مسؤولون غربيون يشيدون بتقدم مصر في مكافحة الفساد والإصلاح الاقتصادي

السفير ديفيد ثورن: كيري يؤيد بصورة كاملة كل الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية

مسؤولون غربيون يشيدون بتقدم مصر في مكافحة الفساد والإصلاح الاقتصادي
TT

مسؤولون غربيون يشيدون بتقدم مصر في مكافحة الفساد والإصلاح الاقتصادي

مسؤولون غربيون يشيدون بتقدم مصر في مكافحة الفساد والإصلاح الاقتصادي

أكد مسؤولون غربيون بارزون أن مصر باتت تحظى بنظرة إيجابية مستقرة من قبل العواصم الغربية، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، وأنهم يرون تقدما مصريا واضحا في عدة مجالات، وعلى رأسها الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد، مشيرين إلى دعم متنامٍ من الإدارات الغربية المرموقة للقاهرة في خطواتها، وحثهم المستمر على دعم الدولة المصرية، سياسيا واقتصاديا، بما يحقق مصالح مشتركة.
وفي وقت أعرب فيه السفير جيمس موران، سفير الاتحاد الأوروبي لدى مصر، عن يقينه بأن الإدارة المصرية تعمل جاهدة على مكافحة الفساد، مستدلا بتقارير لمنظمة «الشفافية الدولية»، أشار السفير ديفيد ثورن، المستشار الخاص لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، إلى أن بلاده تدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الحالي تنفيذه حاليا في مصر، مشددا على أن كيري يؤيد بصورة كاملة كل الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية.
وأوضح السفير موران، في تصريحات على هامش الاحتفال بيوم أوروبا في القاهرة، أن «هناك تقدما قد تحقق في مجال مكافحة الفساد في مصر من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة الحالية»، مؤكدا أن «هذا ليس رأيي الشخصي، فالشفافية الدولية صنفت مصر في مستوى أفضل بعشرين مرتبة في مكافحة الفساد مقارنة بالعام السابق، وهذه أخبار جيدة، وعندما تقول الشفافية الدولية ذلك، فهذا يعني تقدما فيما يخص مكافحة الفساد». وتابع موضحا أن «هذه بداية جيدة.. وقد يكون هناك الكثير مما يتعين القيام به أكثر، ونأمل أن يستمر هذا النهج».
واعتبر موران أن «هناك سببا وجيها لتأجيل الانتخابات البرلمانية في مصر»، في إشارة إلى ما قضت به المحكمة الدستورية العليا من عدم دستورية قانون الانتخابات، ما أدى إلى إرجاء إجرائها إلى وقت لاحق هذا العام. لكنه عبر في ذات الوقت عن أمله الكبير في «أن تجري الانتخابات بأسرع وقت ممكن لأننا ندعم خريطة الطريق، والانتخابات البرلمانية جزء أساسي من خريطة الطريق، وكلما تم الإسراع في إجرائها كان ذلك لمصلحة مصر»، مؤكدا استعداد الاتحاد الأوروبي للنظر في أمر إرسال مراقبين متى يتم تحديد موعد إجراء الانتخابات.
وأدلى موران بتصريحاته في مقر الاتحاد الأوروبي الجديد على نيل القاهرة، والذي افتتحته الممثلة الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي السابقة كاثرين آشتون قبل نحو سبعة أشهر، قبيل ترك منصبها. وكان موران يتحدث بالتزامن مع خطاب الرئيس السيسي، وهو تقليد جديد للإدارة المصرية، حيث يقدم فيه الرئيس ما يشبه «كشف حساب شهريا» عن أوضاع الدولة.
وبينما كان السيسي يؤكد في حديثه، أن «الإرهاب والفساد والبيروقراطية هي أبرز التحديات التي تواجه مصر»، أوضح موران أن هناك تعاونا مستمرا بين الجانب الأوروبي و«أصدقائه» الإقليميين في خطط مكافحة الإرهاب، مؤكدا إجراء مشاورات مع عدد من العواصم، من بينها القاهرة «لمواجهة التحديات البارزة التي نشهدها، مثل محاربة تنظيم داعش، والهجرة غير الشرعية، والوضع في ليبيا وسوريا، وغيرها، ونحن في حاجة لسياسة محدثة، ونريد ذلك بطريقة تعبر عن شراكة بين الجانبين».
وبالتزامن مع ذلك، كان السفير ديفيد ثورن يؤكد في واشنطن أن بلاده تدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الحالي تنفيذه حاليا في مصر، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية أحرزت تقدما مشجعا في هذا المجال. وقال ثورن في كلمة ألقاها خلال لقاء نظمته غرفة التجارة الأميركية إن كيري يؤيد بصورة كاملة كل الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية، وإن الوزير الأميركي أقر خلال مشاركته في مؤتمر شرم الشيخ بأن الخطوات التي اتخذها الرئيس السيسي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي خلال العام الماضي ساهمت في إرساء قواعد اقتصاد مستدام، يشمل كافة فئات المجتمع مما يساعد على بناء الثقة وجذب استثمارات جديدة.
وسرد السفير ثورن ما تم تنفيذه في مصر من خطوات حتى الآن، ومن بينها إصلاح المنظومة الضريبية، والجولة الأولى من تخفيض فاتورة الدعم بهدف توفير الموارد اللازمة للتركيز على الإنفاق على مشروعات البنية الأساسية والرعاية الصحية، والتعليم، الذي يأتي على رأس أولويات الحكومة المصرية، كما نوه بالاستثمارات الضخمة التي تم تخصيصها في مجال الطاقة في مصر، بالإضافة إلى قانون الاستثمار الجديد، الذي يركز على إمكانية تنفيذ فكرة الشباك الواحد.
وشدد السفير ثورن على أن الخارجية الأميركية تركز على تشجيع الاستثمار والأنشطة التجارية في مصر كأحد سبل تعزيز العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أن القطاع الخاص الأميركي يلعب دورا رائدا في دعم الاقتصاد المصري، كما أعرب عن أمله في أن تشارك المزيد من الشركات الأميركية في الأنشطة التجارية لمساعدة مصر في الاستفادة من كل الإمكانات الاقتصادية المتوفرة لديها، وأوضح في نفس الإطار أن زيارة بعثة «طرق الأبواب» الحالية تعد فرصة لتعريف رجال الأعمال والسياسة الأميركيين بـ«فرص الاستثمار الهائلة المتوافرة في مصر»، بهدف دعم التعاون الاقتصادي بين البلدين، مشيرا إلى أن السياسات الاقتصادية والخارجية متلازمتان.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.