حدود وأسيجة تهدد التنوُّع الحيوي وتغيِّر النُّظم البيئية

حدود وأسيجة تهدد التنوُّع الحيوي وتغيِّر النُّظم البيئية
TT

حدود وأسيجة تهدد التنوُّع الحيوي وتغيِّر النُّظم البيئية

حدود وأسيجة تهدد التنوُّع الحيوي وتغيِّر النُّظم البيئية

ترتفع الجدران والحواجز في أكثر من مكان في العالم، وتشهد نمواً مطرداً منذ عقود. ففي أوروبا، تبني الدول أسواراً جديدة لمنع المهاجرين غير الشرعيين من عبور الحدود في المناطق المعزولة. وفي شرق أفريقيا، تُستخدم الأسيجة على نطاق واسع لتربية الماشية وتلبية الطلب المتنامي على الغذاء. ويُظهر عدد متزايد من الدراسات تأثير هذه العوائق الاصطناعية على سلامة الحياة البريّة ومخاطرها على الأنواع المهددة بالانقراض.
- عرقلة الانتشار الطبيعي
أشهر سياج في الولايات المتحدة هو الجدار الحدودي مع المكسيك الذي أقرّه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لوقف الهجرة غير الشرعية؛ لكنه في الوقت نفسه يقيّد الحركة الطبيعية للأنواع الحيّة بين البلدين أكثر. ولا يقتصر تأثير هذا الجدار على المنطقة المحلية مسبباً فقدان الموائل وتدهورها، وإنما يمتد على مستوى المناظر الطبيعية فيقضي على التواصل فيما بينها.
وعلى سبيل المثال، تواجه حيوانات النمر الأميركي (الجاغوار) والنمر القزم (الأصلوت) نوعاً من العزلة بين أفرادها على جانبي الحدود. وهذا يعني أن التفاعل الجيني اللازم للحفاظ على المجموعات الصغيرة من هذه الحيوانات قد يتأثر. ومن ناحية أخرى، فإن كباش الجبال الصخرية وثيران «البيسون» الموجودة في المكسيك ستكون غير قادرة على الهجرة شمالاً للهرب من الأجواء الحارة والجافة.
إلى وقت قريب، كانت الدراسات عن الأسوار وأثرها في سلامة الحياة البرية قليلة نسبياً. وينوّه بحث بعنوان «علم بيئة السياج: أُطر لفهم الآثار البيئية للأسوار»، نشرته دورية «بيو ساينس» سنة 2020، إلى أنه غالباً ما يتم تجاهل الآثار العميقة للأسوار على التنوُّع الحيوي ويجري التقليل من شأنها إلى حدٍّ بعيد.
وتُظهر الدراسات الأخيرة أن هذه الآثار تمتد إلى ما هو أبعد من إعاقة طرق هجرة الحيوانات، وتشمل زيادة فرصة انتقال الأمراض عن طريق تركيز تجمّع الحيوانات، وتغيير ممارسات الصيد للحيوانات المفترسة، وإعاقة الوصول إلى المصادر الأساسية للمياه والأعلاف. وفي حالات المرض والكوارث، تمنع الأسوار «الإنقاذ الجيني»، وهو أداة حفظ طبيعية تقوم على تنويع العوامل الوراثية عن طريق نقل الجينات من مجموعة إلى أخرى، فتنخفض الأمراض الوراثية.
وتساعد الدراسات حول الأسوار في لفت النظر إلى أهمية تخطيط عمليات حماية الأنواع الحية، لا سيما في المناطق؛ حيث اعتادت المجتمعات على اعتبار الأسوار أمراً مفروغاً منه. ومن المصاعب التي تواجهه هذه الدراسات تعذُّر رصد الأسيجة عن طريق الأقمار الاصطناعية، مما يقلل من إدراك آثارها التراكمية على المناظر الطبيعية، وعمليات النظام البيئي وتقاطعاتها مع الأفراد والمجتمعات.
ويشير بحث «علم بيئة السياج» إلى أن الأسوار تؤثر في النُظم البيئية على جميع المستويات، بدءاً من تقليل وفرة الحشرات لأنها توفّر للعناكب أماكن واسعة لبناء شبكاتها، إلى إعاقة هجرة الحيوانات إلى أماكن بعيدة. ومن خلال تركيز الحيوانات معاً في أماكن ضيقة، تزداد احتمالات انتقال الأمراض، وهي قضية لم تحْظَ باهتمام كبير؛ خصوصاً مع الانتشار الحالي لجائحة «كورونا» والهزال المزمن بين مجموعات الحياة البرية.
وفي كثير من الأحيان، تتسبب الأسوار في مقتل الحيوانات. فطائر «الطيهوج» الكبير الذي تتراجع أعداده على نحو متسارع في غرب الولايات المتحدة، يطير على ارتفاعات منخفضة، مما يجعله عرضة للموت نتيجة الاصطدام بالأسلاك الشائكة. وتتشابك الظباء في أميركا الشمالية واللاما البرية (الغوناق) في أميركا الجنوبية مع الأسوار، وتموت من الجوع أو تؤذي نفسها.
وفي سلوفينيا التي أقامت حاجزاً من الأسلاك الشائكة بطول 178 كيلومتراً على حدودها مع كرواتيا نهاية سنة 2015، جرى تسجيل موت 21 غزالاً على أسلاك الحاجز خلال عشرة أشهر فقط، كما وُجِد اثنان من طيور «مالك الحزين» الرمادي متشابكين في الأسلاك.
وتشير ورقة بحثية، نُشرت في المجلة الأوروبية لأبحاث الحياة البرية في 2017، إلى أن هذا السياج قد يمثل تهديداً خطيراً للحياة البرية على المدى الطويل، من خلال تأثيره في تجزئة الموائل وفصل المجموعات الأحيائية.
وتشمل التهديدات غير المباشرة قطع طرق الهجرة، والقضاء على الموائل، والتغيُّرات في عادات الصيد. فعلى سبيل المثال، تستخدم الذئاب أحياناً الأسوار لمحاصرة فرائسها. وفي الصين، تمثل تجزئة الموائل بسبب الحواجز الجديدة التهديد الرئيسي لغزال «برزوالسكي». كما أدى التوسع السريع في عدد الأسيجة في شرق أفريقيا الغنية بالحياة البرية إلى منع هجرة الحيوانات البرية في منطقة «ماساي مارا» في كينيا؛ حيث تقوم الحيوانات بتتبع أماكن هطول الأمطار للعثور على الطعام والماء.
ويجري نصب الأسيجة في «ماساي مارا» وأماكن كثيرة في العالم، من أجل احتجاز المواشي وحمايتها من التعديات، ولإبعاد الحيوانات عن المحاصيل. ولهذا السبب تتشابك بيئة السياج مع القضايا الاجتماعية والثقافية. وفي مسالك الهجرة غير الشرعية، تدفع الأسوار البشر والحيوانات أيضاً للبحث عن طرق أكثر خطورة، كمعابر الأنهار والصحاري التي قد تتقاطع مع مناطق ذات قيمة طبيعية أو ثقافية عالية.
وتشير دراسة بحثية، نُشرت في دورية «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم» خلال السنة الماضية، إلى أن النطاقات التي تشغلها 29 في المائة من الطيور و35 في المائة من الثدييات، من المرجح أن تتغير بشكل كبير بسبب الاحترار العالمي حتى سنة 2070، بحيث ستكون هناك ضرورة إلى إعادة نشر أكثر من نصف أعداد أفرادها في بلدان لا توجد فيها حالياً. وستكون معظم حركات الأنواع عبر الحدود في غرب الأمازون وحول جبال هيملايا، وفي وسط وشرق أوروبا.
وتخلص الدراسة إلى أن 3 حواجز ستكون مثيرة للقلق على نحو خاص، هي الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك التي يمكنها وحدها احتجاز 122 نوعاً من الثدييات في أي من البلدين، والحدود بين الهند وميانمار، والحدود بين روسيا والصين. وبينما تقوم الدول الغنية بشكل فعال بتصدير حالات انقراض الأنواع الحية إلى البلدان الأقل ثراءً بسبب دورها في تغيُّر المناخ، فإن الحدّ من تحركات الحياة البرية عبر الحدود سيؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة.
- الأسوار تغيِّر النُّظم البيئية
وبينما تمضي بولندا في بناء جدارها الحدودي بطول 180 كيلومتراً ضمن غابة «بياوفيجا» لمواجهة الهجرة غير الشرعية عبر جارتها بيلاروسيا، يخشى علماء الأحياء من الآثار البيئية لهذا الجدار الذي سيرتفع إلى 5 أمتار وتعلوه الأسلاك الشائكة. ولا تقتصر المخاوف على إعاقة هجرة الدببة والغزلان وثيران «البيسون»؛ بل تمتد إلى تعريض الغابة، المسجّلة كأحد مواقع التراث العالمي، لغزو النباتات الغريبة التي ستنتقل بذورها مع مواد البناء وأحذية العمال وإطارات المركبات.
ويمكن للأسوار أن تتسبب في نشوء مناطق حُرم بيئية؛ حيث لا يستطيع سوى نطاق ضيق من الأنواع الحية والنُّظم البيئية الازدهار. ونظراً لازدياد الأسوار ونموها بوتيرة متسارعة في جميع أنحاء العالم، من المرجح أن يتبع ذلك انهيار النُّظم البيئية.
في جنوب شرقي أستراليا، يرى باحثون أن سياج «وايلد دوغ باريير» يتسبب في خلق «عوالم بيئية» منفصلة على جانبيه. ففي داخل السياج الذي يمتد إلى 5613 كيلومتراً ويُعدّ الأطول في العالم، يقوم المزارعون بمكافحة الكلاب الأسترالية (الدانغو)، ما أدى إلى خلل في السلاسل الغذائية. فبغياب كلاب «الدانغو» داخل السياج، ازدادت أعداد حيوان «الكنغر» التي تسببت نتيجة رعيها الجائر في تآكل التربة وفقدان المغذيات وتغيير تضاريس الكثبان الرملية والمجاري المائية. ومع تناقص الغطاء النباتي، أصبح الفأر القافز الداكن أكثر انكشافاً على الحيوانات المفترسة، وازداد خطر انقراضه.
ويزداد نمو الأسيجة بسرعة في جميع أنحاء العالم. ومن الأمثلة ما يجري حالياً من تمديد سياج «وايلد دوغ باريير» بإضافة 740 كيلومتراً أخرى. كما أن الجدران المنيعة ترتفع على الحدود بين بلدان أوروبا الشرقية لردع المهاجرين؛ حيث أصبحت أوروبا تمتلك أسواراً حدودية أكثر مما كان عليه الحال خلال الحرب الباردة. ويُقدّر طول الأسيجة في الغرب الأميركي وحده بأكثر من مليون كيلومتر، أي ما يقرب من 3 أضعاف المسافة بين الأرض والقمر.
ويؤدي الفهم الأفضل للدور الذي تلعبه الأسوار في النُّظم البيئية إلى إصلاحات يمكن إجراؤها ببساطة عادة، كإزالة الأسيجة غير المستخدمة، أو تعديل ارتفاع أسلاك السياج للسماح بمرور الحيوانات تحتها أو القفز فوقها. ففي غرب الولايات المتحدة، مثلاً، تتم إضافة عواكس بسيطة إلى الأسيجة، لتمكين طائر «الطيهوج» وصقور «الشاهين» والطيور الأخرى من رؤية الأسلاك وتجنب الاصطدام بها. كما يستخدم بعض مربّي الماشية الأسيجة المحمولة، وينقلونها من مرعى إلى آخر، بدلاً من نصب الأسيجة الدائمة وتركها خلفهم.
وفي المقابل، يمكن أن تلعب الأسيجة دوراً مهماً في الحفاظ على الأنواع الحية إذا وُجِدت في المكان المناسب، وهي أداة مهمة في إدارة الحيوانات المفترسة. ففي أميركا الشمالية، تُستخدم الأسوار الكهربائية المنيعة في إبقاء الدببة الرمادية خارج المناطق المأهولة بالسكان، وتجعلها بعيدة عن عوامل الجذب كأقفاص الدجاج وخلايا النحل وغيرها.
وتشير ملاحظات استشاري التنوع الحيوي جيانلوكا سيرا، إلى أن الأسيجة الخاصة في محمية التليلة قرب مدينة تدمر السورية ساهمت في الحفاظ على الغطاء النباتي للبادية ضمن المحمية، بالمقارنة مع التدهور الكبير الذي طال المناطق خارج المسيّجات بسبب الرعي الجائر خلال فترة الجفاف التي شهدتها البلاد قبل 15 عاماً.
من الممكن التخفيف من آثار بعض الأسوار والأسيجة، عن طريق تحديد الأنواع والموائل المعرضة للخطر، وتصميم الأسوار لتقليل الضرر البيئي وتخفيفه، لا سيما في نقاط العبور المعروفة للحياة البرية. وفي أكثر من مكان في العالم، تُستخدم الأنفاق والجسور لضمان تواصل الموائل التي تقطّعت بسبب الطرق السريعة وأسيجتها، عبر توفير ممرات آمنة لانتقال الدببة والذئاب والغزلان والزواحف وغيرها.
ما يحدث حالياً هو أن الحدود الطبيعية تغرق أو تنجرف أو تنهار أو تجفّ بسبب تغيُّر المناخ، في حين ترتفع الحواجز المصطنعة في كل مكان. ومعالجة مشكلات هذه الحواجز لا يتطلب فقط إجراء إصلاحات في السياسات والتشريعات؛ بل يقتضي إدراكاً أفضل للأسباب التي أدّت إلى إنشائها وكيفية التخفيف من أضرارها.


مقالات ذات صلة

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

بيئة الأمواج تتكسر على ساحل بلدة سانشا مع اقتراب الإعصار جايمي في نينغدي بمقاطعة فوجيان - الصين - 25 يوليو 2024 (رويترز)

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

قال علماء في بحث نُشر اليوم الجمعة إن تغير المناخ يُحدث تغييرات في أنماط هطول الأمطار حول العالم، وهو ما قد ينجم عنه أيضاً اشتداد قوة الأعاصير والعواصف المدارية

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
يوميات الشرق  الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

تُعدّ «مهرجانات ريف» المُقامة في بلدة القبيات، الوحيدة لبنانياً التي تتناول موضوعات البيئة، فتضيء على مشكلاتها وتزوّد روّادها بحلول لمعالجتها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق السباقات الهادفة (حساب ليندسي كول في فيسبوك)

«حورية بحر» بريطانية تحاول تحطيم الرقم القياسي العالمي للسباحة

تُخطِّط امرأة من بريستول لتحطيم الرقم القياسي العالمي لأطول سباحة باستخدام «الزعنفة الواحدة» من خلال السباحة على طول نهر بريستول أفون.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم سراويل وقمصان وقبعات أكثر استدامة

سراويل وقمصان وقبعات أكثر استدامة

ملابس متعددة الأغراض لأداء أمثل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق العِلم ومفاجآته (فريق إيكو)

وفاة السمكة «شارلوت» التي حَمَلت بلا تشارُك الحوض مع ذَكَر

أعلن حوض أسماك نورث كارولاينا وفاة سمكة الراي التي حَمَلت رغم عدم وجودها مع ذَكَر من نوعها في حوض لسنوات.

«الشرق الأوسط» (نورث كارولاينا)

3 مغامرين يتدربون للتجديف في المحيط المتجمّد الشمالي (صور)

أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)
أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)
TT

3 مغامرين يتدربون للتجديف في المحيط المتجمّد الشمالي (صور)

أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)
أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)

في مسبح داخليّ في دبي، يتخبّط فريق مؤلف من بريطانيين وآيرلندية، بين أمواج اصطناعية في محاكاة لما قد يواجهونه خلال رحلة تجديف في المحيط المتجمّد الشمالي، يطمحون من خلالها إلى تسليط الضوء على حماية المحيطات.

والمفارقة أنهم يتدرّبون في إحدى المناطق الأكثر حراً في العالم، للاستعداد لرحلة في واحدة من أكثر مناطق الكوكب برودةً، ومن أكثرها تأثراً بالتغيّر المناخي.

قال رئيس الفريق وصاحب فكرة «تحدي القطب الشمالي»، توبي غريغوري لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن إنجاز الرحلة من شأنه «تسجيل سابقة وزيادة الإدراك حول الموضوع (حماية البيئة)، وإظهار ومشاركة قصّتنا لتصبح إلهاماً لطلاب وروّاد أعمال ليكونوا التغيير الذي يريدون أن يروه في العالم».

أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)

أواخر يوليو (تموز)، سينطلق غريغوري (46 عاماً) مع رفيقيه أندرو سافيل (39 عاماً) وأورلا ديمبسي (30 عاماً) على متن قارب يرفع علم الإمارات، ولا يتجاوز طوله 8 أمتار، من دون محرّك أو شراع، في رحلة تعتمد حصراً على القوة البشرية، وتُقام بالاشتراك مع حملة «البحار النظيفة» (Clean Seas) التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

وسيعبر المغامرون الثلاثة 1500 كيلومتر من ترومسو في النرويج إلى لونغييربين عاصمة أرخبيل سفالبارد (سبيتزبرغن سابقاً) النرويجي الواقع في منطقة تزيد حرارتها بسرعة تفوق بثلاثة أضعاف سرعة احترار كوكب الأرض.

أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)

ويروي غريغوري كيف ألهمته رحلة تجديف قام بها عام 2023 في المحيط الأطلسي، للقيام برحلة أخرى. ويقول: «رأيتُ مواد بلاستيكية أكثر بكثير مما كنت أتخيّل».

ووفق الأمم المتحدة، يشكل البلاستيك 85 في المائة من النفايات البحرية.

بعد عودته آنذاك، أسّس غريغوري مشروع «ذي بلاستيك بليدج» (The plastic Pledge)، الذي يهدف إلى توعية تلاميذ المدارس حول التلوث البلاستيكي وإشراكهم في برنامج لمكافحته.

ووفق غريغوري، يشارك في المشروع حالياً 200 ألف تلميذ في 60 مدرسة، مضيفاً: «نريد أن نُلهم مليون تلميذ، ليس فقط في الإمارات ولكن في جميع أنحاء العالم».

بين صفر و10 درجات

منذ شهرين، يجري الفريق تدريبات، وخصوصاً على القارب الذي سيُستخدم في الرحلة. لكن بعد شحنه إلى نقطة الانطلاق مؤخراً وارتفاع درجة الحرارة في الإمارات؛ إذ يقيم أفراد الفريق منذ سنوات، انتقل هؤلاء إلى التدرّب في الأماكن المغلقة.

في مركز «دايناميك أدفانسد» للتدريب في دبي، ارتدى أعضاء الفريق ملابس ومعدّات مصممة لمغامرة من هذا النوع، وحاولوا ركوب قارب والقفز منه وسط أمواج وأمطار اصطناعية وصوت رعد وأضواء تشبه البرق.

وأكد سافيل، وهو مدير العمليات في ميناء دبي، أن «الأهمّ بالنسبة لنا الآن هو الاعتياد على المعدات التي سنرتديها»، إذ إن «المناخ بالطبع أمر يصعب اختباره في الإمارات»؛ حيث تفوق الحرارة حالياً 40 درجة مئوية.

أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات يتدربون في ظروف محاكاة في مركز تدريب الطيران في دبي (أ.ف.ب)

ووفق سافيل، فإن الحرارة أثناء الرحلة ستتراوح بين صفر و10 درجات مئوية؛ لذلك يتطلع الفريق إلى إجراء «مزيد من التدريبات القائمة على المحاكاة في بيئة أكثر برودة»، على غرار حديقة «سكي دبي» الثلجية للتزلّج الداخلي؛ إذ تبلغ الحرارة درجتين تحت الصفر.

ويعكس هذا المنتجع نمط عيش سكان الدولة النفطية المعروفة بالاعتماد الكثيف على مكيفات الهواء والاستخدام الواسع للسيارات رباعية الدفع.

ورغم ذلك، تسعى الإمارات إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، وقد استضافت أواخر العام الماضي مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ (كوب 28).

داخل غرفة باردة في مركز التدريب، أجرى الفريق تمريناً لتقديم الإسعافات الأولية، مستخدماً دمية وسط أضواء خافتة وتساقط ثلوج اصطناعية وأصوات رياح عاتية.

ومازحةً، أعربت أورلا ديمبسي عن أملها في أن تساعدها السنوات العشرون الأولى من حياتها التي أمضتها في آيرلندا، على تحمّل الطقس البارد أثناء الرحلة. وقالت إن البرودة «مجرد أمر سنتكيف معه عقلياً وجسدياً عندما نصل إلى هناك، ولا أعتقد أنها ستشكل مشكلة لأي منّا».

أول امرأة

ويسعى الفريق إلى تسجيل سابقة. فمن خلال «تحدي القطب الشمالي»، سيكون أول فريق مؤلف من 3 أشخاص يجدف في المحيط المتجمّد الشمالي، وأول فريق مختلط (أي يضمّ امرأة) يقوم بذلك، ومن ثم ستصبح أورلا ديمبسي أول امرأة في التاريخ تعبر هذا المحيط على قارب تجديف.

وتقول أورلا ديمبسي التي تعمل في مجال التعليم الرقمي، وكانت سابقاً معلّمة رياضة، إنها «تجربة رائعة حقاً أن أكون أول أنثى تفعل ذلك». لكنّها تعد أن «أفضل ما في الأمر هو أنني لن أكون الأخيرة، بل سيمهد ذلك الطريق لامرأة أخرى».

أورلا ديمبسي إحدى أعضاء فريق المجدفين في فريق بعثة تحدي القطب الشمالي المقيمين في دولة الإمارات (أ.ف.ب)

وعام 2021، أصبحت الشابة من بين 3 نساء حطمنَ الرقم القياسي لفريق مماثل، لعبور المحيط الهادئ تجديفاً من سان فرانسيسكو إلى هاواي في الولايات المتحدة. ولفتت إلى أن الأمر الذي ستحمله معها من مغامرتها السابقة إلى تلك المقبلة هو «الوثوق دائماً بزملائي في الفريق».

سيجدف كل مغامر لساعتين، ثمّ سيرتاح لساعتين، وذلك على مدار الساعات الأربع والعشرين. ويُتوقع أن تستغرق الرحلة بين 20 و25 يوماً. وقد اختار الفريق الذهاب في هذه الفترة من العام حين تكون الشمس ساطعة في المنطقة القطبية طوال اليوم، ما سيمكّنه من استخدام الألواح الشمسية الموجودة على القارب لتوليد ما يكفي من الطاقة لشحن معدّات للملاحة والهواتف وتحلية مياه للشرب.

وشدّد الفريق على أن الهدف الرئيسي من المغامرة هو تحفيز الناس، وخصوصاً الأطفال، على اتخاذ خطوات ملموسة لمكافحة المخاطر التي تهدد المحيطات.

وقال غريغوري إن «أكبر تهديد لكوكبنا هو أن الجميع يعتقد أن شخصاً آخر سينقذه. أؤمن بأنه عليكَ أن تكون التغيير الذي تريد رؤيته في هذا العالم، وهذا ما نقوم به».