انفلات عشائري جنوب العراق يودي بحياة جنرال في الاستخبارات

انتقادات واسعة تطال القيادات الأمنية

تشييع جثمان العميد علي جميل خلف في الناصرية أمس (شبكة أخبار الناصرية)
تشييع جثمان العميد علي جميل خلف في الناصرية أمس (شبكة أخبار الناصرية)
TT

انفلات عشائري جنوب العراق يودي بحياة جنرال في الاستخبارات

تشييع جثمان العميد علي جميل خلف في الناصرية أمس (شبكة أخبار الناصرية)
تشييع جثمان العميد علي جميل خلف في الناصرية أمس (شبكة أخبار الناصرية)

تعاني محافظات جنوب العراق منذ سنوات، من انفلات عشائري كبير يذهب ضحيته عشرات المواطنين سنوياً دون أن تتمكن السلطات الحكومية من إيقافه أو وضع حد له، رغم جيوشها وأجهزتها العسكرية الأمنية في تلك المناطق.
وفي أحدث جولة من جولات العنف والاقتتال العشائري هناك، قُتل أمس، مدير استخبارات عمليات سومر العميد علي جميل خلف أثناء توجهه لفض نزاع عشائري في قضاء الشطرة (40 كيلومتراً) شرقي مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار. وقامت وزارة الدفاع بنعيه، وشيع جثمانه في الصباح.
وكذلك قام مجهولون، أمس باغتيال مواطن في محافظة ذي قار، عقب خروجه من محكمة قضاء الشطرة بعملية «إعدام ميداني» بعد أن صدر حكم ببراءته من تهمة موجهة له، فيما سبق ذلك، قتل أحد السادة الوجهاء لدى توجهه لنزع فتيل معركة عشائرية في ضواحي مدينة الغراف، ووردت أنباء من هناك تفيد بأن مسلحين عشائريين جابوا صباحاً، شوارع مدينة الشطرة.
وفي تطور لاحق من ظهر أمس، أمر محافظ ذي قار محمد الغزي بإطلاق عملية أمنية واسعة في مدينة الشطرة بالتزامن مع إعلان حظر التجوال فيها.
وكشف المحافظ في بيان نقله تلفزيون الناصرية المحلي، عن «انطلاق عملية أمنية لملاحقة العابثين في الأمن في المدينة بعد مقتل العميد علي جميل خلف، على أن تنفذ بدعم من فوج من مكافحة الإرهاب وفوجين من القوات الخاصة».
وطالب المحافظ الأجهزة الأمنية في المحافظة وقيادة العمليات بـ«أخذ دورها في اعتقال الجناة وفرض الأمن في الشطرة، وهو ما لم يتحقق من دون فرض هيبة الدولة وإعادة الثقة للمواطن برجل الأمن».
وقبل ذلك، أعلن المحافظ الغزي فرض حظر التجول في مدينة الشطرة حتى إشعار آخر لتطويق وإنهاء النزاع العشائري بين قبيلتي عبودة وبني زيد.
وانتقد نواب عن محافظة ذي قار، أمس، بشدة دور القيادات الأمنية في المحافظة وفشلها في فرض الأمن، وقال النائب عن المحافظة ووزير العمل السابق عادل الركابي في مؤتمر صحافي تعليقاً على الأحداث الأخيرة «إذا كان الحل في إقالة القادة الأمنيين فليقالوا، ذي قار الآن على صفيح ساخن، أرواح تزهق وأمن مفقود».
وأضاف، أن «القادة الأمنيين جزء من هذا الوضع الخطير؛ إذ إنهم يقومون بأخذ العطوة (مهلة زمنية لأجل التفاوض بين العشائر) ويتخلون عن واجباتهم الأمنية والعسكرية». وفي تطور لاحق من بعد ظهر أمس، أعلنت قيادة عمليات سومر، أن الأوضاع الأمنية في ذي قار مُسيَطر عليه مع وصول تعزيزات أمنية بغداد.
وقال قائد العمليات الفريق الركن سعد حربية، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن «نزاعاً عشائرياً اندلع فجر اليوم في قضاء الشطرة، إلا أن القوات الأمنية تمكنت من تطويق القضاء والسيطرة عليه».
وأضاف، أن «الاشتباكات تجددت في منطقة الملحان والبو زيد اللتين تقعان خارج قضاء الشطرة، حيث وجهنا قواتنا لفكِّ النزاع والقبض على المتسببين».
وأشار حربية إلى أنّ «رصاصة طائشة تسببت باستشهاد العميد الركن علي جميل في استخبارات القيادة خلال عملية فضّ النزاع».
وتابع، أن «القيادة المركزية في بغداد أوعزت بتعزيز قاطعي الشطرة والناصرية بالقطعات الأمنية».
الأوضاع العشائرية المنفلتة في الجنوب ترددت أنباؤها في العاصمة بغداد من خلال انتقادات واسعة وجهها كتّاب وصحافيون للأجهزة الأمنية وبعض التقاليد العشائرية المنفلتة هناك.
حيث طالب رئيس تحرير جريدة «الصباح» الرسمية السابق فلاح المشعل بفتح «جبهة وطنية عراقية مهمتها حل الأزمة العراقية المركبة والعميقة».
وقال المشعل، إن «الأحزاب الحاكمة الفاسدة عجزت تماماً عن إيجاد الحلول، ليس بمقدور حزب أو تيار مواجهة هذا الخراب الكبير والقيام بتغيير دون مشاركة جميع القوى السياسية والاجتماعية بجبهة وطنية عريضة، جبهة تحدد مفهوم الدولة العراقية وفلسفتها وترسم برنامجها الحكومي في سلطة مركزية قوية». وعدّ الإعلامي أزمر أحمد ما يجري في الجنوب «إرهاباً عشائرياً مرتبطاً بالهامش الممنوح من قِبل السلطة للجماعات المسلحة».
ورأى أن «ثمة تواطؤاً غريباً بين المجتمع والسلطة والمؤسسات مع بعضها في مسألة توصيف الجرائم بشكلها الحقيقي، فمثلاً، حين تشن مجموعة مسلحة هجوماً يستهدف منزلاً لأحد المواطنين ويتم ترهيبهم والأسر القريبة والمجاورة منه، تتدخل الجهات الرسمية لفض النزاع والتراضي بدلاً عن إحالة كل هؤلاء بمن فيهم القادة من شيوخ العشائر إلى المحاكم بتهمة الإرهاب».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم