عدن تتحول إلى ورشة عمل لمؤسسات الدولة

جانب من جلسة عقدها البرلمان اليمني في عدن الخميس (سبأ)
جانب من جلسة عقدها البرلمان اليمني في عدن الخميس (سبأ)
TT

عدن تتحول إلى ورشة عمل لمؤسسات الدولة

جانب من جلسة عقدها البرلمان اليمني في عدن الخميس (سبأ)
جانب من جلسة عقدها البرلمان اليمني في عدن الخميس (سبأ)

رغم أن مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية عاصمة مؤقتة للبلاد تفتقر إلى مقار مؤسسات الدولة المركزية التي سيطرت عليها ميليشيات الحوثي، عند اقتحامها العاصمة صنعاء، فإن هذا العجز لم يحل دون أن تبدأ القيادة الجديدة عملية البناء، حيث تحوّلت فنادق عدن إلى مقار لعمل مؤسسات الدولة، جنباً إلى جنب مع مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اللذين يستقران في القصر الرئاسي الوحيد الصالح للاستخدام في منطقة المعاشيق، فيما توزع أعضاء مجلسي النواب والشورى والهيئة الاستشارية على فنادق المدينة، ويواصلون أعمالهم في النهار والليل لوضع الأسس التي سيسير عليها عمل هذه المؤسسات في المرحلة المقبلة، وفق ما قالته مصادر متعددة في البرلمان والحكومة والهيئة الاستشارية.
وقال مسؤولون يمنيون إن ما نتج عن مشاورات الرياض وتشكيل قيادة يمنية جديدة خلق واقعاً مغايراً في هذه المدينة، حيث يتم حالياً وضع أسس الدولة اليمنية الجديدة التي وصفها رئيس مجلس القيادة الرئاسي بأنها دولة الشراكة والتوافق الوطني لمواجهة التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وعلى رأسها إنهاء الانقلاب والحرب، من خلال اجتماع جميع القوى السياسية والتزامها بالعمل كفريق واحد وتجاوز المرحلة السابقة.
مصادر برلمانية ذكرت لـ«الشرق الأوسط»، أن اللجنة البرلمانية المكلفة دراسة مشروع الموازنة العامة للدولة للعام الحالي، التي بلغت نحو أربعة مليارات دولار، وقدر العجز فيها بنحو نصف مليار دولار، تواصل أعمالها بحضور الجانب الحكومي، واتخذت أحد الفنادق مقراً لعملها.
وأكدت اللجنة، خلال المناقشات، استيعاب التوصيات والملاحظات المقدمة من أعضاء المجلس بشأن ما تضمنه البيان الحكومي من قضايا وطنية واقتصادية وتنموية وغيرها من الجوانب، وفي مقدمتها القضايا المرتبطة بحياة المواطنين والأوضاع المعيشية وتجاوز التحديات الراهنة في البلاد.
وفي زيارة لـ«الشرق الأوسط» إلى مقر إقامة أعضاء مجلس النواب والهيئة الاستشارية، رصدت انهماك هؤلاء مع بقية النواب وقادة المكونات السياسية في مناقشة الإصلاحات الإدارية والاقتصادية التي سيتم تطبيقها خلال الفترة المقبلة، بهدف إعادة بناء مؤسسات الدولة ومعالجة الاختلالات الاقتصادية والإصلاحات الإدارية وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب ومكافحة الفساد، وتفعيل دور الأجهزة الأمنية والعسكرية ووحدتها، حيث ينتظر أن يتم اختيار رئيس للهيئة الاستشارية المشكلة بموجب الإعلان الدستوري الخاص بنقل السلطة وكذا اختيار نائب أو أكثر لهذه الهيئة التي ستكون إطاراً مسانداً ومساعداً للمجلس الرئاسي.
ورغم اقتراب إجازة عيد الفطر المبارك، فإن المسؤولين اليمنيين في مختلف مواقعهم يعملون من أجل استكمال القضايا المهمة قبل ذلك، حيث كرّس مجلس القيادة الرئاسي أحد اجتماعاته لمناقشة تحسين الخدمات في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، حيث تم تعيين محافظ عدن أحمد لملس، وزيراً للدولة عضواً في مجلس الوزراء، استناداً إلى القانون الذي ينص على أن محافظ العاصمة هو وزير دولة وعضو في الحكومة، كما تمت مناقشة الاحتياجات الملحة في قطاع الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وفيما يعبر السكان عن سعادتهم بعودة كل مؤسسات الدولة إلى مدينتهم، ويأملون في أن تكون هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة في كل الجوانب، فإن النجاح الأمني الكبير الذي حققته القوات الأمنية في المدينة طوال الأيام الماضية، كان محط إشادة كل السياسيين والبرلمانيين اليمنيين الذين يزورون المدينة للمرة الأولى منذ تحريرها في نهاية عام 2015، حيث التقى الفرقاء للمرة الأولى تحت سماء العاصمة المؤقتة، إيذاناً بمرحلة جديدة من العمل المشترك، من أجل إنهاء الانقلاب، واستعادة الدولة وإعادة بناء مؤسساتها التي دمرتها ميليشيات الحوثي بانقلابها على الشرعية، ومن ثم الحرب التي شنتها على مختلف محافظات البلاد.
وحسب مصادر حكومية، فإن مجلس النواب سيصدّق على مشروع الموازنة العامة للدولة قبل حلول إجازة عيد الفطر، وإن النواب قد يغادرون لقضاء الإجازة مع أسرهم، لكنهم سيعودون بعد ذلك لممارسة مهامهم، حيث يتم حالياً استكمال ترتيب إحدى القاعات في قصر المعاشيق كي تكون قاعة رسمية لانعقاد جلسات البرلمان، حيث سيسهم وجوده بالقرب من مقر الحكومة في تعزيز التعاون بين الجانبين في المرحلة المقبلة التي تتطلب خطوات مهمة وفاعلة في جانب بناء الدولة، وتحسين الخدمات واتخاذ إجراءات فيما يخص الجانب الإداري ومكافحة الفساد، وتفعيل أداء جهاز الرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».