الغربيون يناقشون طبيعة الضمانات الأمنية لأوكرانيا

ماكرون لدى مشاركته في مؤتمر حول الحرب في أوكرانيا الثلاثاء (رويترز)
ماكرون لدى مشاركته في مؤتمر حول الحرب في أوكرانيا الثلاثاء (رويترز)
TT

الغربيون يناقشون طبيعة الضمانات الأمنية لأوكرانيا

ماكرون لدى مشاركته في مؤتمر حول الحرب في أوكرانيا الثلاثاء (رويترز)
ماكرون لدى مشاركته في مؤتمر حول الحرب في أوكرانيا الثلاثاء (رويترز)

فيما دخلت العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا مرحلتها الثانية، التي تركز على السيطرة على منطقة الدونباس، الواقعة شرق أوكرانيا، بحدودها الإدارية الموسعة، يسعى الغربيون لبناء مواقف جماعية موحدة للرد عليها. وجاءت أولى الخطوات من خلال المؤتمر عن بعد الذي دعا إليه الرئيس إيمانويل ماكرون، مساء أول من أمس، في إطار ما يسمى مجموعة الخمس (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا) التي ضمّت إليها بولندا ورومانيا والحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وهذه كانت المرة الثانية التي يتم فيها الاجتماع بهذه الصيغة الموسعة.
وفي عرضها لمجريات الاجتماع الذي زادت مدته عن الساعة قليلاً، أفادت المصادر الرئاسية الفرنسية أن المؤتمرين توافقوا على مجموعة من النقاط، أبرزها «فرض عقوبات إضافية على روسيا في حال تواصل عدوانها على أوكرانيا». بيد أن المصادر المشار إليها لم تفصح عن تفاصيل العقوبات الجديدة التي يرى فيها الغربيون ورقة ضغط، من شأنها دفع روسيا إلى وقف عملياتها العسكرية. والحال أن العقوبات كافة التي اتخذت بحقها، منذ بدء عملياته العسكرية في 24 فبراير (شباط) الماضي، لم يكن لها أي تأثير على الرئيس فلاديمير بوتين الذي اعتبر في تصريحاته الأخيرة أنها «تسير بنجاح». بيد أن القادة الغربيين، إلى جانب العقوبات، اتفقوا على مجموعة نقاط، وفق قصر الإليزيه، أولها تواصل العزم على دعم أوكرانيا «بالسبل الممكنة كافة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً من أجل مواجهة الاعتداء الروسي وتطورات الأزمة» الراهنة. يضاف إلى ذلك أن الغربيين قرروا التدخل لدى شركائهم خارج الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع لإقناعهم بأن ما يجري في أوكرانيا «يهدد الأمن والسلم العالميين، وليس مجرد أزمة إقليمية» أوروبية. وبالنظر لتبعات الحرب على مجموعة واسعة من الدول، خصوصاً في أفريقيا، لجهة استيرادها للحبوب والقمح على وجه الخصوص من أوكرانيا وروسيا، فقد قرر الغربيون توفير الدعم لهذه الدول المتضررة التي يمكن أن تعاني من الجوع، من خلال تمكين الدول المنتجة للحبوب من زيادة إنتاجها وتوفير احتياجات الدول الأكثر هشاشة، وتمكين المنظمات الدولية المعنية (الفاو، والبرنامج الدولي للغذاء...) من الاضطلاع بهذه المهمة.
واحتل الجانب السياسي حيزاً واسعاً من المناقشات. وأفادت مصادر الإليزيه أن الغربيين بيّنوا وحدة المواقف تجاه ضرورة أن تحترم روسيا القانون الدولي والتمسك بسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. ويرى الغربيون أن الدعم الذي يوفرونه، غرضه «ليس فقط مواجهة العدوان الروسي، بل أيضاً تمكين كييف من التمتع بموقف قوي عندما تنطلق المفاوضات بعد التوصل إلى اتفاق لوقف النار». الأمر الذي يبدو اليوم بعيداً. واللافت أن الغربيين لا يعتبرون أن المفاوضات التي لم تتوقف بين موسكو وكييف عن بعد «لا يمكن أن تفضي إلى نتيجة»، وأن روسيا «لم تنخرط بعد في مفاوضات جدية».
وعلى أي حال، وبالنظر لقبول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي مبدأ «الحياد»، فإن الغربيين يبحثون في طبيعة «الضمانات الأمنية» التي يريدها، التي هي الشرط الأول الذي لا بد من توافره للتخلي عن الانتماء إلى الحلف الأطلسي. والحال أن ما جاءت به المصادر الفرنسية لا ينم عن توصل الغربيين لتفاهمات حول شكل الضمانات ومن سيقدمها، علماً بأن زيلنسكي يريدها أن تشمل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى تركيا وإسرائيل وألمانيا وإيطاليا.
يُفهم فرنسياً أن الضمانات يمكن أن تكون من خلال توفير منظومات عسكرية لأوكرانيا، تمكنها من مواجهة اعتداءات «روسية» لاحقة، والنظر في «الوسائل» التي تؤهلها لاستعادة سيادتها وسلامتها الإقليمية. وباختصار، فإن الضمانات تبقى بعيدة عما تنص عليه الفقرة الخامسة من معاهدة الحلف الأطلسي، وتقترب مما جاء في المادة 42 الفقرة السابعة من معاهدة لشبونة، التي تقضي بأن توفر الدول الأعضاء في الاتحاد الدعم لأي عضو يتعرض لاعتداء خارجي. وتجدر الإشارة إلى أن زيلنسكي يضغط باتجاه إسراع بروكسل في البتّ بطلب انضمام بلاده للنادي الأوروبي.
والفرق بين المادتين أن الأولى تقضي بتدخل عسكري أطلسي جماعي بشكل آلي لحماية البلد المعتدى عليه، بينما الثانية لا تنص على ذلك. وحتى اليوم، لم يسبق أن تم تفعيلها. وقالت مصادر الإليزيه إن الرئيس ماكرون يدفع باتجاه توفير الضمانات الأمنية «الجماعية» القوية التي من شأنها «ليس فقط تلافي حرب جديدة، بل أيضاً المحافظة على سيادتها وسلامتها الإقليمية،
وذلك من خلال توفير الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والإنساني الذي تحتاج إليه». وفي أي حال، فإن باريس ترى أنه «لا بد من إطار دولي يحتوي هذه الضمانات، كمجموعة الدول الخمس دائمة العضوية»، كما يتعين توفر «الوضوح» بشأن الأهداف المرجوة بحيث لا تتكرر المصاعب التي واجهت تطبيق اتفاقيات مينسك.
وتدور المفاوضات الحالية حول 3 ملفات متداخلة؛ الحياد والضمانات الأمنية، مسألة الأراضي المحتلة (الدونباس وشبه جزيرة القرم)، وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية. لكن المواقف التي تم التعبير عنها في المفاوضات تبدلت، ومن الأمثلة على ذلك أن زيسلنسكي اعتبر في تصريحات سابقة له أنه يمكن أن ينظر بإجراء استفتاء حول مصير الدونباس. لكنه تراجع عن ذلك لاحقاً، وأكد أنه غير مستعد للتنازل عن الدونباس، وعبّر عن رفضه للتخلي عن أراضٍ أوكرانية. وموقف الغربيين هو التعبير عن الدعم لكييف، «لأن أراضيها هي المحتلة، ولأنه من غير المقبول التسليم باستيلاء دولة على أراضي دولة أخرى بالقوة». والأهم فيما جاء على لسان مصدر رئاسي أن الغربيين «مستمرون في استعمال وسيلة الضغط الرئيسية التي في حوزتهم (أي العقوبات) التي سوف تشدد في المستقبل، والتي لن ترفع طالما لم تستعد أوكرانيا السيطرة على كامل أراضيها»، ما ينذر بمفاوضات بالغة الصعوبة وبأزمة بعيدة المدى.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
TT

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)

اتفقت المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، اليوم الجمعة، على إنشاء شركة مشتركة لبناء طائرتها المقاتِلة الأسرع من الصوت، والمتوقع أن تجهز في عام 2035، في إطار برنامج يحمل اسم القتال الجوي العالمي «GCAP».

وأعلنت الشركات المصنّعة الثلاث المسؤولة عن تطوير الطائرة المقاتِلة، الجمعة، في بيان، أنها وقّعت على اتفاقية إنشاء الشركة التي تملك كلٌّ منها ثُلثها. والشركات هي: «بي إيه إي سيستمز (BAE Systems)» البريطانية، و«ليوناردو (Leonardo)» الإيطالية، و«جايك (JAIEC)» اليابانية، التي أنشأتها، على وجه الخصوص، شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

وأنشئت الشركة المشتركة، التي ستبدأ أنشطتها منتصف عام 2025، في إطار برنامج القتال الجوي العالمي الذي أُعلن في عام 2022 بالشراكة بين لندن وروما وطوكيو. وستحلّ الطائرة الضخمة ذات الذيل المزدوج على شكل حرف V محل طائرات «إف-2» (F-2) اليابانية ومقاتِلات يوروفايتر الإيطالية والبريطانية. ومن المتوقع أن يمتد عمرها الافتراضي إلى ما بعد عام 2070، وفقاً للبيان.

وفي حال احترام الجدول الزمني، الذي وضعه القائمون على المشروع، فإنها ستدخل الخدمة قبل خمس سنوات على الأقل من الطائرة التي يبنيها مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي «SCAF» الذي تُنفذه فرنسا وألمانيا وإسبانيا.