قراءة في تعاطي الإعلام المغربي مع تحوّل موقف إسبانيا من قضية الصحراء

يأمل أن تتجاوز مدريد نظرتها النمطية السلبية للمغاربة

يونس مجاهد
يونس مجاهد
TT

قراءة في تعاطي الإعلام المغربي مع تحوّل موقف إسبانيا من قضية الصحراء

يونس مجاهد
يونس مجاهد

إذا كانت وسائل الإعلام المغربية، ومعها الطبقة السياسية، قد أجمعت على وصف التحوّل في الموقف الإسباني من قضية الصحراء، بـ«التاريخي وغير المسبوق»، بعدما أعلنت مدريد أن المقترح المغربي حول الحكم الذاتي هو «الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية»، من أجل تسوية نزاع الصحراء، فإنها ما زالت ترى أن هناك حاجة ملحَّة إلى «معركة إعلامية» حتى تتجاوز إسبانيا نظرتها النمطية السلبية للمغرب والمغاربة وقضاياهم، التي تكرست خلال المرحلة الاستعمارية، واستمرت في تعاطي وسائل إعلامها مع المغرب وقضاياه حتى اليوم.
ورغم ذلك، سجّل الإعلام المغربي إيجابية القرار الإسباني الذي من شأنه أن يساهم في انطلاقة جديدة للعلاقات الثنائية، وتجاوز الأزمة التي اندلعت نتيجة استضافة زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية، إبراهيم غالي، في 23 أبريل (نيسان) 2021، لتلقي العلاج في إسبانيا، بوثائق مزورة وهوية منتحلة. وتفاقمت هذه الأزمة حينما تدفق في مايو (أيار) الماضي نحو 10 آلاف مهاجر، غالبيتهم مغاربة، نحو مدينة سبتة المحتلة شمال المغرب.
وفي معرض مقاربته لمستوى معالجة وسائل الإعلام المغربية لاعتراف إسبانيا بمخطط الحكم الذاتي في الصحراء، قال نبيل دريوش الإعلامي والكاتب المغربي المتخصص في الشأن الإسباني لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تنوعت وتراوحت بين نشر وبث مواد خبرية صرفة متعلقة بمستجدات هذه الخطوة وتطوراتها، وتحليل هذه الأخبار التي تنوعت باختلاف طبيعة وسائل الإعلام؛ من نشر افتتاحيات في الصحف ومقالات تركيبية تستحضر رأي الخبراء في العلاقات الدولية والعلاقات المغربية - الإسبانية».

نبيل دريوش

جوانب إيجابية وآفاق واعدة

وأوضح دريوش أن المحطات الإذاعية زاوجت بين التوسع في الخبر خلال نشراتها، وإدراج تصريحات لخبراء ومحللين، وتخصيص برامج لهذا الموضوع تنوعت زوايا معالجتها له من تأثير هذا القرار على «ملف الصحراء» إلى تأثيره على التعاون الاقتصادي بين البلدين وتأثيره على الربط البحري بينهما، وعبور الجالية المغربية المقيمة بأوروبا نحو المغرب، في الوقت الذي سارت فيه القنوات التلفزيونية على النهج ذاته تقريباً، مع إدراجها لتصريحات مسؤولين سياسيين داعمين للخطوة الإسبانية، إضافة إلى صحافيين إسبان وكتّاب رأي في صحف ومنابر إسبانية. إلا أنه، ورغم اختلاف المعالجة الإعلامية للحدث، حسب كل وسيلة إعلامية على حدة، ومراوحتها بين الأجناس الخبرية وأجناس الرأي، إلا أنها تلتقي في عكس الجوانب الإيجابية للقرار والآفاق الواعدة لهذه المصالحة على الشعبين والبلدين.
من جهته، يذهب عبد الحميد جماهري، مدير نشر صحيفة «الاتحاد الاشتراكي»، إلى القول لـ«الشرق الأوسط»، إن القرار الإسباني «شجاع ورصين، ومن أقوى المواقف إنصافاً للمغرب، بعد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على صحرائه، وفتح تمثيليات قنصلية في التراب الوطني بالصحراء». واعتبر جماهري أن إسبانيا قامت بقراءة ذكية للتغيرات الحاصلة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2020 لدى اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، وما تلا ذلك من تطورات في غرب المتوسط، ثم في التصور الأوروبي الجديد للمنطقة، شرقاً وغرباً، وهو ما قادها إلى قياس المصلحة، من زاوية استمرار السلم والاستقرار في المنطقة.
ويتفق دريوش وجماهري، كما هو شأن غالبية وسائل الإعلام المغربية، على أن الخطوة الإسبانية «سيكون لها صدى وتداعيات داخل الاتحاد الأوروبي». لكن مدير نشر «الاتحاد الاشتراكي» يعتقد أن تأثير موقف مدريد سيمتد كذلك إلى دائرة النفوذ الجيو - استراتيجي في أميركا اللاتينية، وداخل حلف «الناتو»، الذي تحتضن إسبانيا مؤتمره في يونيو (حزيران) المقبل، وإلى «مجموعة أصدقاء الصحراء»، التي تُعدّ غرفة استشارية دولية بخصوص قرارات مجلس الأمن حول الصحراء. كما يوضح جماهري أن «الفاعل الانفصالي سيفقد جراء القرار الإسباني، ساحة حيوية بالنسبة له، ومساعدات مهمة».


عبد الحميد جماهري

تجاوز النظرة النمطية عن المغرب

بيد أن يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة في المغرب، أثار، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، الانتباه إلى أن «المعركة الإعلامية مهمة جداً»، في هذه المرحلة، داعياً إلى «فتح نقاش صريح حول المسألة الاستعمارية»، للمساهمة في تجاوز النظرة النمطية عن المغرب، الناجمة عن مخلفات ثقافية عميقة تجد تربتها في الماضي الاستعماري الإسباني، وذلك رغم التحول المهم في تعامل مدريد مع قضية الوحدة الترابية للمملكة، الذي يشكل حدثاً تاريخياً، لكون إسبانيا كانت البلد الذي استعمر الصحراء.
وإذا كانت وسائل إعلام إسبانية قد وصفت قرار حكومة مدريد بخصوص قضية الصحراء بأنه «تاريخي»، فإن مجاهد أشار إلى أن العديد من مكونات الطبقة السياسية والإعلامية الإسبانية، سواء كانت محسوبة على اليسار أو على اليمين، تنطلق من «مواقف جاهزة وبنظرة استعلائية واستعمارية» غير مبالية بالأهمية الجيو - استراتيجية للعلاقات بين البلدين والتعاون القائم بينهما، خاصة على المستويين الاقتصادي والأمني.
وبالمقابل، لاحظ محمد المودن، الأستاذ بجامعة إشبيلية، المختص في الاتصال السياسي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذا البلد الإيبيري بات خلال هذا التاريخ الحديث موضوعاً حيوياً في المعالجات الإعلامية لوسائل الإعلام المغربية البارزة والمؤثرة في صناعة الرأي العام المغاربي والمتوسطي، في حين يشكل المغرب شأناً داخلياً في إسبانيا، وذلك نتيجة المصالح المشتركة، وبسبب القضايا الخلافية بين البلدين، وجرت العادة أن يكون المغرب، في المعالجات الإعلامية الإسبانية، خاضعاً لتجاذبات سياسية داخلية، ومحكوماً بشكل قوي بهذه الدينامية. وقوة التجاذب والدينامية هذه (كما يوضح المودن) تجعل وسائل الإعلام الإسبانية مؤثرة في مسار العلاقة بين البلدين، بل هي تكون أحياناً، وبشكل واضح، مصدر استقرار هذه العلاقة أو اضطرابها.
وإذا كانت وسائل الإعلام التي تصنع الرأي العام، تفرض أجندتها على سياسة البلدين، بل يكون بيدها أحياناً أمر الحل والعقد، فإن المودن يشير، في هذا السياق، إلى أن ذلك «يظهر بشكل واضح، ليس في الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين البلدين، وهي واحدة من أسوأ الأزمات التي عاشتها الرباط ومدريد، بل في كل الأزمات السابقة».


محمد المودن

سقوط عقيدة قديمة

وعودة إلى جماهري الذي قال إن «ربح المغرب لم يقتصر على موقف مدريد الجديد، بل يشمل سقوط عقيدة قديمة كانت الجارة الشرقية للمغرب (في إشارة إلى الجزائر) تهدف من خلالها إلى عزل المملكة المغربية شمالاً، عبر تأزيم علاقاتها مع إسبانيا، وجنوباً عبر التشويش على وقف إطلاق النار وتلغيم معبر (الكركرات) على الحدود مع موريتانيا. وبهذا يكون الطوق الذي أرادته جيوش الجيران قد سقط، وربما انقلب السحر على الساحر».
وأضاف جماهري أن مدريد «تدرك أنها ربحت من المغرب صلابةً في وجه الإرهاب والهجرة غير المنظمة والجريمة الدولية، إضافة إلى وسادة المصالح الاقتصادية التي تجعل منها الشريك الأوروبي الأول للمغرب».
وهذا ما يجعل «طريق تطبيع العلاقات الحضارية مع إسبانيا طويلاً وشاقاً»، حسب مجاهد الذي يرى أن ذلك «يبدأ من الثقافة والإعلام. وعلى الإسبان، بالخصوص، أن يراجعوا نظرتهم للمغرب والمغاربة، لأن لهم أولاً مصلحة في ذلك على مختلف الأصعدة، بخاصة الاقتصادية»، معرباً عن اعتقاده الراسخ بأن إصلاح العلاقات مع المغرب «يتطلب التصالح مع التاريخ والجغرافيا، ويحتم عليهم أن يدفنوا الماضي استعماري بكل تجلياته وتلاوينه».

لغة التعالي لم تعد تطاق

ويتماشى رأي مجاهد هذا مع رأي كثير من المراقبين؛ ذلك أنهم يرون أن ما لم يعد يطاق فعلاً هو لغة التعالي والعجرفة التي يمارسها كثير من الإسبان ساعة الحديث عن دولة ومواطنين يوجدون على مسافة 14 كلم جنوباً. ويرى آخرون أن قليلاً من الاحترام للمغرب أصبح مرغوباً فيه «بل بات مطلوباً... إذا كنا نريد تفعيل خارطة طريق جديدة في ترسيم علاقات البلدين».
لكن المودن يؤكد أنه، وإن كانت وسائل الإعلام المغربية والإسبانية (خصوصاً الإسبانية، نتيجة بنيتها، وتجربتها التاريخية)، تمثّل لاعباً حاسماً في دينامية العلاقة بين البلدين، لكن الطرفين معاً يحتاجان إلى تطوير المعرفة بالآخر، موضحاً أنه ما زالت هناك حاجة إلى الاشتغال على المعرفة العميقة بالآخر، خصوصاً في بُعديها الثقافي والاجتماعي، لا سيما أن ظهور تكنولوجيا الاتصال منح مساحة أخرى لبناء خطاب إعلامي حول الآخر، للتأثير أيضاً في مسار العلاقات بين البلدين.
وبقدر ما تكون هذه المساحة الرقمية مصدر «تغليط وتأثير سلبي»، فإنها تكون أيضاً «مجال انفتاح على دوائر الصور غير المغلقة تجاه الآخر».



كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟
TT

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

تزامناً مع انتشار الصراعات والأزمات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مدى تأثر المواقع الإخبارية بقيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي، وكيف يتفادى الناشرون الخوارزميات لعدم حذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب.

وحقاً، طوال السنة تصاعدت شكاوى ناشرين وصُناع محتوى من القيود المفروضة على نشر المحتوى السياسي، لا سيما في فترات الأحداث الكبرى خلال «حرب غزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومنصات إخبارية من «حذف» منشوراتهم و«تقييد» صفحاتهم بسبب نشرهم محتوى عن مقتل السنوار. خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «ميتا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة للالتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي في حذف بعض المنشورات والحسابات إلى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يزداد في أوقات الحروب والأزمات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة».

وأوضحت مي عبد الغني أنه «على مدار العام الماضي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاوية قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي».

لمواجهة هذه القيود اقترحت الباحثة والأكاديمية «استخدام أساليب عدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الكتابة أو صور، مع محاولة اختيار الألفاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي».

في المقابل، يرى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «كُل طُرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حلولاً مؤقتة... وهذه الطرق عادةً ما تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف».

وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسائلها الخاصة للترويج، مهما تطلب ذلك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بعمل حسابات مختلفة للأخبار والمنوعات والرياضة، إضافة إلى ممارسة الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل القيود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري».

ويوضح محمد فتحي، الصحافي المتخصّص في الإعلام الرقمي، أنه منذ بدء «حرب غزة» أدخلت منصات التواصل الاجتماعي سياسات وقيوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهو ما «عرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل».

وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة من المنصات، فيجب عليه مراعاة معاييرها وسياستها... بينما على ناشري المحتوى الموازنة بين المنصات المختلفة، فلكل منصة سياسة خاصة بها، وما يصلح للنشر على (يوتيوب) قد لا يناسب (فيسبوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالباً ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود».