خطة التعافي المالي تتعرض لانتكاسة وتهدد تنفيذ الاتفاق مع «النقد الدولي»

«القوات» و«الوطني الحر» يتوحدان على ربط النقاش بها

مودعون يتظاهرون أمام مقر البرلمان في بيروت للمطالبة بأموالهم (إ.ب.أ)
مودعون يتظاهرون أمام مقر البرلمان في بيروت للمطالبة بأموالهم (إ.ب.أ)
TT

خطة التعافي المالي تتعرض لانتكاسة وتهدد تنفيذ الاتفاق مع «النقد الدولي»

مودعون يتظاهرون أمام مقر البرلمان في بيروت للمطالبة بأموالهم (إ.ب.أ)
مودعون يتظاهرون أمام مقر البرلمان في بيروت للمطالبة بأموالهم (إ.ب.أ)

تعرضت «خطة التعافي المالي» و«قانون الكابيتال كونترول» اللذان طلب «صندوق النقد الدولي» من الحكومة اللبنانية إقرارهما، لانتكاسة أمس، بعد انقسام سياسي حال دون استكمال مناقشة مشروع القانون في اللجان البرلمانية، وربط النواب مناقشة المشروع بـ«خطة التعافي» التي أشعلت بدورها الشارع والنقابات، رفضاً لتحميل المودعين الجزء الأكبر من خسائر الدولة اللبنانية.
وحوصرت 3 مطالب على الأقل طلبها «صندوق النقد الدولي» بالخلافات السياسية، حتى بات تنفيذ الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الذي وقعه لبنان في الأسبوع الماضي «مهدداً بالتأجيل أكثر»، حسبما قالت مصادر اقتصادية ونيابية، بالنظر إلى أن صندوق النقد طالب بإقرار موازنة المالية العامة، كما طالب بإقرار «الكابيتال كونترول» و«خطة التعافي»، وهي ملفات يبدو أنها باتت مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات.
ورغم التصعيد في الحملات الانتخابية كل منهما ضد الآخر، سجل توافق على موقف موحد بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، حيث تعذر انعقاد جلسة اللجان النيابية المشتركة لاستكمال دراسة قانون «الكابيتال كونترول»، عندما أكد نواب «الجمهورية القوية» و«لبنان القوي» رفضهم مناقشة القانون قبل الاطلاع على «خطة التعافي». وينسجم الطرفان في هذا الموقف، في مقابل تأييد إقرار القانون من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ونواب «حركة أمل» و«حزب الله».
وأثارت «خطة التعافي» التي انفردت «الشرق الأوسط» بنشر تفاصيلها أمس، جدلاً واسعاً بالنظر إلى أنها تقترح تحميل المصارف والمودعين 60 مليار دولار من خسائر الدولة اللبنانية بفعل الأزمة، وهو ما تعرض لرفض واسع؛ سياسياً وشعبياً ونقابياً، وصل أمس إلى حراك شعبي أمام مجلس النواب حاول عرقلة وصول النواب إلى مبنى البرلمان.
واتخذ ملف «الكابيتال كونترول» مقاربة سياسية، مما أطاح إمكانية إقراره قبل الانتخابات، كما قالت مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط»، موضحة أنه لم يتحدد بعد أي موعد لجلسة جديدة، بينما لم يبقَ إلا 3 أسابيع قبل الانتخابات؛ بينها عطلتا الفصح وعيد الفطر، مما يعني أن النقاشات أرجئت إلى ما بعد الانتخابات.
وتداخلت المقاربات لهذا القانون بين الشقين السياسي والتقني. وقال عضو كتلة «الوسط المستقل» (يرأسها ميقاتي) النائب علي درويش إن ملف «الكابيتال كونترول» من الأساس «ملف شائك، وكان يجب أن يقر في بداية الأزمة، لكن التعثر في إدارته (أنتج مشكلة)، امتدت إلى الآن، حيث باتت متشعبة بين الجوانب التقنية والسياسية». وأوضح درويش في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن المعترضين على إقرار القانون «ربطوا مناقشته بقضية (خطة التعافي)، مع أن الأمرين منفصلان»، عادّاً أن جزءاً من هذا الربط «سياسي»، وهو ما أدى إلى ترحيل الملف إلى ما بعد الانتخابات.
ويوازي «قانون الكابيتال كونترول»، حسب درويش، «بين حقوق الناس وسحب الودائع، والحفاظ على المؤسسات الحاضنة لها، وهي المصارف»، لكن هذا التوازن «لم يكن مقنعاً لبعض الكتل النيابية التي قادت الأمور إلى منحى سياسي، وخلقت جدلاً يتخطى جوانبه التقنية».
ويرى درويش أن لبنان اليوم «يدفع ثمن التناقضات والتجاذبات السياسية الداخلية»، مشدداً على أن جزءاً كبيراً من الملفات لا يمكن التعامل معه بالمراوحة، موضحاً أن العمل بالصيغة القائمة «لا يوصل لنتائج رغم مجهود الحكومة وجهود الرئيس نجيب ميقاتي لتفكيك العوائق ووضع لبنان على سكة التعافي»، وأضاف: «يبقى التعويل على أن تحدث الانتخابات صدمة وتخلق دينامية جديدة في مجلس النواب المقبل تؤديان إلى حل المشكلات بدلاً من تفاقمها».
وفي الوقائع أمس، لم تنعقد جلسة اللجان المشتركة المخصصة لاستكمال درس قانون «الكابيتال كونترول» بعد تبليغ نواب «الجمهورية القوية» و«لبنان القوي» رفضهم مناقشته قبل الاطلاع على «خطة التعافي».
وقال نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي الذي يرأس اجتماعات اللجان: «لا يجوز تحت أي ظرف أن يكون هناك (كابيتال كونترول) من دون (خطة تعافٍ) تحدد الخسائر والمسؤوليات والمسؤولية الكبرى تقع على من استدان المال ومن ثم (مصرف لبنان) والمصارف». وأكد أن مجلس النواب لن يخرج عنه أي قانون «يأكل حقوق المودعين». وتابع: «ليعلم المجتمع الدولي والحكومة ومختلف المؤسسات التي تتعاطى في الشأن المالي؛ أنه لا يُمكن أن نفاوض على حقوق المودعين».
من جانبه، قال رئيس لجنة الإدارة والعدل، النائب جورج عدوان، إن «أي كلام عن حماية المودعين من قبل رئيس الحكومة غير صحيح». ودعا إلى «خطة تحدد المسؤوليات أولاً، ومن ثم يتم البحث في (الكابيتال كونترول)»، مضيفاً: «أي بحث خارج مسار تحديد المسؤوليات وتوزيع الخسائر يعني إدخال البلد في المجهول».
من جهته، أكد رئيس لجنة المال والموازنة، النائب إبراهيم كنعان، «أننا مستعدون لمتابعة نقاش (الكابيتال كونترول) بعد تعديله على ضوء معطيات واضحة من الحكومة بما لا يحمل المودع مسؤولية اهتراء الدولة؛ بل (مصرف لبنان) والمصارف والدولة». وطالب كنعان، وهو عضو في تكتل «لبنان القوي»، «بمصارحة الناس بالحقائق»، عادّاً أن «سؤال الحكومة عن خطتها التي تتداول في الإعلام والتي يتم التفاوض حولها مع الدول وماذا ستفعل بودائع الناس، ليس جريمة؛ بل هو حق في ضوء التسريبات التي جرت لـ(خطة التعافي)».
وشدد كنعان على أن ما حدث «لا يعني أننا نريد وقف البحث في (قانون الكابيتال كونترول)، لكن يجب أن يأتي ضمن رؤية واضحة»، كما لفت إلى أن «التشريع في زمن الانتخابات بهذه الأهمية ليس محموداً، وإذا لم نستطع إقرار (قانون الكابيتال كونترول) الآن، فبعد الانتخابات هناك شرعية شعبية جديدة ومجلس نيابي سيقوم بمهامه».
بدوره، شدد أمين سر كتلة «اللقاء الديمقراطي»، النائب هادي أبو الحسن، على «توزيع الخسائر، بحيث تتحمل الدولة المسؤولية بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى (مصرف لبنان) والمصارف، إلى جانب مَن استفاد من الفوائد الخيالية والهندسات المالية». وأضاف: «أما المودعون، فلهؤلاء حقوق نرفض التفريط فيها رفضاً قاطعاً»، مشدداً على أهمية «الحفاظ على الطبقة الوسطى في لبنان، فهي الحافز الأساسي لإعادة تنشيط الاقتصاد اللبناني، وبالتالي ضربها من خلال ضرب ودائعها أمر مرفوض منا كـ(لقاء ديمقراطي)».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».