وليد فياض... وزير خارج الأدبيات اللبنانية

ثقل ملفات «الطاقة» يحاصر وجوده بين الناس

لقطتان من فيديو الاعتداء على الوزير فياض (الوكالة المركزية)
لقطتان من فيديو الاعتداء على الوزير فياض (الوكالة المركزية)
TT

وليد فياض... وزير خارج الأدبيات اللبنانية

لقطتان من فيديو الاعتداء على الوزير فياض (الوكالة المركزية)
لقطتان من فيديو الاعتداء على الوزير فياض (الوكالة المركزية)

لم يتعرض أي وزير في الحكومة اللبنانية لانتقادات ولمضايقات، وصولاً إلى الاعتداء بالضرب، كما هو حال وزير الطاقة وليد فياض الذي حمل ملفاً ثقيلاً بثقل السنوات التي مرت على لبنان، من دون قدرة على حل ملف الكهرباء الذي استنزف اللبنانيين، وكان سبباً مباشراً في نحو نصف الدين العام، وتفوح منه رائحة فساد وسوء إدارة وما بينهما.
لم يغيّر فياض نمط حياته بعد أن أصبح وزيراً، فحافظ على وجوده بين الناس، واختلاطه اليومي معهم، إلى أن تعرّض ليل الأحد لاعتداء من قبل أحد الناشطين.
وانتشر مقطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي مساء الأحد يظهر شاباً يدفع وزير الطاقة وليد فياض. نشر الشاب الفيديو على صفحته في «فيسبوك»، وقال إنه كان يسأله؛ لماذا الحكومة «لا تستنكر وتشعر بالناس» الذين يعيشون في ظروف صعبة؟!انقسم اللبنانيون بين متعاطف مع فياض، ومؤيد لضربه. ينطلق القسم الأول من أن فياض «عفوي» ويوجد في الأماكن العامة من دون مرافقة ويتجول بين الناس بلا حراسة... وذهب آخرون أبعد من ذلك بالقول إنه «لا ينتمي إلى حزب سياسي أو ميليشيا تحميه، ما سهل الاعتداء عليه»، متسائلين عن ردة الفعل لو كان وزراء تقليديون تعرضوا لما تعرض له. وفي المقابل، رأى آخرون أن فياض هو جزء من السلطة التنفيذية التي عجزت عن تأمين التغذية الكهربائية، وفشلت في توفير مقدرات عيش اللبنانيين... وقال هؤلاء إنه التعرض لفياض، جرى بالتزامن مع حالة غضب على خلفية غرق المركب في طرابلس؛ حيث «دخل الناس في حزنهم، بينما دخل فياض إلى المطعم ليتسامر مع أصدقائه وكأن شيئاً لم يكن».
والحال أن التعرض لفياض تكرر خلال الأشهر الماضية. هو الوحيد بين وزراء الحكومة الحالية الذي تعرض له ناشطون، بحكم أن الوصول إليه سهل. فهو يخرج من منزله يومياً إلى المطاعم والأماكن العامة، وباتت معروفة الأماكن التي يرتادها في منطقة الحمراء وغيرها من أحياء بيروت. يواجهه الناشطون، ويحاورهم. يقول أحد الناشطين الذين التقوا صدفة بفياض قبل شهرين وحاوروه، إن وزير الطاقة «لا يتردد في مناقشة من يطلبه، ويرى أن اعتراضنا مفهوم ومبرر، لكنه يقول إن حل أزمة الكهرباء لم يعد بيد اللبنانيين وحدهم، ويطلع جالسيه على تفاصيل ما يقوم به، بانتظار حل الملف». وخلال الأسابيع الماضية، انتشرت صور طريفة له؛ حيث يضحك للكاميرا، ويغني أمام الكاميرا، ويلتقط صورة أمام أهرامات مصر، فيما ينقل البعض صوره جالساً بين الناس في الدرجة الاقتصادية في الطائرة، في حين يتعامل معه الصحافيون بطرافة؛ حيث افتتح صحافي سؤاله له بالطلب منه أن يجيب بجدية على السؤال! يحمل فياض وزر ملف بأكمله، كونه يتبوّأ هذه الحقيبة، وكون الجهة السياسية التي سمته هي «التيار الوطني الحر». قبل أيام قليلة، سأل رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط: «أليس الوقت مناسباً لإقالة وزير الطاقة المتجوّل بين عاصمة وعاصمة وملهى ومطعم، والحكم في وزارته بيد فريق تابع لصهر هذا العهد المدمر؟» وتابع: «أليس الوقت أن يكشف رئيس الوزراء أنّ لا كهرباء أردنية، ولا تمويل من البنك الدولي، إذا لم يتم الإصلاح الجذري في وزارة الطاقة؟».
يقول مؤيدو التعرض له إن فياض يدرك أن هناك عجزاً في ملف الطاقة، وإذا كان عاجزاً فليستقل من موقعه.
جاءت اللكمة ليل الأحد، بمثابة ضربة لجهد فياض على سبيل التواصل الدائم مع مصر والأردن وسوريا والولايات المتحدة لتأمين التغذية، وضربة أخرى لصورة حاول تكريسها عن نفسه، قريباً من الناس وعفويّاً، ويشبه تجارب وزراء في الغرب يتنقلون على الدراجة الهوائية ويخرجون بلا حراسة. ففي البيان الذي أصدره المكتب الإعلامي لفياض قال: «دأبت مجموعة معروفة من المخرّبين أو من يسمّون أنفسهم زوراً (بالثوار) على رصد وملاحقة وزير الطاقة والمياه الدكتور وليد فياض بطريقة متكرّرة وغير مسبوقة بحيث لم يعرف لبنان هذه الظواهر السلوكية المتفلتة من قبل».
وقال مكتب فياض: «بعد الاعتداء والهجوم على وزارة الطاقة والمياه منذ أسبوعين وتخريب محتوياتها والتعرّض للمسؤولين والموظفين العُزّل فيها، وصل بهم الانحطاط الأخلاقي ليل أمس (الأحد) إلى الاعتداء الجسدي غَدراً على الوزير فياض في وسط الشارع وهو معروف بتنقلاته دون مرافقة أمنية، ما هدّد سلامته كمواطن قبل أن يكون وزيراً مِن قِبل من نصّبوا أنفسهم زوراً متحدثين باسم الشعب اللبناني، والشعب براء منهم ومن أمثالهم».
وقال البيان: «خلافاً لادّعاءات بعض المحرضين، فإن الوزير فياض خرج لمحاورة المعتدين إيماناً منه بجدوى الحوار الحضاري البنّاء وشرح ما قام به في الوزارة بذهن صافٍ ووعي تام، وهذا مثبت في الفيديوهات المتداولة». وقال: «إن وزير الطاقة والمياه يضع هذا الاعتداء السافر برسم كبار المسؤولين اللبنانيين والأجهزة الأمنية كافة، وهو سيتخذ صفة الادّعاء الشخصي على كل من حرّض ورصد وخطط وساهم بهذا الاعتداء وهو يراهن على وعي المواطنين لتقدير جهوده ولا ينتظر شهادة من أحد، وخصوصاً أنه يبذل جهوداً مضنية تجاه الوطن والمواطنين منذ تسلمه مهامه ولم يوفّر جهداً لإنقاذ قطاعات الوزارة كافة». ودعا إلى معاقبة المعتدين «باسم الشعب اللبناني، ما يحول دون تكرار ما حصل».
وأفادت وسائل إعلام لبنانية بعد الظهر بأن النيابة العامة التمييزية «أصدرت أمراً قضائياً بتوقيف شخصين بتهمة الاعتداء على وزير الطاقة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.