المخرج ديفيد كروننبرغ يطرح في مزاد صورة «إن إف تي» لحصوات كليته

المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ (أرشيفية - ويكيبيديا)
المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ (أرشيفية - ويكيبيديا)
TT

المخرج ديفيد كروننبرغ يطرح في مزاد صورة «إن إف تي» لحصوات كليته

المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ (أرشيفية - ويكيبيديا)
المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ (أرشيفية - ويكيبيديا)

بادر المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ الذي يعرض مهرجان «كان» السينمائي فيلماً له عن الأعضاء الحيوية كأعمال فنية، إلى تقديم مثال على هذه الفكرة، من خلال بيعه في مزاد صورة بنمط «إن إف تي» لحصوات كليته.
و«إن إف تي» (رموز غير قابلة للاستبدال) هي منتجات رقمية مرفقة بشهادة تثبت أصالتها تُصمم باستخدام تقنية «بلوكتشاين» (سلسلة الكتل)، بحسب ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».
وطرح كروننبرغ الصورة المسماة «إنر بيوتي» (الجمال الداخلي) للبيع عبر منصة «سوبر رير» (Superrare) قبل نحو ثلاثة أسابيع بـ«سعر احتياطي» يبلغ عشرة إيثريوم (نحو 30 ألف دولار، بحسب سعر صرف هذه العملة المشفرة).
وعند الوصول إلى هذا المبلغ، سيستمر المزاد لـ24 ساعة.
وقال كروننبرغ عبر موقع التداول إنّ «طبيبي قال لي إنّ عليه الاحتفاظ بحصوات الكلى لتحليلها»، لكنّ المخرج البالغ 79 عاماً يرفض الأمر، لأنّه يجد أن هذه الحصى «أجمل من أن تُفتّت».
وقرر كروننبرغ تصوير 18 حصوة أُزيلت من جسمه، وتحويل هذه الصور إلى منتجات «إن ف تي». وبينما يُعتبر شاري منتج «إن إف تي» وحده حائزاً العمل، فإنّ المنتَج يبقى متاحاً للجميع عبر الإنترنت.
وكان المخرج باع العام الماضي (مقابل 25 إيثروم) فيلماً قصيراً ظهر فيه إلى جانب جثة تشبهه تماماً.
وجاءت فكرة «إنر بيوتي» من فيلمه «ديد رينغرز» (1988) الذي يتحدث عن طبيبَي نساء توأم يتشاركان الأمور كلّها.
ويقول كروننبرغ: «في أحد مشاهد الفيلم، يسأل طبيب توأمه: (لماذا لا تُنظّم مسابقات جمال مخصصة لداخل الجسد)؟».
وطرح صورة «إنر بيوتي» يحمل كذلك إشارة إلى فيلمه الجديد «كرايمز أوف ذي فيوتشر» المرشح لنيل السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي، الذي يؤدي أحد الأدوار فيه الممثل فيغو مورتنسن. وأعلن المخرج أنّ مورتنسن سيخضع في الفيلم «لعملية جراحية مباشرة في جسده».
وأصبحت إيرادات «إن إف تي» في هوليوود مصدراً لتمويل الأفلام المستقلة.
ولم يوضح كروننبرغ ما إذا كانت نسخة مادية من «إنر بيوتي» ستصاحب الصورة المطروحة على شكل «إن إف تي»؛ إذ غالباً ما تبقى هذه المنتجات بشكلها الرقمي فقط.



موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وسط الأجواء المثقلة بالهموم والخوف أعادت رسالة هاتفية بعض الأمل إلى سكان مدينة بيروت، معلنةً عودة أمسيات «مترو المدينة». يتحدث أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، مع «الشرق الأوسط» عن ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها إلى ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطلَ هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إنْ توقّفت النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إنْ تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة، «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».