تراشق بين نتنياهو وبنيت يهدد جهود التهدئة مع غزة

رئيس الحكومة الحالي لسلفه: في عهدك تلقينا 13 ألف صاروخ من «حماس»

عناصر من «الجهاد الإسلامي» خلال استعراض بمناسبة «يوم الأسير الفلسطيني» برفح جنوب قطاع غزة الأحد الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من «الجهاد الإسلامي» خلال استعراض بمناسبة «يوم الأسير الفلسطيني» برفح جنوب قطاع غزة الأحد الماضي (أ.ف.ب)
TT

تراشق بين نتنياهو وبنيت يهدد جهود التهدئة مع غزة

عناصر من «الجهاد الإسلامي» خلال استعراض بمناسبة «يوم الأسير الفلسطيني» برفح جنوب قطاع غزة الأحد الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من «الجهاد الإسلامي» خلال استعراض بمناسبة «يوم الأسير الفلسطيني» برفح جنوب قطاع غزة الأحد الماضي (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تجري فيه محاولات مصرية للحفاظ على التهدئة، بعد إطلاق صاروخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل مساء الاثنين، والرد الإسرائيلي بقصف في منطقة خان يونس، تبادل رئيسا الوزراء في إسرائيل، الحالي نفتالي بنيت، والسابق بنيامين نتنياهو، التراشق بالاتهامات ليثبت كل منهما أن الآخر كان ضعيفاً في مواقفه حيال الفصائل في غزة. وقد أعرب عدد من السياسيين من الطرفين عن القلق من أن تؤدي هذه الاتهامات إلى تصعيد جديد للتوتر الأمني في المنطقة.
وكانت إسرائيل قد دمرت صاروخاً أطلق من قطاع غزة باتجاه بلداتها الجنوبية، مساء الاثنين. وردت إسرائيل بقصف محسوب على خان يونس لم يسفر عن أي إصابات في الأرواح. ثم أعلنت كتائب «القسام»؛ الجناح العسكري لحركة «حماس»، عن تصديها لسلاح جو الاحتلال الإسرائيلي، فجر أمس الثلاثاء، بالمضادات «الأرض - جو» بصاروخ محمول على الكتف من طراز «ستريلا2» روسي الصنع. ونشر خبراء عسكريون إسرائيليون معلومات عن هذا الصاروخ، مؤكدين أنه مرحلة أعلى في قدرات الفصائل الفلسطينية. وأشاروا إلى أن هذه الصواريخ أدت دوراً مركزياً في الحرب الباردة، وأنها سلاح بأيدي جيوش دول ولا يزال في الخدمة في العديد من البلدان التي تشهد نزاعات إقليمية أو داخلية منذ عام 1972. وأوضحوا أن وزنه لا يصل إلى 10 كيلوغرامات، وقد يصل مداه إلى 4.2 كيلومتر، ويعمل من خلال نظام التوجيه بالأشعة تحت الحمراء، ويحمل رؤوساً شديدة الانفجار.
وقد استغل نتنياهو إعلان «حماس»؛ ليكتب في منشور على حساباته في الشبكات الاجتماعية، أن بنيت أخفق في مواجهة «حماس». وكتب حزبه على موقع «الليكود» أن «حكومة بنيت الهزيلة باتت مكشوفة؛ ليس فقط حزبياً وبرلمانياً، بل أيضاً من حيث أدائها الفاشل في مواجهة التحديات، فأعداء إسرائيل يرفعون رؤوسهم منذ أن أدركوا كم هي الحكومة ضعيفة، ويزدادون قناعة بأنها ضعيفة من ردها السخيف والهزيل على صاروخ (حماس)».
ورد بنيت بمنشور غاضب حاد على نتنياهو و«الليكود» جاء فيه: «في عهدك يا بيبي، أطلقت تنظيمات الإرهاب في قطاع غزة، 13 ألف صاروخ باتجاه سكان الجنوب الإسرائيليين، ونفذت 1500 عملية مسلحة، وأحرقت 45 ألف دونم من الحقول والكروم بواسطة البالونات الحارقة وغيرها. وقتل في عهدك 238 إسرائيلياً، وأصيب 1700 بجراح متفاوتة. وفوق كل هذا، أتحت أنت تمرير حقائب سفر كثيرة مملوءة بالدولارات إلى (حماس) وموظفيها». وأضاف بنيت: «إرث نتنياهو يتمثل في إطلاق صواريخ (حماس) باتجاه القدس، وتنفيذ اعتداءات إجرامية على مواطنين يهود في اللد وعكا، وإشعال لهيب الحرب داخل إسرائيل نفسها. أنت الذي فشل يا بيبي... أحرزت الإخفاقات مقابل (حماس)، ونحن نسعى للتصحيح».
وعاد «الليكود» ورد، ظهر أمس، على بنيت بالقول: «ورثت منا شهوراً طويلة من الهدوء الذي تحقق بفضل سياسة نتنياهو القوية، بفضل عملية (حماة الأسوار) التي قادها رئيس الوزراء نتنياهو، الذي كنت عنده وزير دفاع لفترة قصيرة. أنت انتهى تاريخك، وعمر حكومتك الهزيلة قد نضب».
من جهته؛ أعلن الجيش الإسرائيلي أن قواته في حالة تأهب قصوى خلال أيام الأعياد تحسباً من التصعيد؛ أكان ذلك على صعيد الضفة الغربية والقدس، أم في قطاع غزة. ومع أن المصريين يجرون محاولات لإعادة الهدوء بين الطرفين في جميع الجبهات، يتحسب كثيرون من خطر اتخاذ قرارات مبنية على أساس هذا الصراع الحزبي، لكي يثبت بنيت لنتنياهو أنه قوي وليس ضعيفاً أمام «حماس» أو غيرها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.