«العاصوف» يستذكر مرحلة «النَفَس التحريضي» لبيانات الصحوة في التسعينات

مشهد من مسلسل «العاصوف 3»
مشهد من مسلسل «العاصوف 3»
TT

«العاصوف» يستذكر مرحلة «النَفَس التحريضي» لبيانات الصحوة في التسعينات

مشهد من مسلسل «العاصوف 3»
مشهد من مسلسل «العاصوف 3»

أعاد مسلسل «العاصوف 3» إلى الأذهان، واحدة من المراحل المفصلية في تاريخ نمو تيار الصحوة بالسعودية، وذكرت بنَفَس التحريض، الذي انطوت عليه البيانات التي كان يصدرها رموز التيار، مستفيدين من سخونة الأجواء والظروف غير العادية التي كانت تعصف بالمنطقة أوائل تسعينات القرن الماضي.
وأوردت الحلقة، تداول المساهمين في الكتابة والصياغة المراوغة لما وصف بـ«مذكرة النصيحة» لتمرير الأهداف غير المباشرة من الخطوة، والتدثر ببعض رموز المدرسة العلمية التقليدية لإضفاء الشرعية على البيان، وحث الجماهير على تبني مضامينه وتكثيف الضغط على الدولة.
وكشفت الحلقة خلال جلسة صياغة الخطاب، محاولة المتمالئين على كتابته، التركيز على عناصر السلك العسكري وتحريضهم على شق عصا الطاعة والسعي لكسبهم في صف مؤلفي البيان.
وبالعودة إلى التاريخ، تشبعت صياغة البيان بأشواق الصحوة لفرض وصايتها الآيديولوجية على الفضاء العام في السعودية، إذ حاول البيان في تفاصيله إعادة تعريف بعض عناصر الفضاء العام، ومن ذلك دور العلماء، وأداء الإعلام، ووظيفة الجهاز العسكري، وتأويل المستقرات الشرعية من منظور حركي يدعم أهداف الصحوة، في الوقت الذي كانت تمر البلاد بمرحلة تاريخية دقيقة.
عكس الزخم العام لمضمون البيان والأسماء الموقعة، بالإضافة إلى نمط السلوك المتزامن مع بث الخطاب بين الجماهير، زيادة تأثير الخطوة واستقطاب النتائج المرجوة من ورائه، محددات الفكر الصحوي في نسخته السرورية، وهي تنظيم هجين بين السلفية المحلية والحركية الأممية.
وسعى القائمون على البيان، حسب الحلقة، إلى جمع أكبر عدد من التواقيع لعكس حجم التأييد لمضامينه، وإذاعته بين الجماهير وإرساله عبر «الفاكس» إلى مقرات الدوائر الحكومية من لندن، حيث ينشط رموز من التيار في الترويج للمشروع خارج البلاد، عبر المنصات والمنظمات الدولية، وتعبئة الجماهير حتى تحين ساعة الصفر، وإطلاق «المدفع العملاق»، وهو عنوان الشريط المجهول الذي سجل عليه مضمون البيان، ووزعت نسخه بين الجماهير لإثارة الفوضى في البلاد والسيطرة على مفاصل الدولة.
ولم تفوت الحلقة إلقاء الضوء على الدور المحوري لأشرطة «الكاسيت»، التي كانت أكثر أدوات المرحلة انتشاراً وتأثيراً بين الجماهير، وحملت الإنتاجات المتعددة للتيار الصحوي، سلة من العناوين التي كانت تمثل تصعيداً يمهد لفرض الهيمنة الفكرية، ويبسط أرضية الأفكار المؤهلة للانقلاب العملي.
آلت أحداث تلك المرحلة إلى احتواء الموقف العام، ومعالجته بشقيه الأمني والفكري، وأبدت هيئة كبار العلماء في بياناتها الشرعية المضادة، الغضب والاستنكار على ما تضمنه البيان من «اختلاق المثالب، وغمط الحق، والتغاضي عن محاسن الدولة»؛ وقد ساهم موقف «كبار العلماء» في سحب البساط من تحت الصحوة، ووقف زحف التأليب الفكري لخطاباتها المهجوسة بالسلطة، وإعادة الاعتبار لثوابت الاستقرار الشرعي والوطني.
هدأت الموجة العارمة لصحوة التسعينات، قبل أن تندلع مجدداً موجة أخرى في مطلع الألفية الجديدة مع وصول الإنترنت إلى يد الجماهير، واستئناف مشروع الصحوة وإثارة ترسبات مرحلة التسعينات في وجه الدولة والمجتمع.
ويتناول مسلسل «العاصوف» في جزئه الثالث، واحدة من الفترات الساخنة التي كشفت فيها التيارات الحركية، والتي انبثقت عن جماعة «الإخوان المسلمين»، عن نياتها للتحرك سياسياً باتجاه تحقيق مشروعها الأممي المتجاوز للحدود.
واتكأ المسلسل في حبكته الدرامية على تفرع الأحداث عنقودياً من واقعة حرب الخليج الثانية، وعلى تطور الشخصيات داخل العمل عبر هذه الحقبة الزمنية المهمة، من خلال سرد تحولاتها العمرية وتزامنها الفكري مع الأحداث، وتفاعلها في إطار الأسرة والمجتمع، وتعكس التنوعات في الاستجابات الفردية من شخصيات المسلسل إزاء الأحداث، التنوعات الاجتماعية وتمثيل التيارات والأجيال داخل المجتمع السعودي الذي واجه تحديات على جميع الأصعدة.
ويواجه «العاصوف» منذ إذاعة جزئه الأول عام 2018 موجة من الجدل، وقد أذكت أجزاؤه الثلاث الكثير من النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي فتحت معه نافذة سخية في التأمل والمراجعة لمراحل مفصلية من التاريخ الاجتماعي والثقافي للسعودية.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».