القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف دولية بحق كارلوس غصن

رجل الأعمال اللبناني يشكو من «طعنة في الظهر»... اتهامات الفساد وغسل الأموال تلاحقه

كارلوس غصن خلال مؤتمر صحافي في بيروت، يناير 2020، بعد هربه من اليابان (د.ب.أ)
كارلوس غصن خلال مؤتمر صحافي في بيروت، يناير 2020، بعد هربه من اليابان (د.ب.أ)
TT

القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف دولية بحق كارلوس غصن

كارلوس غصن خلال مؤتمر صحافي في بيروت، يناير 2020، بعد هربه من اليابان (د.ب.أ)
كارلوس غصن خلال مؤتمر صحافي في بيروت، يناير 2020، بعد هربه من اليابان (د.ب.أ)

أصدرت السلطات الفرنسية مذكرة توقيف دولية بحق كارلوس غصن، رجل الأعمال اللبناني والقطب السابق لصناعة السيارات، الذي أوقف في اليابان نهاية 2018، وفر إلى لبنان في ظروف مثيرة.
وتتعلق المذكرة التي صدرت أول من أمس (الخميس)، بأكثر من 15 مليون يورو (16.3 مليون دولار) من مدفوعات مشبوهة بين تحالف شركتي السيارات «رينو» و«نيسان» الذي كان يترأسه غصن، وشركة «سهيل بهوان للسيارات»، كما أوضح المدعون في ضاحية نانتير قرب باريس. وترتبط الاتهامات بسوء استخدام أصول الشركة وغسل أموال وفساد.
وأوقف غصن الذي كان رئيس «نيسان»، وعلى رأس تحالف بين «رينو» و«نيسان» و«ميتسوبيشي موتورز»، في اليابان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 بشبهة سوء السلوك المالي إلى جانب كبير مساعديه غريغ كيلي. ونفى كلاهما ارتكاب أي مخالفات.
وبينما كان ينتظر المحاكمة في ديسمبر (كانون الأول) 2019، نفذ غصن عملية فرار تم ترتيبها بشكل جريء استعصى كشفه على السلطات اليابانية، إذ تم تهريبه من اليابان في صندوق معدات سمعية في طائرة خاصة.
ووصل غصن الذي يحمل الجنسيات الفرنسية واللبنانية والبرازيلية، إلى بيروت، التي لا ترتبط بمعاهدة لتسليم المطلوبين مع اليابان. وقال إنه فر نظراً لعدم اعتقاده بإمكان حصوله على محاكمة عادلة في اليابان، حيث تتم إدانة 99 في المائة من المتهمين بالقضايا التي تنظر فيها المحاكم. كما لفت إلى أن «نيسان» تواطأت مع المدعين لتوقيفه، نظراً إلى سعيه لتعميق التحالف بين الشركة اليابانية و«رينو».
وبعد فراره طلبت السلطات اليابانية تسليمه لمحاكمته، ورفضت السلطات اللبنانية، معللة رفضها بعدم وجود اتفاق لتبادل المتهمين بين اليابان ولبنان، لكنه لبنان أصدر قراراً يحظر على كارلوس غصن مغادرة أراضيه. وكانت السلطات اليابانية أصدرت مذكرة توقيف بحق كارول غصن للاشتباه بإدلاء بشهادات كاذبة في التحقيق مع زوجها.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن جان تامالي، أحد محامي غصن، أن «مذكرة التوقيف مثيرة للدهشة، لأن قاضي التحقيق والمدعي العام في نانتير يعلمان جيداً أن كارلوس غصن الذي دائماً ما تعاون مع القضاء، يخضع لمنع قضائي من مغادرة الأراضي اللبنانية».
وأصدر قاضي نانتير الذي يترأس التحقيق أربع مذكرات توقيف أخرى تستهدف شركة «سهيل بهوان للسيارات»، وفق ما أفاد مكتب المدعي العام.
وزار مسؤولون من نانتير بيروت مرتين خلال التحقيق، حيث استجوبوا شاهدين في فبراير (شباط) بعدما تحدثوا إلى غصن ومحققين في باريس العام الماضي.
ويتركز التحقيق الفرنسي على الاشتباه بتعاملات مالية غير مشروعة، ودفعات قام بها فرع هولندا إلى مستشارين وحفلات باذخة نُظمت في قصر فرساي.
وتم الاستماع إلى غصن كشاهد، وينبغي أن يكون في فرنسا لتوجه الاتهامات إليه رسمياً، وليكون بإمكانه الوصول إلى تفاصيل الاتهامات التي يواجهها. في الأثناء، أصدرت محكمة في طوكيو حكماً مع وقف التنفيذ بالسجن ستة أيام على مساعده السابق كيلي بشبهة أنه ساعد غصن في محاولته إخفاء دخله. وسعى المدعون لاستصدار حكم بالسجن لمدة عامين على كيلي، متهمين إياه بمساعدة غصن في التكتم عن مداخيل مقدارها 9.1 مليارات ين (79 مليون دولار)، بين 2010 و2018.
لكن المحكمة برأته من التهم المرتبطة بالسنوات المالية ما بين 2010 إلى 2016، ودانته بخصوص العام المالي 2017.
وأصر غصن الذي واجه اتهامات إضافية بسوء السلوك المالي، مراراً، على براءته وبراءة كيلي، مشيراً إلى أن المدعين اليابانيين عملوا على مساعدة «نيسان» لإطاحته فيما وصفه بـ«انقلاب». وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية في فبراير الماضي، قال غصن إنه يرغب في العودة إلى فرنسا، لكن ذلك غير ممكن «حالياً»، نظراً إلى وجود مذكرة توقيف بحقه صادرة عن الشرطة الدولية (إنتربول).
وقال، «بالتأكيد سأعود إلى فرنسا عندما يكون بإمكاني القيام بذلك»، مندداً بـ«طعنة في الظهر من الحكومة الفرنسية ومجلس إدارة (رينو)» الذي يعد طرفاً مدنياً في القضية.
ورفض وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، التعليق على مذكرة التوقيف، الجمعة، قائلاً لإذاعة «بي في إم تي في/آر إم سي»، «فلنترك العدالة تقوم بعملها».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.