي لم يبقَ من معالمها سوى المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية الأخرى التي يتشكل منها العمود الفقري لوجودها لتبقى على قيد الحياة كرمز لا غنى عنه لإعادة تركيبها وبعث الروح فيها.
لذلك من غير الجائز استباق التحقيق الذي باشرته مديرية المخابرات في الجيش اللبناني تحت إشراف القضاء العسكري والقفز فوقه لإصدار الأحكام بالنيات على المؤسسة العسكرية بدلاً من تحييدها وعدم التضحية بدورها وتقديمها ورقة للذين يحاولون استثمار الفاجعة في الانتخابات النيابية أو استغلالها لتصفية حساباتهم الرئاسية مع قائد الجيش بعد أن أحسنت المؤسسة العسكرية في تعاطيها مع الاحتجاجات التي انطلقت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ولم ترضخ للضغوط التي مورست عليها لوضعها في مواجهة المجموعات التي انتفضت احتجاجاً على تدهور الأوضاع وضد المنظومة الحاكمة والطبقة السياسية.
وعليه، بات من الضرورة بمكان توفير الحصانة الشعبية للمؤسسات الأمنية والعسكرية، وأن نعطي فرصة للتحقيق ليأخذ مجراه الطبيعي وحسب الأصول كشرط لتبيان الحقيقة وعدم ترك جروح ذوي الضحايا مفتوحة بما يعطي الذرائع لمن لديه أجندة سياسية، ويرى أن الظروف مواتية لركوب موجة الغضب الشعبي التي تعم حالياً الشارع الطرابلسي ويجد فيها الفرصة لتنفيذها، خصوصا أن ضرب المؤسسة العسكرية يعني حتماً بأن لبنان سيدخل في غيبوبة أمنية تضاف إلى السياسية من شأنها أن تقود إلى الانفلات الأمني على نطاق واسع.
وأخيراً فإن العماد جوزف عون يقف حالياً أمام امتحان صعب ولديه القدرة، كما يقول من يعرفه عن كثب، لتجاوز القطوع الكبير قبل أن يتمدد باتجاه مناطق أخرى تؤدي إلى تقطيع أوصال البلد بالأمن هذه المرة، وبعد أن تقطعت أوصاله سياسيا، وهذا يتطلب من الجميع التهدئة بانتظار صدور التحقيق لتحديد المسؤوليات حيال غرق زورق الموت الذي ذهب ضحيته من غامروا بأرواحهم طلباً للقمة العيش بعد أن ضاق بهم البقاء في أرضهم.
كما أن معاناة الطرابلسيين هي نسخة طبق الأصل عن معاناة اللبنانيين ومن بينهم جموع العاملين في الأسلاك الأمنية والعسكرية الذين يؤدون واجباتهم باللحم الحي ويعانون كسواهم من تردي أوضاعهم في بلد يقف على حافة الانفجار الشامل ولا يراهنون على الانتخابات النيابية خشية من أن تؤدي إلى التمديد للطاقم السياسي المشكو منه وتحميله مسؤولية انهيار البلد، خصوصاً أن «سترات النجاة» لإنقاذهم من قبل المجتمع الدولي ما زالت بعيدة المنال بعد أن تعثرت الاستجابة لشروطه للانتقال به إلى مرحلة التعافي، إضافة إلى أن لا علاقة لإصرار قائد الجيش على إجراء تحقيق شفاف بحسابات رئاسية، وإنما لوضع الأمور في نصابها لقطع الطريق على من يحاول نصب الأفخاخ للإيقاع بين الجيش وذوي الضحايا وصولاً للاقتصاص من الذين يقفون وراء تجار زوارق الموت باستغلالهم لأوجاع الطرابلسيين الذين يلقون حتفهم في عمق البحر.



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.