معارضون روس يلجأون إلى إسرائيل خشية استهدافهم

أولغا رومانوفا (أ.ف.ب)
أولغا رومانوفا (أ.ف.ب)
TT

معارضون روس يلجأون إلى إسرائيل خشية استهدافهم

أولغا رومانوفا (أ.ف.ب)
أولغا رومانوفا (أ.ف.ب)

مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) الماضي، أدرك الزوجان الروسيان ومُخرجا الأفلام آنا شيشوفا يوغوليوبوفا وديميتري يوغوليوبوف أنه تتعين عليهما مغادرة موسكو خشية استهدافهما.
وقال الزوجان لوكالة الصحافة الفرنسية من شقة تعود لصديق لهما في مدينة روحوفوت جنوب تل أبيب: «كنا التاليين في القائمة» ويقصدان بذلك قائمة من يصفهم الكرملين بأنهم «عملاء أجانب».
وقال يوغوليوبوف (42 عاماً) مخرج فيلم «تاون أوف غلوري» الذي مولته ألمانيا في عام 2019، إنه إذا حدث ذلك «فإنك ستضطر لممارسة الرقابة الذاتية أو تواجه السجن عاجلاً أو آجلاً».
يتناول الفيلم استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحداثاً مرجعية تتعلق بالقتال ضد ألمانيا النازية ليكرس سلطته في القرى الروسية.
ويعود خوف الزوجين إلى أن موسكو ومع زيادة عزلتها الدولية تنظر بريبة إلى جميع الأفلام الممولة أجنبياً وحتى الوثائقية منها. وهما يريان أن أفلامهما ليست مستثناة.
وتقول المخرجة شيشوفا يوغوليوبوفا (36 عاماً): «شعرنا بالتهديد على مدى السنوات القليلة الماضية، وخلال الأشهر القليلة الماضية على وجه التحديد كان الناس يتجسسون علينا ويلتقطون صوراً في مواقع تصوير أعمالنا».
قرر الزوجان مواصلة العمل في روسيا، لكنهما استفادا من أصولهما اليهودية وحصلا على الجنسية الإسرائيلية.
ويمنح «قانون العودة» الإسرائيلي حق المواطنة لأي شخص أحد أجداده أو والديه يهودي؛ وهو شرط متوفر لدى آلاف الروس والأوكرانيين.
بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، ومنذ ذلك الوقت، وبحسب وزارة الهجرة، اضطر نحو 24 ألف أوكراني إلى الفرار إلى إسرائيل، واستفاد بعضهم من «قانون العودة».
وبحسب مسؤول في الوزارة؛ فإن نحو 10 آلاف روسي وصلوا إلى الدولة العبرية أيضاً.
وأشار المسؤول؛ الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن «معظم هؤلاء من الشباب الخريجين ومن الطبقة الوسطى في المدن».
ومثل عائلة يوغوليوبوف، كانت أولغا رومانوفا المولودة في موسكو تتوقع أن يأتي اليوم الذي لن تنعم فيه بالأمان في روسيا.
تقدمت أولغا (69 عاماً) بطلب للحصول على جواز سفر إسرائيلي بعدما ضم بوتين شبه جزيرة القرم في عام 2014.
وتضيف؛ محوطة بأحفادها في منزل ابنها خارج القدس: «حينها أدركت أن الأمور لا تسير على ما يرام في روسيا... بدء الغزو كان دليلاً على حاجتي للمغادرة في أسرع وقت ممكن».
وتستدرك وهي تحاول حبس دموعها: «الحرب في أوكرانيا لا تتوافق مع طريقة تفكيري وقيمي الأخلاقية؛ بل تجعلني أشعر بالتقزز».
تعدّ موجة الهجرة من أوكرانيا وروسيا إلى إسرائيل الكبرى منذ أوائل تسعينات القرن الماضي وانهيار الاتحاد السوفياتي.
تقول شيشوفا يوغوليوبوفا: «نشعر بالأمان هنا، ويمكننا النوم بسلام». وتضيف: «هنا تحصل ابنتي البالغة 4 سنوات والمصابة بداء السكري على العناية التي تحتاج إليها».
لكنها غير متيقنة مما إذا كانت ستبقى في إسرائيل أم ستنتقل إلى مكان آخر.
وتقول: «لكننا لا نعرف ما إذا كنا سنبقى هنا، هذا يعتمد على عملنا، في الوقت الحالي نريد فقط العيش والتعافي... وبعدها سنرى».
أما سيرغي، وهو اسم مستعار لعازف كمان روسي يخشى الملاحقة، فقد غادر مع زوجته عازفة البيانو وأطفالهما الثلاثة موسكو نحو إسرائيل، لكنه ليس متأكداً من البقاء فيها.
ويقول: «لا أعرف ما إذا كنا سنبقى هنا أم سنذهب إلى مكان آخر».
وفي رحلة فرارها، لم تجد خبيرة اللغة رومانوفا (44 عاماً) في حقائب سفرها متسعاً إلا لكتابين؛ أحدهما عمل أكاديمي، والثاني رواية لميخائيل بولغاكوف ترافقها في أسفارها دائماً.
وتقول بألم: «فقدت بلادي، سُرقت مني. أخذها بوتين ومجرمو (كي جي بي)» في إشارة إلى جهاز الاستخبارات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟