ما علاقة إهمال عاصمة لبنان الثانية بـ «صندوق الرسائل»؟

اطلاق نار أثناء تشييع ضحايا الزوق في شمال لبنان (أ.ف.ب)
اطلاق نار أثناء تشييع ضحايا الزوق في شمال لبنان (أ.ف.ب)
TT
20

ما علاقة إهمال عاصمة لبنان الثانية بـ «صندوق الرسائل»؟

اطلاق نار أثناء تشييع ضحايا الزوق في شمال لبنان (أ.ف.ب)
اطلاق نار أثناء تشييع ضحايا الزوق في شمال لبنان (أ.ف.ب)

أرخت نكبة غرق المركب البحري قبالة الشاطئ اللبناني، بثقلها على واقع مدينة طرابلس، عاصمة لبنان الشمالي، الغارقة في الحرمان والإهمال، نتيجة الغياب المتمادي لمؤسسات الدولة، والذي حول أبناء المدينة فريسة للهجرة غير الشرعية، ليختاروا «الموت السريع في البحر، عوض الموت البطيء في مدينتهم».
يفترض أن تكون طرابلس من أغنى المدن اللبنانية بالنظر لموقعها الجغرافي على الحوض الشرقي للبحر المتوسط، حيث كانت قبل إعلان دول لبنان الكبير تسمى «حاضنة الساحل السوري»، وبعده باتت تعرف بـ«الرئة السورية» على البحر المتوسط، لأنها تميزت بمرفأ استراتيجي على المتوسط، وكانت مقراً لأكبر مصانع الشرق، وموقعاً متميزاً للترانزيت والتبادل التجاري، قبل أن تغير الحرب الأهلية وجهتها وتستمر معاناتها بعد الحرب.
لا شيء يفسر غياب السلطة عن طرابلس، وإحجام زعاماتها عن الاهتمام بها، إلا الرغبة بإبقائها مجرد صندوق بريد لتبادل الرسائل الداخلية والإقليمية، وفق ما يرى وزير الشؤون الاجتماعية السابق رشيد درباس. ويعزو ما تعيشه مدينته من اضطرابات وفقر وأزمات اجتماعية وهجرة بقوارب الموت، إلى فقدانها المرجعية السياسية. ويقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «غياب (رئيس الحكومة السابق) سعد الحريري عن المشهد السياسي واستنكاف (رئيس الحكومة الحالي) نجيب ميقاتي، وعدم قدرة النائب فيصل كرامي على أن يكون وريثاً حقيقياً لوالده (رئيس الحكومة الراحل) عمر كرامي وعمه (رئيس الحكومة الراحل) رشيد كرامي، جعل طرابلس مفتقدة للقيادة الحقيقية»، مشيراً إلى أن «صراعات المكونات السياسية داخل طرابلس أفقدت مجلسها البلدي فاعليته وحوله إلى أجنحة متصارعة بدل أن يكون مجلساً إنمائياً».
مأساة الزوق البحري وغرق معظم ركابه، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، مع انسداد الأفق وفقدان الأمل بتغيير الواقع القائم في طرابلس كما كل لبنان، من هنا يعتبر الخبير في السياسات العامة زياد الصائغ أن «مأساة هذا الزورق ليس حالة معزولة عن سلسلة المآسي التي تعيشها مدينة طرابلس، والتي حولت للأسف الهجرة غير الشرعية إلى أمر عادي». ورأى الصائغ في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «حادثة غرق مركب المهاجرين، يؤشر إلى حالات غير عادية هي، أولاً: وجود مافيات للتهريب متحكمة بهذه اللعبة، وتنسج علاقات مع مواقع النفوذ في السلطة وتحظى بغطاء واسع، ثانياً: استمرار حملات التضليل والتغرير بأبناء طرابلس وعكار أيضاً، بتأمين وصولهم إلى دول أوروبية للهرب من الواقع الاجتماعي المفجع، ثالثاً: الغياب التام للسلطات المحلية في الشمال اللبناني عموماً، وطرابلس خصوصاً، بالتزامن مع تنامي حالات الفقر والإهمال، رابعاً: وهو الأخطر، الاستغلال السياسي لهذه الحادثة وغيرها لشيطنة طرابلس، وهذا ما برز عبر تصريحات خبيثة تدعو إلى ضبط النفس وعدم أخذ المدينة إلى الفتنة، وكأن حالة الغضب هي دعوة للفتنة، مع موجب التنبه إلى أن هناك من قد يسعى لتمرير أجندة خبيثة لا علاقة لها بما جرى».
غالباً ما يجري التعاطي مع عاصمة لبنان الشمالي على أنها بؤرة حاضنة للتوترات الأمنية وأسباب الصراعات، وثمة من يتخوف اليوم من استثمار مأساتها في تطيير الانتخابات النيابية، أو بروز معالم حرب أهلية جديدة، إلا أن الوزير رشيد درباس غير متخوف على أمن طرابلس رغم بعض المظاهر غير المألوفة، مذكراً بأن «حالات الغضب التي تعيشها المدنية ليست إلا ردة فعل على المأساة، لأن الحرب تحتاج إلى قرار تتخذه جهات داخلية وخارجية تؤمن لها العدة والتمويل، ولا أرى أن ثمة وقوداً لهذه الحرب». وقال درباس: «في السابق كان البعض يستغل البطالة عند الشباب لاستخدامهم في معارك باب التبانة وجبل محسن، أما اليوم من هم بحالة بطالة يعرضون حياتهم للخطر، ويفضلون الخروج والموت في البحر بدل بقائهم في بلدهم»، داعياً إلى «عدم النفخ في نار تسعير العداء للجيش اللبناني حتى لو أخطأ».
ولا تختلف الآراء حيال تقصير الزعامات السياسية من أبناء طرابلس، وإهمال واقع مدينتهم رغم أن بعضهم من أثرياء لبنان، حيث عبر زياد الصائغ عن حزنه العميق لـ«ظاهرة الغياب الكلي للمرجعيات السياسية والمدنية والروحية عن المشهد، وعدم التعاطي بمسؤولية تواكب مأساة غرق الزورق وموت الأطفال والنساء غرقاً»، مبدياً خشيته من «استغلال خبيث للحادثة الفاجعة، وهذا ما بدأ يظهر في بعض الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تتهم طرابلس بأنها تلعب دور الانقلاب على الدولة، في حين أن الدولة هي من تخلت عن طرابلس وأهلها»، محذراً من أنه «إذا كانت طرابلس اليوم في قلب المأساة، وثمة من يتعمد عن خبث ضربها وتصويرها أنها خارج الدولة من أجل تمرير أجندات والتلاعب باستحقاقات، فإن لبنان كله سيدفع ثمن غياب الدولة».
وعكست مشاهد الفوضى التي عمت بعض مناطق طرابلس، قلقاً لدى السكان، خصوصاً أنها ترافقت مع ظهور مسلح وإطلاق نار كثيف وعشوائي بالتزامن مع نقل من انتشلوا من ضحايا الزورق خصوصاً الأطفال إلى المستشفيات، واعتبر الصائغ أن «المشهد الذي رأيناه في طرابلس خلال الساعات الماضية خطير للغاية، لأن الدولة استقالت من مسؤولياتها تماماً، ووضعت الناس بمواجهة الجيش، والجيش بمواجهة الناس، وربما ثمة رغبة لدى بعض السياسيين في هذا الواقع من أجل تصفية حسابات سياسية مع مؤسسة الجيش».



وزراء عرب يناقشون خطة إعمار غزة مع مبعوث ترمب

جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
TT
20

وزراء عرب يناقشون خطة إعمار غزة مع مبعوث ترمب

جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)

ناقشت اللجنة الوزارية الخماسية بشأن غزة، الأربعاء، مع ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، خطة إعادة إعمار القطاع التي أقرتها القمة العربية الطارئة في القاهرة بتاريخ 4 مارس (آذار) الحالي.

جاء ذلك خلال اجتماع استضافته الدوحة، بمشاركة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، والشيخ محمد بن عبد الرحمن رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، والدكتور أيمن الصفدي نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني، والدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري، وخليفة المرر وزير الدولة بوزارة الخارجية الإماراتية، وحسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وبحث المشاركون تطورات الأوضاع في غزة، واتفقوا على مواصلة التشاور والتنسيق بشأن الخطة كأساس لجهود إعادة إعمار القطاع، بحسب بيان صادر عن الاجتماع.

بدر عبد العاطي يلتقي ويتكوف على هامش الاجتماع في الدوحة (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي ويتكوف على هامش الاجتماع في الدوحة (الخارجية المصرية)

وأكد الوزراء العرب أهمية تثبيت وقف إطلاق النار في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، مشددين على ضرورة إطلاق جهد حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، بما يضمن تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

وجدَّدوا تأكيد الحرص على استمرار الحوار لتعزيز التهدئة، والعمل المشترك من أجل ترسيخ الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، عبر تكثيف الجهود الدبلوماسية، والتنسيق مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.

وسبق الاجتماع لقاء للوزراء الخمسة العرب والمسؤول الفلسطيني، في الدوحة، بحثوا خلاله «سبل الترويج وحشد التمويل للخطة العربية الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة، لا سيما في ظل استضافة مصر للمؤتمر الدولي لإعادة الإعمار بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة الفلسطينية، وبحضور الدول والجهات المانحة»، بحسب الخارجية المصرية.

من لقاء الوزراء الخمسة العرب والمسؤول الفلسطيني في الدوحة (الخارجية المصرية)
من لقاء الوزراء الخمسة العرب والمسؤول الفلسطيني في الدوحة (الخارجية المصرية)

كان الاجتماع الوزاري الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة (غرب السعودية)، الجمعة الماضي، قد أكد دعم الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، مع التمسُّك بحق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه.

ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في تصريحات أعقبت «اجتماع جدة»، إن الخطة أصبحت عربية - إسلامية، بعد تبنّي واعتماد «الوزاري الإسلامي» جميع مخرجات «قمة القاهرة»، مؤكداً السعي في الخطوة المقبلة لدعمها دولياً، عبر تبنيها من قِبل الاتحاد الأوروبي والأطراف الدولية؛ كاليابان وروسيا والصين وغيرها، للعمل على تنفيذها.

بدر عبد العاطي خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الإسلامي بمحافظة جدة (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الإسلامي بمحافظة جدة (الخارجية المصرية)

وأشار الوزير المصري إلى تواصله مع الأطراف الدولية بما فيها الجانب الأميركي، وقال إنه تحدّث «بشكل مسهب» مع مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط عن الخطة بمراحلها وجداولها الزمنية وتكاليفها المالية. وأضاف أن ويتكوف تحدث عن عناصر جاذبة حولها، وحسن نية وراءها.

إلى ذلك، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، في بداية اجتماع بالبيت الأبيض مع رئيس الوزراء الآيرلندي مايكل مارتن: «لن يطرد أحد أحداً من غزة».

من جهته، دعا رئيس الوزراء الآيرلندي خلال لقائه ترمب، إلى وقف إطلاق النار في غزة، وقال: «نريد السلام، نريد إطلاق سراح الرهائن»، مضيفاً: «يجب إطلاق سراح جميع الرهائن، ويجب إدخال المساعدات إلى غزة».